تشكل العلاقات السعودية - الأميركية ركيزة أساسية ومحورية في خارطة العلاقات الدولية والإقليمية والعربية، لاسيما في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، بما ذلك السياسة والأمنية، والتي ظلت لعقود طويلة، وبالتحديد على مدى تسعة عقود، منذ منح المملكة العربية السعودية امتياز التنقيب عن النفط لشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال) في عام 1933، والتي تمثل أحد أعمدة التعاون الثنائي بين البلدين. وتأتي زيارة فخامة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المملكة العربية السعودية في هذا التوقيت بالذات لتَعكس عُمق العلاقات والشراكات التجارية والاقتصادية، بما في ذلك الاستثمارية ذات الطابع الاستراتيجي بين الرياض وواشنطن، وحرص القيادتين بالبلدين على تعزيز أوجه التعاون المشترك بما يتماشى مع التحولات الاقتصادية الإقليمية والدولية. ففي ظل رؤية السعودية 2030، وما يصاحبها من إصلاحات اقتصادية ومالية كبيرة وضخمة، لتشمل التوسع في مجالات الاستثمار، تبرز الولاياتالمتحدة الأميركية كشريك رئيس يمتلك من الخبرات والتقنيات والاستثمارات اللازمة لدعم هذه الرؤية الطموحة. ومن هذا المنطلق، تُعد هذه الزيارة فرصة لتعميق التعاون في القطاعات الحيوية كالتقنية والطاقة المتجددة والصناعة والرعاية الصحية، والخدمات المالية، لبحث سبل الارتقاء بالتبادل التجاري وتوسيع الاستثمارات الثنائية، بما يخدم مصالح الشعبين الصديقين ويواكب تطلعاتهما المشتركة. زيارة الرئيس الأميركي للمملكة العربية السعودية، والتي تُعد أول زيارة خارجية له منذ توليه فترة الرئاسة الحالية للولايات المتحدة وأيضًا في عام في عام 2017، تُعد دلالة واضحة على مدى أهمية المملكة ليس فقط على مستوى الشراكة التجارية والاقتصادية العميقة فحسب، وإنما أيضًا لما تُوليه الولاياتالمتحدة من اهتمام وتقدير للمملكة، بما تمثله من توافق في الرؤى حيال العديد من القضايا والملفات الدولية الحساسة، والذي يتجلى في السعي المشترك لإحلال السلام والأمن الدوليين، ومكافحة الإرهاب، وكل ما يعكر صفو ازدهار ونمو الاقتصاد العالمي. وفيما يتعلق بالعلاقات التجارية والاقتصادية بين المملكة وأميركا، فقد شهدت خلال التسعة عقود الماضية نموًا وازدهارًا بالعديد من القطاعات والأنشطة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، التي أسهمت في تعميق العلاقات بين البلدين، ولعل ما يؤكد على ذلك على سبيل المثال لا الحصر، حيث قد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 32.5 مليار دولار أميركي في عام 2024. وعلى صعيد الاستثمار الأجنبي المباشر، فَتعد الولاياتالمتحدة الأميركية أكبر مستثمر أجنبي في المملكة، حيث بلغ رصيد استثمار الولاياتالمتحدة الأميركية في المملكة نحو 54 مليار دولار أميركي بنهاية عام 2023، ما يعادل نحو ربع إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المملكة. وفي المقابل تعمل في المملكة 1266 شركة أميركية في مجالات وأنشطة اقتصادية عديدة، أسهمت في توفير أكثر من 82000 فرصة عمل يشغل السعوديون الغالبية العظمى منها. إن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المملكة العربية السعودية تُعتبر حدثًا بارزًا، حيث أنها تأتي في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية، بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030 التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي وجذب الاستثمارات الأجنبية. كما أن رغبة المملكة في توسيع استثماراتها وعلاقاتها التجارية مع الولاياتالمتحدة الأميركية خلال الأربع سنوات المقبلة بمبلغ 600 مليار دولار، ستكون دون أدنى شك داعم كبير لترسيخ العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين. بلا شك، إن طبيعة المملكة وسياستها التجارية الحكيمة والمتزنة، بتجنب الخوض في حروب تجارية سواء مع الولاياتالمتحدة الأميركية أو مع غيرها من دول العالم، وكما فعلت بعض الدول ردًا على زيادة الرسوم الجمركية، سيعزز من استقرار التعاملات التجارية بين البلدين، باعتبار أن هذا النهج الحكيم لا يكتفي بتقوية الشراكات الاقتصادية، بل يمهد أيضًا الطريق لمرحلة جديدة من التعاون في مجالات حيوية عديدة تشمل التقنية الحديثة، الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، الطاقة المتجددة، والصناعات المتقدمة، وغيرها من المجالات والأنشطة الاقتصادية الأخرى، ما سيسهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام للجانبين لصالح بلديهما وشعبيهما.