تعتبر المدن النظيفة التي تلتزم بنظام معالجة نفايات صارم من أكثر المدن التي تلفت الانتباه وتحظى بإعجاب زوارها وتتوج إنجازاتها بالجوائز العالمية لمدن الاستدامة والصحة العامة وغيرها من الجوائز التي تضعها في مقدمة المدن التي تتمتع بجودة حياة مميزة، ومع التقدم المعماري والحضاري ولوجود بنية تحتية قوية تبقى نظافة المدن وطريقة تعاملها مع النفايات هي العلامة الفارقة في تقدمها والإشادة بها. أصبح مفهوم "مدن بلا نفايات" في ظل التحديات البيئية المتزايدة أحد الأهداف الطموحة والملهمة لمستقبل مستدام، ونموذج حضري لا يُنتج نفايات على الإطلاق، حيث يتم تصميم الأنظمة البيئية والاقتصادية لتقليل الفاقد وإعادة استخدام الموارد إلى أقصى حد ممكن، من خلال استراتيجيات مثل إعادة التدوير، التحويل إلى سماد، الاقتصاد الدائري، والابتكار في تصميم المنتجات. تتميز المدن الخالية من النفايات بتطبيق نظام صارم يلتزم بالفرز والتدوير للحد من التأثيرات البيئية الناجمة عن مكبّات القمامة، التي تسهم في تلوث الهواء والمياه وإطلاق غازات الدفيئة مثل الميثان، ومن خلال تحويل النفايات إلى موارد تمكن من تقليل الضغط البيئي وتحسين جودة الحياة الحضرية. إن التكاليف الأولية لإنشاء أنظمة إدارة النفايات المتقدمة لا تذكر متى كان التخطيط لها يحدد الأهداف المرجوة للبرامج المتعددة المشاركة التي تصب في تحقيق أهداف اقتصادية طويلة الأمد لديمومة مفهوم مدن بلا نفايات. ومن الفوائد الملموسة خفض النفقات التشغيلية في جمع النفايات، وخلق وظائف متخصصة، وتحفيز الصناعات المعتمدة على إعادة التدوير والابتكار. ومن المسلم به أن نجاح هذا النموذج يعتمد بشكل كبير على وعي الأفراد وتغيير سلوكيات الاستهلاك. لا يكفي أن تبني المدينة بنى تحتية متطورة بل يجب أن يُشرك المواطنون في فرز النفايات وتقليل إنتاجها، وهو ما يتطلب حملات توعية وتثقيف بيئي متواصل على كافة الأصعدة في المجتمع المدني. إن أهم التحديات التي تواجه الحصول على مدن نظيفة مع صفر من النفايات هي تقبل الحاجة والتغيير المجتمعي والثقافي من قبل السكان والاهتمام بأفكار البيئيين والمهتمين وأصحاب الأفكار الخلاقة في التدوير وإعادة الاستخدام مع طغيان السلوك الاستهلاكي، كما أن من أهم التحديات نقص التمويل في بعض الدول وضعف البنية التحتية لإعادة التدوير، وإضافة لعدم وجود التشريعات المدنية الصارمة التي تعاقب السلوك اللا مسؤول والرافض للاستدامة البيئية. ولدينا في حاضرنا مدن لها تجارب نافعة في التعامل مع البيئة ومشكلة النفايات وهي تجارب ناجحة مثل مدينة سان فرانسيسكو في الولاياتالمتحدة، ومدينة كوبنهاغن في الدانمارك، ومدينة كاميكاتسو في اليابان التي تمثل نماذج ملهمة لمدن اقتربت كثيرًا من تحقيق هدف "صفر نفايات"، واللافت في الأمر أن هذه المدن تطبق سياسات صارمة في إدارة النفايات، إلى جانب حوافز للأفراد والشركات، وتشجع إعادة الاستخدام بدلاً من الاستهلاك المفرط. تحقيق هدف مدن بلا نفايات ليس مستحيلاً إذا ما عومل كخيار استراتيجي يتطلب تضافر الجهود بين القطاع الحكومي، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، ومن المسلم به أنه في عصر التغير المناخي وتناقص الموارد، لا يعود هذا الخيار مجرد رفاهية بيئية، بل ضرورة حضرية لضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة.