في بيئات العمل، يُفترض أن يكون المدير هو صمّام الأمان، من ينظّم الجهود ويقود الفريق نحو النجاح. لكن ماذا لو كان هذا المدير هو أول أسباب فشل البيئة؟ بل، أول مسببات التسرب الوظيفي، والتوتر، وتآكل الإنتاجية؟ هنا تظهر بيئة العمل السامة، بكل ما تحمله من إحباط وتدمير نفسي ومهني. المدير المتحيز يُقسّم الفريق إلى محظوظين ومهمشين، ويقضي على العدالة في التقييم. أما من يكثر الوعود ولا يفي، فإنه يهدم الجسور بينه وبين موظفيه، فالثقة لا تُبنى بالكلام، بل بالأفعال. المدير سيئ الخلق يحوّل كل صباح إلى امتحان أعصاب، ويخلق جوًا من التوتر يكسر تركيز الموظفين ويقتل الحماس. ثم يأتي المدير الجاحد، الذي لا يرى مجهودات الآخرين ولا يعترف بإنجازاتهم، مهما بلغت، وكأن العطاء في شركته لا يُقدَّر إلا إذا كان مصحوبًا بولاء شخصي. المدير الذي يعمل لمصلحته فقط، وينسب إنجازات فريقه لنفسه، ويتبرأ من الأخطاء عند أول فرصة، ليس قائدًا بل عقبة. والمتغطرس المتكبر، يرفض الاستماع، يفرض رؤيته بلا نقاش، ويزرع الصمت في الاجتماعات خوفًا من غضبه. والأسوأ حين لا يمنح فرصًا لموظفيه، ولا يفتح الأبواب أمام تطويرهم، كأنه يخشى أن يعلو أحدهم عليه. التشخيص مشكلة أخرى، فحين تتحول ملاحظات العمل إلى عداوات شخصية، تُخلق فجوة لا تُردم. أما المدير الذي يفرض قراراته مهما كانت خاطئة فقط لأنه "المدير"، فهو يؤسس لفوضى مهنية مقنّنة. وبعضهم يتعمد تهميش المميزين، خشية أن يخطفوا منه الضوء، فيخسر الجميع لمجرد غروره. بيئة العمل السامة ليست قضية ترف تنظيمي، بل خطر حقيقي على استقرار الموظف النفسي والذهني. المدير السام لا يهدد فقط سعادة الفريق، بل يهدد مستقبل المؤسسة نفسها. الإصلاح يبدأ حين تعترف الإدارات بأن المدير ليس فوق المحاسبة، وأن العدالة والتمكين ليستا خيارًا، بل ضرورة.