إن هيئة الغذاء والدواء معنية بأمر الدواء، ورغم أن إنجازاتها في ضبط المخالفين لاشتراطاته تنشر بشكل دوري ومحل تقدير، إلا أنها لم توفق في ضبط أسعاره، وبالأخص أدوية المصانع الوطنية التي يباع بعضها في الداخل ب 65 ريالاً، أو قرابة 17 دولاراً، بينما تتراجع قيمته في دول مجاورة إلى 9 ريالات.. في 24 يونيو من العام الجاري، قررت منظمة الصحة العالمية بأن تكون هيئة الغذاء والدواء في المملكة مركزاً تعاونياً في مجال التغذية لإقليم شرق المتوسط، الذي يضم 22 دولة، ويأتي السابق تقديراً لجهودها في تعزيز جود الحياة والصحة العامة، وفي الحد من انتشار الأمراض المزمنة، والتخلص من الزيوت المهدرجة جزئياً، وبالتأكيد طموحات الهيئة لا تتوقف عند هذا الحد، لأنها وبحسب القائمين عليها، تستهدف موقعاً بين أفضل خمس أجهزة رقابية على الغذاء والدواء في العالم، وذلك بالتركيز على جانب السلامة في الغذاء والدواء والأجهزة الطبية، ومعها منتجات التجميل والمبيدات والأعلاف، وإذا وصلت لما سبق، فإنها ستعمل على تصدر مجالها، وهو أمر مشروع ولكنه صعب، فالمركز الأول من الناحية العملية تشغله في الوقت الحالي إدارة الدواء والغذاء الأميركية، صاحبة السمعة والصيت، والمعروفة اختصاراً ب (أف دي أيه)، ومجاراتها ممكنة إلا أنها ليست سهلة. لعل الكثيرين لا يعرفون بأن الرقابة على الغذاء والدواء في المملكة تستخدم الذكاء الاصطناعي في أعمالها، وقد أمكن عن طريقها تحقيق أرقام مؤثرة فيما يخص سلامة الأغذية، والتثبت من خلوها من الملوثات، توجد في هيئة الغذاء السعودية إدارة تنفيذية لتنمية الاستثمارات في مجال اختصاصها، وهو غير موجود في بقية الأجهزة الرقابية المشابهة، بالإضافة لدعمها الشراكات الاستثمارية بما لا يتعارض مع اعتبارات السلامة وصحة الناس، ولكنها، في رأيي، مازالت تحتاج لمختبرات متقدمة، ولإنجازات أكبر في المجال العلمي، وفي الابتكارات والفحوصات، وبما يجعلها جهة مرجعية وموثقة دولياً، بعدما تمكنت من تحقيق الريادة الإقليمية في مجال الأغذية بشهادة منظمة الصحة العالمية، ويضعها في مستوى واحد مع مثيلاتها في أميركا وأوروبا، ويصحح الصورة النمطية المأخوذة عنها على الأقل عند منتقديها. هيئة الغذاء السعودية تشغل منصب نائب الرئيس في هيئة الدستور الغذائي العالمية، التي تم تأسيسها في 1963، والأخيرة تعتبر مسؤولة عن إقرار المعايير، ومعها اللوائح الفنية والمواصفات الدولية للغذاء، بمعنى أنها تصنع القرار الدولي في مجال الأغذية، وتضم منظمات بارزة من أوروبا وأميركا والمنطقة العربية، أو ذات طابع أممي كالفاو ومنظمة الصحة العالمية، وقد استطاعت القفز بالمملكة إلى قائمة أفضل خمس دول خالية من الدهون المتحولة، ومجهوداتها كانت سبباً في تراجع الملوثات في الأغذية المحلية من 8 % إلى 2 %، خلال الفترة ما بين 2016 و2023، وهذه النسبة متوافقة مع الموجود في الدول المتحضرة، ولا يمكن التقليل من أهميتها، فالأطعمة غير الآمنة تسبب ما يزيد على 200 مرض، تبدأ من أمراض الجهاز الهضمي وتصل إلى السرطان، وفي كل عام تؤدي الأمراض المنقولة عن طريق الغذاء إلى وفاة 420 ألف شخص في العالم، وتؤثر على صحة 600 مليون في المتوسط. في أواخر 2022 حذرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية من شامبو دوف، وقالت إنه يحتوي على مادة البنزين التي يمكن أن تصيب بالسرطان، واستمر تداوله في الداخل السعودي، لأن علاقته بالسرطان غير مؤكدة، في نظر الهيئة، ومنتجات أيهيرب مصنعة في معظمها من جلد الخنزير، وخصوصاً إذا دخل الجيلاتين في تركيبها، ويعتبر السوق السعودي من أكبر مستهلكيها خارج أميركا وبنسبة 60 %، إلا أن الهيئة لا تراقبها، لأنها مثلما تقول تُستورد بكميات شخصية لا يمكن فحصها، وتباع عن طريق متاجر إلكترونية خارجية، وفي اعتقادي، كلاهما لا ينسجم مع التقدم التقني الذي يعيشه هذا الجهاز الرقابي النشط، وبالنسية ل"أيهيرب" كان الأنسب للهيئة استقطابها وتسجيلها، بمزايا تنافسية واشتراطات سعودية، بالنظر لإقبال السعوديين العالي عليها، ولأنه في الأصل يخدم دور إدارة الاستثمارات لديها. الأعجب، وبما أن هيئة الغذاء والدواء معنية بأمر الدواء، ورغم أن إنجازاتها في ضبط المخالفين لاشتراطاته تنشر بشكل دوري ومحل تقدير، إلا أنها لم توفق في ضبط أسعاره، وبالأخص أدوية المصانع الوطنية التي يباع بعضها في الداخل ب 65 ريالاً، أو قرابة 17 دولاراً، بينما تتراجع قيمته في دول مجاورة إلى 9 ريالات، أو ما يعادل دولارين ونصف الدولار، والفارق كبير بينهما، وهو تصرف غير مفهوم، لأن القائمين على الهيئة نفسها يقولون بوجود سبعة آلاف دواء مسجل في المملكة، وكل واحد من هذه الأدوية تم تسعيره، وإنهم يراقبونها بالذكاء الاصطناعي والباركود. بخلاف نشر صحيفة الوطن السعودية في 2020، لمادة صحافية تفيد بأن الهيئة لا تراقب إلا 25 % من مصانع ومستودعات الأغذية، والهيئة في 2024 واستناداً لكلام مسؤوليها، أشارت إلى أن مصانع الأغذية زادت بنسبة 82 %، وكلها مراقبة باستخدام التقنيات المتقدمة، وعند إضافة ما قيل لنسبة ال 75 % من المصانع غير المراقبة قبل أربعة أعوام، فإنه يمثل إنجازاً ثورياً بافتراض حدوثه فعلاً، والثابت والمستقر عندي، أن الهيئة تحتاج لإعادة ترتيب في أولوياتها، وإلى الاهتمام أكثر باحتياجات الناس، وهذا لا ينتقص من إنجازاتها بطبيعة الحال.