في الخامس والعشرين من مايو 1981 وفي خضم توترات إقليمية وتحديات سياسية وأمنية واقتصادية تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية كصرح يعكس إرادة القادة في توحيد الجهود لتحقيق الاستقرار وتعزيز التكامل بين دول المنطقة. واليوم، ونحن نحتفل بالذكرى الرابعة والأربعين لتأسيس هذا الكيان، نستعرض مسيرة حافلة بالإنجازات التي جعلت المجلس نموذجاً ناجحاً للتكامل الإقليمي. انطلقت أول قمة خليجية في أبوظبي عام 1981 معلنة ميلاد مجلس التعاون، الذي جاء نتاجاً لوعي القادة بالروابط العميقة التي تجمع دول الخليج، من عقيدة إسلامية مشتركة وأنظمة متشابهة ومصير واحد. لم يكن المجلس مجرد تكتل عابر، بل مشروع طموح لتحقيق وحدة الصف وتعزيز الهوية الخليجية، ومواكبة متطلبات العصر. ومنذ تأسيسه، وضع المجلس رؤية واضحة تقوم على عدة ركائز: ضمان الأمن الشامل ككيان غير قابل للتجزئة، وتعزيز النمو الاقتصادي عبر تنويع القاعدة الإنتاجية والتحول إلى اقتصاد المعرفة، وتمكين المواطن الخليجي كركيزة للتنمية، وتعزيز المكانة الإقليمية والدولية للمجلس. شهدت المسيرة الخليجية خطوات تاريخية في المجال الاقتصادي، أبرزها إنشاء السوق الخليجية المشتركة، التي ساهمت في انسياب السلع وزيادة التنافس لصالح المستهلك. كما أُطلقت منطقة التجارة الحرة عام 1983، والتي ألغت الرسوم الجمركية على المنتجات الخليجية، لتحل محلها لاحقاً الاتحاد الجمركي عام 2003. وتشير الأرقام إلى نجاح هذه الخطوات، حيث بلغت التجارة البينية بين دول المجلس أكثر من 131 مليار دولار في 2023، بينما تجاوزت التجارة الخارجية 1.5 تريليون دولار، مما يعكس فرصاً واعدة لمزيد من التكامل. يتمتع المجلس بنفوذ اقتصادي كبير بفضل موارده النفطية، حيث تتحكم دوله في ثلث الاحتياطي العالمي من النفط، وتتصدر إنتاجه وتصديره. كما تحتل مركزاً متقدماً في سوق الغاز الطبيعي، مما يعزز دورها في استقرار الأسواق العالمية. وعلى الصعيد الاستثماري، تمتلك دول المجلس صناديق ثروة سيادية تبلغ أصولها 4.4 تريليونات دولار، أي 34 % من أكبر 100 صندوق عالمي، مما يعكس تأثيرها في الاقتصاد الدولي. حظي الجانب الأمني باهتمام بالغ منذ التأسيس، حيث أقر المجلس الاستراتيجية الأمنية الشاملة واتفاقية الدفاع المشترك، كما شكّل قوات درع الجزيرة لتعزيز الأمن الجماعي. وقد أثبت هذا التعاون فاعليته في مواجهة التحديات الإقليمية. من أبرز المشاريع الاستراتيجية الربط الكهربائي بين دول المجلس، الذي ساهم في خفض التكاليف وضمان استقرار إمدادات الطاقة. كما أُطلقت البطاقة الذكية الموحدة لتسهيل تنقل المواطنين بين الدول الأعضاء، مما عزز الاندماج الاجتماعي والاقتصادي. تمضي دول المجلس قدماً بخطى ثابتة نحو تعزيز التكامل، عبر تبني استراتيجيات للتحول إلى اقتصاد المعرفة والطاقة النظيفة، وتوسيع الشراكات الدولية. كما تواصل تعزيز مواقفها السياسية الموحدة تجاه القضايا الإقليمية والعالمية. يمثل مجلس التعاون نموذجاً فريداً للتعاون الإقليمي، يجمع بين الأصالة والطموح، ويواصل مسيرته بقيادة حكيمة ووعي جماعي، لتحقيق المزيد من الرخاء لأبنائه والمشاركة الفاعلة في بناء مستقبل مستدام.