في حدث تاريخي يعكس المكانة العالمية المتصاعدة للمملكة العربية السعودية، حصلت مدينة الرياض على الموافقة النهائية من المكتب الدولي للمعارض (BIE) في 17 يونيو 2025 لاستضافة معرض إكسبو 2030، لتبدأ المملكة بذلك مرحلة جديدة من العمل الفعلي والتنفيذي لإحدى أضخم الفعاليات العالمية وأكثرها تأثيرًا. هذا الحدث الاستثنائي لا يمثل فقط مناسبة دولية كبرى بل يعكس ترجمة فعلية لطموحات رؤية السعودية 2030، ويكرّس موقع الرياض كواحدة من أهم العواصم العالمية للمستقبل والابتكار. جاءت الموافقة النهائية خلال الجمعية العامة للمكتب الدولي للمعارض في باريس وذلك بعد ستة أشهر فقط من إعلان فوز الرياض باستضافة المعرض، في سابقة تُعد الأسرع في تاريخ تسجيل ملفات الإكسبو، وقد ترأس الوفد السعودي وزير الدولة والرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمدينة الرياض معالي المهندس إبراهيم السلطان الذي تسلّم رسميًا علم المعرض إيذانًا بانطلاق مرحلة التنفيذ، وهذا الإنجاز يبرز ثقة المجتمع الدولي في قدرات المملكة التنظيمية والبشرية ويعزز من صورة السعودية كدولة رائدة في استضافة الأحداث الكبرى بعد نجاحات متعددة في استضافة قمم دولية ومناسبات رياضية واقتصادية كبرى خلال السنوات الماضية. يمتد موقع المعرض على مساحة تتجاوز 6 ملايين متر مربع شمال مدينة الرياض بالقرب من مطار الملك خالد الدولي وقد تم تصميمه بعناية ليعكس مفهوم "الواحة المستدامة"، حيث ستندمج الطبيعة مع التكنولوجيا ضمن معمار ذكي يراعي الاستدامة والبيئة والهوية المحلية، كما سيتم ربط الموقع بشبكة مترو الرياض والحافلات الذكية مع تطوير شامل للبنية التحتية في المناطق المحيطة بما يضمن سهولة الوصول والاستيعاب السلس لملايين الزوار المتوقعين، وسيضم المعرض أجنحة لأكثر من 195 دولة و29 منظمة دولية ويتوقع أن يستقبل أكثر من 40 مليون زائر منهم 7.5 ملايين زائر دولي بالإضافة إلى أكثر من مليار زائر عبر المنصات الافتراضية. تبلغ الميزانية التقديرية للمشروع حوالي 7.8 مليارات دولار تتضمن بناء الموقع والمرافق الداعمة بالإضافة إلى تخصيص 400 مليون دولار لدعم مشاركة الدول النامية، وتشير التقديرات إلى أن إكسبو 2030 سيُضيف ما يقارب 355 مليار ريال إلى الناتج المحلي غير النفطي على مدى 25 عامًا وهو ما يعادل نحو 19 ٪ من الناتج غير النفطي لعام 2023، كما يُتوقّع أن يُنفق الزوّار ما يقارب 38 مليار ريال خلال فترة المعرض، ما يوفّر فرصة ذهبية لدعم قطاع السياحة وخلق آلاف فرص العمل وتحفيز الاستثمار في قطاع الضيافة، إذ من المرتقب أن تتم إضافة نحو 100 ألف غرفة فندقية جديدة في مدينة الرياض. لعبت الهيئة الملكية لمدينة الرياض دورًا مركزيًا في تحقيق هذا الإنجاز منذ لحظة إعداد الملف الترشحي وحتى الحصول على الموافقة النهائية وقادت الهيئة عملية التخطيط الحضري لموقع المعرض والتنسيق مع مختلف الجهات الحكومية والخاصة، كما وضعت خططًا شاملة لتحقيق الاستدامة من خلال اعتماد معايير بيئية صارمة بما يتماشى مع التزام المملكة بتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2060، وأكد معالي المهندس إبراهيم السلطان أن إكسبو 2030 سيكون "معرضًا من العالم وللعالم" وأنه سيُبنى بأيدٍ سعودية ويُدار برؤية شاملة تستثمر في الإنسان والمكان وتقدّم نموذجًا عالميًا في التخطيط والتنفيذ. تلقى ملف الرياض إشادات دولية واسعة من جهات سياسية واقتصادية وثقافية بارزة فقد عبّر الأمين العام للهيئة الدولية للمعارض ديميتري كيركنتزيس عن إعجابه بسرعة وكفاءة المملكة مؤكدًا أن "الأغلبية الساحقة من الأصوات لصالح الرياض تعكس ثقة عالمية في قدرة السعودية على تنظيم حدث عالمي بامتياز"، وعلى الصعيد الثقافي والديني وصف Rabbi Marc Schneier المملكة بأنها "مركز عالمي للحوار والتسامح"، معتبرًا إكسبو منصة لعرض قيم الانفتاح والتعايش. يُعد استضافة إكسبو أحد أبرز شواهد تمكين المملكة للقطاعات الوطنية، حيث ساهمت كفاءات سعودية شابة في إعداد الملف وإدارة العلاقات الدولية وتصميم الموقع وإنشاء المحتوى، وهذا الإنجاز هو استمرار لنهج التمكين الذي تقوم عليه الرؤية سواء في تمكين المرأة السعودية أو إشراك الشباب في قيادة المشاريع أو تعزيز الدور المجتمعي في صناعة القرار. من خلال هذا المعرض العالمي تُعلن السعودية التزامها بالتنمية الشاملة التي لا تترك أحداً خلفها سواء على المستوى الوطني أو العالمي، فدعم الدول النامية للمشاركة في المعرض وتخصيص أجنحة مجانية لها وتجهيز الموقع بمنظومة ذكية تراعي كبار السن وذوي الإعاقة كلها شواهد على التزام المملكة بعدالة التنمية وتكافؤ الفرص وهي قيَم أصيلة في النهج الوطني. لا يتوقف طموح المملكة عند انتهاء أيام المعرض بل يستمر عبر تحويل موقعه إلى مدينة معرفية دائمة واحة عالمية للفنون والبحث والابتكار تخدم أبناء الوطن وتستقطب عقول العالم ليبقى إرث إكسبو 2030 شاهدًا على لحظة تحوّل لا تُنسى في تاريخ العاصمة. وهكذا فإن الرياض لا تفتح ذراعيها للعالم فحسب، بل ترحّب به إلى مستقبلٍ مشتركٍ تُرسم ملامحه من قلب الجزيرة العربية، حيث تلتقي الحضارات ويتشكل الغد.