ربما يكون أكثر الأسئلة جدليةً في الأوساط الأكاديمية؛ تلك التي تُعنى بالقيادة وصفات القائد، وهل هي هبة ربانية أو مكتسبة من خلال الخبرة والتعلم، أو مزيج بين الاثنين؟ وعلى الرغم من أن أكثر الدراسات باتت تميل إلى أنها مزيج بين كونها هبة ومكتسبة بالوقت نفسه، إلا أن نسبة كليهما هي سبب الخلاف الرئيس بين المفكرين، وأي منهما يطغى على الآخر. وقبل الحديث عن أهم صفات القائد الاستراتيجي، لعلي أتذكر موقفًا شدني كثيرًا في الحقيقة، وهو ما ألهمني كتابة هذا المقال. ففي يوم الجمعة الموافق 30 من مايو، شرّف صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- مباراة كرة القدم النهائية لكأس خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله ورعاه-، التي جمعت بين فريقي الاتحاد والقادسية، وعلى الرغم من انشغال ولي العهد إلا أنه اقتطع أكثر من أربع ساعات من يومه المزدحم بكافة الأعمال على كافة المستويات سواءً كانت دولية أو محلية، وحضر المباراة قبل بدايتها وانتظر حتى صافرة النهاية. وبعد عزف السلام الملكي، أخذ سموه ينظر في جموع الحاضرين؛ وكأنه يلقي السلام عليهم واحدًا تلو الآخر. إن موقف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفزني على إعادة البحث كثيرًا في صفات القائد، وكيف لقادة المنظمات والشركات أن يستلهموا من سموه بعض هذه الصفات للانطلاق بأعمالهم نحو استراتيجية ناجحة. فموقف سموه قد ذكرني بدراسة سابقة نشرتها إحدى الشركات عن المبادئ الأساسية في صفات القائد الاستراتيجي، لقد تمت دراسة تلك الصفات والمبادئ بعناية على أكثر القادة نجاحًا في القرن العشرين، فقدرة سمو ولي العهد على توفير الوقت لحضور هذه المناسبة الرياضية رغم كل مشاغله وأعماله تدل على امتلاكه أولى صفات القائد الاستراتيجي، وهي توزيع المهام والمسؤوليات، وهذه الصفة تتطلب من القائد دفع المسؤوليات إلى كافة المستويات، وتمكين الأفراد على جميع المستويات من اتخاذ القرارات، ويمنح توزيع المسؤولية القادة الاستراتيجيين المحتملين الفرصة لمعرفة ما يحدث عندما يعملون ويساهمون في الخطط والأهداف الموضوعة وفق عملية تقييم شاملة، كما أنه يزيد من الذكاء الجماعي والقدرة على التكيف والمرونة بمرور الوقت، وهذا ما حفز على ظهور قادة شباب في الدولة قادرين على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت الصحيح، والعمل وفق رؤية سموه -حفظه الله-. أما الصفة الثانية فهي تكمن في منح القادة الاستراتيجيين المحتملين الفرصة للالتقاء والعمل مع أقرانهم، حتى لا يفقدوا الشغف، وبالتالي يشعرون بالعُزلة أو الوحدة بدلًا من أن يكونوا أكثر انفتاحًا ومهارة في رفع القيمة الاستراتيجية لما يفعلونه، وهذا ما يدعمه سمو ولي العهد -حفظه الله- في التركيز على الإبداع والابتكار والعمل وعدم الخوف من الفشل، وأن الفشل لا يعني نهاية المطاف، أو القصة، وإنما هو درس تتعلمه وخبرة تكتسبها ومعرفة تضيفها لما تعلمته سابقًا. وآخر تلك الصفات الرئيسة في القائد الاستراتيجي، هي التواضع، فيعتبر التواضع عاملًا مهمًا في بناء الثقة والعلاقات الجيدة مع الآخرين. فعندما يكون القائد متواضعًا، يكون قادرًا على الاستماع للآخرين، ومشاركتهم في صنع القرارات، وكلما زاد تواضع القائد زادت محبته. وهنا أعود للسؤال المهم، هل صفات القيادة مكتسبة أو موهوبة؟ وباعتقادي أن كلا الأمرين مهمان وبشكل كبير، فالموهبة هي ميزة ربانية يختص بها من يشاء من عباده، وهي ملازمة للتوفيق في اتخاذ القرارات، وهي الحدس واستشراف مستقبل الأحداث، واقتناص الفرص وتجنب المخاطر، أما القيادة المكتسبة تعني الخبرات والعلوم والنظريات المتراكمة في التعامل مع الأحداث والفرص والتهديدات، وكلاهما مهم وبصورة كبيرة جدًّا، ولا أعتقد بأنني يمكن أن أرجح كفة إحداهما على الأخرى.