"تجاوزي"، كلمة قصيرة تُقال كثيرًا، لكنها تحمل في طيّاتها الكثير من القسوة المُبطّنة. تُقال عادةً في وجه امرأة تتألم، تتكلم، أو تحاول فقط أن تُفهم ما تشعر به. تبدو الكلمة كأنها نصيحة... لكنها في حقيقتها أداة اغتيال بطيئة للشعور، ومحاولة لدفن الألم قبل أن يُسمَع. لماذا أصبحت "تجاوزي" ردًا تلقائيًا في مجتمع يُطالب النساء بالصمت، والاحتواء، والتجاوز، دون أن يمنحهن حق المرور الكامل بالمشاعر؟ هل نعيش في ثقافة تُجبرنا على تجاوز ما لم نُشف منه أصلًا؟ وهل كل تجاوز يُعتبر ما الذي تعنيه "تجاوزي" حقًا؟ في ظاهرها، "تجاوزي" تبدو كنصيحة ناضجة. وكأنها تعني: "لا تعلقي في الألم... لا تعيشي في الذكرى... لا تجترّي التفاصيل..." لكن في عمقها، هي مطالبة بالتجاهل لا بالتجاوز. هي دعوة للصمت، لا للسلام. هي دفن مشاعر حقيقية تحت قشرة من التماسك الاجتماعي. "تجاوزي" تُقال أحيانًا لتُربك المرأة، لتشكّكها في مشاعرها: هل أنا حساسة زيادة؟ هل فعلاً ما صار يستحق حزني؟ يمكن أنا أبالغ؟ وهنا يبدأ الاغتيال النفسي لمشاعر كانت مشروعة تمامًا. لماذا هذه الثقافة مؤذية؟ ثقافة "تجاوزي" لا تمنح المساحة للضعف، ولا تعترف بالانكسار كجزء طبيعي من الحياة. إنها تطلب من المرأة أن "تتماسك"، حتى قبل أن تُمنَح فرصة الانهيار. أن "تكمّل"، وهي لم تلتقط أنفاسها بعد. أن "تسكت"، رغم أن بداخلها ضجيج لا يُحتمل. وهذه الثقافة تؤدي إلى ما يلي كبت شعوري مزمن، فحين يُمنع التعبير، تبدأ المشاعر المكبوتة في التراكم داخليًا، وتخرج لاحقًا على هيئة توتر، قلق، نوبات بكاء مفاجئة، وربما حتى آلام جسدية. جلد الذات: وذلك عندما يُقال لكِ: "تجاوزي"، ثم لا تستطعين فعل ذلك بسرعة، تبدأين في لوم نفسك: "ليش لسه متعلقة؟"، "أنا غبية؟"، "أنا ضعيفة؟"، وكل هذا ظلم إضافي للنفس. تطبيع العلاقات المؤذية: "تجاوزي" قد تُستخدم لتبرير السلوك المؤذي، وكأن المشكلة ليست في من أوجعك، بل فيكِ لأنك ما زلتِ تشعرين. التفاعل الصحي مع الألم: ما تحتاجه المرأة (وأي إنسان) ليس أمرًا بالتجاوز، بل احتواءًا حقيقيًا. من حقك أن تُكرري الحكاية أكثر من مرة. تغضبي، تبكي، تضعفي، ثم تعودي. تأخذي وقتك الكامل في فهم ما حدث لكِ. تُعبّري دون أن تُحكمي. المرور بالمشاعر لا يعني الغرق فيها... بل يعني الاعتراف بها، وإعطاؤها حقها في الوجود. ولكن متى يكون "التجاوز" حقيقيًا؟ عندما تُشفين لا حين تُسكتين. وعندما تختارين بنفسك أن تكملي، لا لأن الآخرين ضاقوا من حديثك. ندما تُغلق الجراح، لا حين تُغلق الأفواه. ندما تكونين أكثر فهمًا لنفسك، لا أقل شعورًا بها. ثقافة "تجاوزي" ليست تعبيرًا عن النضج... بل أحيانًا تكون أداة لطمس المعاناة تحت واجهة "القوة". لكن لا بأس أن تتألمي، أن تتأخري في النهوض، أن تتعثّري. القوة الحقيقية ليست في التجاوز السريع، بل في الشفاء العميق. ولكِ وحدكِ، دون غيرك، أن تقرّري متى يكون الوقت مناسبًا لتقولي: "تجاوزتُ... حين كنتُ مستعدة، لا حين أُجبرت".