السؤال الأهم يدور حول نتيجة هذا الهجوم؛ وهل فعليًا سيتم منع إيران من امتلاك سلاح نووي؟ في الحقيقة لا يمكن الجزم أن إسرائيل يمكنها تحقيق هذه النتيجة بدقة وبهذه الطريقة لأن هناك خيارات دبلوماسية أكثر فاعلية، فالعملية ليست بهذه البساطة، والخوف الأكبر أن تستمر الأزمة بتصاعدها العسكري، لأن إسرائيل سوف تظل دائمًا غير متأكدة من أنها أنهت البرنامج الإيراني النووي، وفي المقابل سوف تستمر إيران في مقاومة الرغبة الإسرائيلية بنزع سلاحها النووي.. الحرب الإسرائيلية - الإيرانية لا يمكن قراءتها فقط في سياق ضيق يتمثل في فرضية أن هناك دولة تحاول الحصول على السلاح النووي بينما تحاول أخرى منعها، وهنا لا بد من استعادة التاريخ والقول إن المشروع النووي في إيران ليس وليد اليوم بل بدأ منذ خمسينيات القرن الماضي وهو مشروع استراتيجي بالنسبة لإيران، طبيعة الحرب القائمة بين الدولتين (إيران وإسرائيل) وطريقة الاستهداف لا تدخل في مسار الحرب التقليدية التي تعتمد مواجهه الجيوش لبعضها فالحرب بين هاتين الدولتين تستحضر تاريخ الشرق الأوسط برمته وتاثير هذه الحرب قابل أن ينتقل الى كل العالم. من الناحية العملية فإن إسرائيل لديها من الدعم والإمكانات العسكرية التي تتفوق بها على كثير من جيوش العالم المتقدم، وهذه الميزة مكنتها من رفع هذه الحرب من الأرض إلى الأجواء وفقا للطريقة التي اختارتها إسرائيل وليس إيران، مع إضافة معادلة الاختراق الداخلي وهي معادلة تميل إلى الجانب الإسرائيلي الذي استطاع أن يخترق ويقتل شخصيات ذات وزن كبير في الداخل الإيراني، وقبلها استطاع أن يقضي على أذرع إيران في المنطقة. هذه الحرب ليست سجالا ينتظر منه انتصار أحد الطرفين، فالقضية ليست بهذه الطريقة، هذه الحرب لديها هدف مختلف مرتبط بالكيفية والسلوك المطلوب تطبيقه بالنسبة للدولتين المتحاربتين - إيران وإسرائيل - وأهدافهما الاستراتيجية في المنطقة، كل طرف في هذه الحرب لدية معادلة واضحة في التنافس السياسي، وقد بدأت هذه المعادلة في الظهور منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي. منذ ذلك الوقت وحتى اليوم وإسرائيل وإيران تسلكان طريقة واحدة في تعزيز القدرات العسكرية وتباعد النوايا، مع الأخذ بالاعتبار الفارق الكبير بين امكانات الدولتين، فالمناوشات بين البلدين أخذت نهج مختلفاً من التدخل المباشر واستخدام الوكلاء، وكل هذه المسارات يقودها في النهاية فرضية واحدة تقوم على أن كل ما يتم اتخاذه في حق الدولة الأخرى هو من أجل بقاء الدولة الأولى، بمعنى دقيق فإن الهدف الرئيس لكل دولة في هذه الحرب هو بقاؤها ولكن الحقيقة التوسعية والتدخلات الجانبية في تاريخ المتحاربين تهدم هذه النظرية أيضا. الشرق الأوسط بجميع دوله دفع الثمن الأعلى من تنافسية معقدة تتداخل فيها الأبعاد العقدية والاستراتيجية وفق نظرية تقول إن أفضل طريقة للبقاء هي أن تكون قويا وأن تكون بلا منافسين، والحقيقة أن هذه النظرية يمكن تطبيقها في النظام العالمي الذي يتطلب وجود دولة قوية متفردة بالقوة، ولذلك يستحيل في منطقة مثل الشرق الأوسط أن تتفرد دولة بعينها بالمنطقة، وخلف كل الأزمات في الشرق الأوسط فرضية تبناها الغرب وتقوم على اعتبار إسرائيل دولة يجب أن تكون قوية بلا منافسين، من هنا بدأت ولن تنتهي صراعات الشرق الأوسط الذي يصعب عليه الاستقرار من خلال نظرية تختار دولة واحدة لتكون هي الأقوى فقط دون منافسين يرسخون التوازن الجيوسياسي للمنطقة. إسرائيل دولة تفترض دائما أنها تستطيع أن تحقق ما تريده، لذلك هي لا تتردد في إنشاء الحرب وخوضها دون اكتراث بالآثار الجانية لكل حرب تقوم بها، وحتى في هذه الحرب لا يمكن التأكيد أن إسرائيل قادرة على إنهاء البرنامج النووي الإيراني بالكامل، كما أن إيران تعاني من مشكلة المسافة وبعد إسرائيل عنها وهذا ما يجعل الطرفين فعليا يفكران جديا في واقع هذه المعركة التي يصعب عليها تجاوز حدود الإمكانات، لأن هناك مصالح دولية قادرة على رسم مسار هذه الحرب بدقة فالمنطقة غير قابلة للاشتعال المؤثر عالمياً. السؤال الأهم يدور حول نتيجة هذا الهجوم؛ وهل فعليا سيتم منع إيران من امتلاك سلاح نووي؟ في الحقيقة لا يمكن الجزم أن إسرائيل يمكنها تحقيق هذه النتيجة بدقة وبهذه الطريقة لأن هناك خيارات دبلوماسية أكثر فاعلية، فالعملية ليست بهذه البساطة والخوف الأكبر أن تستمر الأزمة بتصاعدها العسكري، لأن إسرائيل سوف تظل دائما غير متأكدة من أنها أنهت البرنامج الإيراني النووي وفي المقابل سوف تستمر إيران في مقاومة الرغبة الإسرائيلية بنزع سلاحها النووي. الاحتمالات كلها مفتوحة أمام هذه المواجهة وقد يكون من السذاجة القول إن ما يحدث اليوم هو نهاية المطاف، ما لم يكن هناك فرص دبلوماسية تضع الحلول المناسبة، في الحقيقة أن المسارات مفتوحة لتحولات مختلفة وقد تكون جذرية خاصة أن العالم يراقب بحذر والتاريخ يستعد لكي يقول كلمته في مثل هذه الأحداث وتطوراتها المستقبلية، خاصة أن المشروع الإسرائيلي لن يتوقف عند هذه الحد، فهذه الحرب قد تؤهله للانتقال إلى موقع جديد فيما يخص القضية الأهم في الشرق الأوسط.. "فلسطين".