يتداول عدد من أفراد المجتمع عبارة "لا تبكي، أنتَ رجُل" تُقال للذكور في عُمر الطفولة، باعتقادِهم أنّ مثل هذه العبارات تُعزّز مبادئ القوة والثّبات وتُرسّخها؛ ليكبر الطفل عليها وتتعمق بداخله، وبالتالي يُصبح قويًّا صلبًا وفقًا للمعايير المجتمعية! إلّا أنّني لا أرى أيّ قوة في تجريد طفل من مشاعرِه وقمْعِها! لو تأملنا العبارة لوجدنا أنّها تتبنّى مبدأً مُجحِفًا في حقِّ الرجل، مُجحِفٌ في حقِّ أنّنا بشرًا خُلقنا من طينٍ واللينُ مجبولٌ فينا. وإذا أمعنّا أكثر في سلبيات مبدأ تلك العبارة وأثرَها النفسي سنُلاحِظ الآتي، سيكبر هذا الطّفل وهو يشعُر بالعيبِ من التعبير عن مشاعره، في حين أنّه من أبسط حقوقه أنْ يُعبِّر! سيكبر هذا الطفل بليد عاطفيًا؛ وذلكَ كردّة فعل طبيعية، لأنّه لمْ يكُن هناكَ مَن يحتوي ألمه أو يداوي جرحه أو يفهمه، فتجده غير قادر على التّعاطف مع الآخرين! سيكبر هذا الطّفل لديه غضب داخلي مكبوت، لأنّ البُكاء صورة من صور تفريغ المشاعر، وهو اعتادَ على تجاوز ألمه تجاوزًا ظاهريًّا في حين أنّه لا يزالُ عالقًا بكثيرٍ من الأحزان التي تحوّلت لغضبٍ دون أن يشعُر! لذلكَ أرى من الضرورة ترك مساحة للطفل للتعبير عن حزنه، ومع مرور الزمن سيكبر وينضج ويعرف كيف يتعامل مع أمور حياته، سيفهم بديهيًا أنّه لن يبكي على كلّ شاردة وواردة، وفي أي مكان وزمان! لكن -على الأقل- يكون قد نشَأَ في بيئة داعمة له عاطفيًا، سيفهم أنّ حالات ضعفه التي يمرّ بها لنْ تجعله سيئًا في نظرِ مَن يُحبّه ويُقدِّره، سيفهم أنّ مشاعره ليست خطيئة! وأنّ حزنه لا ينقص من قدرِه شيئًا، سيعرف كيف يراعي الآخرين لأنّه مُكتفي داخليًا. وفي الختام، جرّب بدلًا من أن تُربّي طفلك على مبدأ عبارة "لا تبكي، أنتَ رجُل" أنْ تُربّيه على مبدأ يحتوي مشاعره ويتقبّلها دون استنكارها، ويمنحه فُرصة الحوارِ بشأنها، وبالمقابل يُذكّره بقوّته الداخلية، جرّب أن تتبنى مبدأ "ما الذي يُبكيكَ؟ وأنتَ رجُل!"