ذلك المكان الذي تتقاطع فيه النهايات والبدايات، فالوصول إلى عمقه قد يعني الهلاك، أو يكون فجرًا جديدًا كما كان الحال مع سيدنا يوسف عليه السلام، حين ظن الجميع أنه قد انتهى، لكنه خرج ناجيًا، مكرمًا، بدعوات شيخٍ كبير أحسن الظن بالله، فاستجاب له الكريم الجبّار. في المقابل، هناك من كانت نهايته في الجب مأساوية، كما تروى في القصص والأساطير، تلك التي سمعناها عبر الأجيال، فأوجست قلوبنا منها خيفة، رغم أن كثيرًا منها ليس إلا أوهامًا ضخّمها خيال البشر وأسرف في تصويرها. هذا هو عالمنا، وهذه هي حقيقتنا.. نعيش أيامنا باحثين عن أرزاقنا بين الساعات، نعود منهكين من العمل، لكننا رغم التعب نشعر بالفرح، لأنه النجاح الذي يقودنا إلى العمق، عمقٌ قد لا نرضى عنه ظاهريًا، لكنه في الحقيقة أساس سعادتنا وتحقيقنا لذواتنا. فلو لم تمر بنا الحياة إلى غيابة الجب، لما عرفنا حلاوة النجاح، تلك الحلاوة التي تتضاعف بمرارة التعب الذي عشناه. لقد شربنا من جداول الماء العذبة، وقطفنا ثمار أشجار زرعناها بالأمس بأيدينا، حينها نسينا كيف كنا نسابق الزمن لنغرسها، ونعتني بأغصانها، ونرتب الرمال حول جذوعها، كما نرتب ملفاتنا في مكاتبنا، ونضبط أدواتنا الهندسية. قِس على ذلك كل عمل سعينا إليه بجهد وعرق، وكلما أولينا الأصول اهتمامًا، أبهرتنا الفروع بجمالها. إذًا، فلنبدأ من جديد.. ولنجعل من توقفنا محطة شحن للطاقة، لا نقطة تراجع أو تكاسل. لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس، مادامت أنفاسنا تتردد في صدورنا، من واجبنا أن نشحنها بالهمم، وننهض بأنفسنا، بوطنٍ أعطى وأكرم، وانتفع بخيراته الكثير، وأنت بين خيراته.. فهل ستقف عاجزًا عن العمل؟ هل تنتظر الأمل؟! بل أنت الأمل.. أنت النور الذي تبعثه لنفسك، ثم لوطنك. أنت الحاضر الذي يتوق الجميع للوصول إليه. انهض، وامسح غبار العجز، وشمّر عن ساعديك.. أهداف رؤيتنا أن نرى الجميع يتقدم دون توقف، ويصعد دون تردد. كن أرضًا لوطنك، ليمنحك سماءه، كن مجتهدًا، ليكون لك المجد، اعمل، ليكون لك العطاء.. وابدأ الآن. بالتوفيق من الله، ثم بدعم وطنٍ يساندك، ويفرح بنجاحك.