حديث الوادي هو اسم اخترته لبرنامج توعوي ثقافي في إحدى القنوات وسائل التواصل، لأنه يحمل في طياته جزءا من رحلتي الشخصية، ويعكس ارتباطي العميق بالأودية التي شكلت محطات في حياة مجتمعاتنا المحلية وفي حياتي الشخصية كأحد أفراد هذا المجتمع السعودي العظيم. البداية كانت في وادي بلّحمر ويسمى وادي فرشاط وجواره وادي مرّة، حيث مسقط رأسي وذكريات الطفولة الأولى، كان ممتلأً بالمياه نابضاً بالحياة، حيث تتدفق منه السيول لتروي الأراضي الزراعية، وتتكون فيه الغدران التي تحتضن المياه وتغذي الآبار لتصبح خزانات مياه طبيعية للبشر. على ضفافه تنتشر الأشجار والنباتات التي تبعث البهجة في النفوس، بينما ترتوي منه الأرواح عطشًا والبطون خيرًا، بماء عذب ومنتجات زراعية غنية تمنح الحياة استمرارًا وجمالاً. المنعطف الثاني وادي الدواسر وهو منعطف مفصلي يمثل نقلة من الريف إلى القرية، مرحلة التعليم الأولي وحينها بدأت أتعرف على العالم بشكل أوسع نسبياً، المرحلة الراهنة في عالم الأودية، وادي ضاحية خزام، الممتد من وادي السلي، لتكمل هذه الأودية الثلاث قصص حياة مرتبطة بالجذور المياه العذبة. الأودية ليست مجرد مشاهد خلابة وحسب، بل هي شرايين الحياة التي تحمل معها الماء، الزرع، والقصص التي تُحكى على ضفافها. عبر التاريخ، كانت الأودية مصدر حياة، ومكان لتجمع الناس، ومحرك للثقافات فهي التي تسهم في تشكيل هوية المكان وتنعكس على تكوين الإنسان، وهي ملهمة الشعراء، وملاذ المزارعين، ومحطة التجار، من خلالها تتشكل العلاقات، وتُنسج القصص، وتُبنى المجتمعات. اختيار اسم "حديث الوادي" يعبر عن إيماني بأن كل وادٍ يحمل حكاية، وكل حكاية تحمل حكمة، فكما أن الأودية تشبه الثقافة، تتدفق من الماضي إلى الحاضر، لتروي عطش الأرواح الباحثة عن الجمال والمعرفة. الأودية كانت دائمًا جزءًا أساسيًا من حياة الإنسان عبر العصور، فهي شرايين الحياة التي وفرت الماء والزراعة والتجارة، وشكلت ممرات طبيعية للتنقل والهجرة، ومراكز لنشوء الحضارات والثقافات. ارتبطت بها أماكن مقدسة مثل وادي مكة ووادي عرفات، وكانت مصدرًا للإلهام في الشعر والأدب ومسرحًا للحكايات والأساطير. حتى مع تطور المدن الحديثة والتكنولوجيا، تغير دور الأودية لكنها لم تفقد رمزيتها العميقة، فأصبحت مواقع سياحية وترفيهية وبيئية تحمل إرثًا ثقافيًا وطبيعيًا غنيًا، فالحفاظ عليها حتى مع نضوبها أمر ضروري لأنها تمثل جزءًا من تاريخ الإنسان وتراثه الطبيعي، وتحتوي على تنوع بيئي يمكن أن يكون نادرًا ومهددًا بالزوال. حتى في حال جفافها، تظل الأودية ممرات طبيعية تساعد في تصريف مياه الأمطار والحد من الفيضانات، فضلاً عن كونها بيئات يمكن تطويرها كمناطق سياحية أو ترفيهية تعزز ارتباط الإنسان بالطبيعة وقيم الاستدامة. بصيرة.. الأودية ليست مجرد تضاريس، بل هي رمز لجمال الأرض وشاهد على التفاعل البشري مع الطبيعة، ما يجعل الحفاظ عليها امتدادًا لارتباطنا بتلك الجذور التي شكلت حياتنا وثقافتنا على مر التاريخ.