إن غياب قيادة دولية واضحة لملف منع انتشار الأسلحة النووية وفتح مجالات التنافس والصراع بين القوى الدولية بلا ضوابط لن يكون في صالح العالم، وهنا لابد من العودة إلى إحياء معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي أصبحت اليوم تعاني من عدم توافق في آراء واتجاهات الدول الأطراف في المعاهدة، وهذا يساهم في تزايد تعقيدات موقف هذه المعاهدة.. ما يجري بين الهند وباكستان حالة مهمة من حيث المخاطر النووية على العالم، فلأول مرة منذ نهاية الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفيتي، يشعر العالم بإمكانية تزايد المخاطر حول استخدام السلاح النووي، فالكارثة أصبحت محسوسة بشكل مقلق في جميع أنحاء العالم الذي يشعر أن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لم تحقق أهدافها، بل إن الانقسامات الدولية وظهور مريدين للأسلحة النووية غير السلمية أصبحت تتزايد بلا قواعد وضوابط الاستخدام، وهذا ما يطرح فكرة خطيرة وسؤالا مهما حول الانتشار النووي ومقدار الثقة الدولية المتبادلة بين الدول النووية في هذا الجانب، وهل هي في ازدياد أم في تراجع؟ في الحقيقة أن العالم خلال العقود الماضية كان يعتمد على أداة سياسية فعالة لمنع الانتشار النووي، وهي معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ولكن كما شهد العالم فقد تغيرت مسارات الحصول على السلاح النووي بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي، ودخلت كثير من دول الجنوب العالمي في مزايدات سياسية واقتصادية للحصول على السلاح النووي، فالعالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتفرد أميركا بقيادة العالم منذ تسعينيات القرن الماضي أصبح سوقاً مفتوحة للتقنية النووية، ومن هنا بدأت المخاطر تهدد العالم، ودخلت في سباق التسلح دول ليست مؤهلة سياسيا أو اقتصاديا لذلك السباق. الواقع أن انتهاء الحرب الباردة كشف معادلة سياسية مختلفة، فقد توزع الإرث السوفيتي النووي بين عدة دول؛ وهذا الانتشار ساهم في مضاعفة عدد الدول النووية في العالم، وأصبحت القضية أبعد من كونها أسلحة نووية تهدد الاستقرار العالمي وذهبت القضية إلى فتح المجال لكثير من الأفكار التي انتشرت بين الدول الراغبة في الحصول على السلاح النووي، والتي ترى أن السلاح النووي لا يجب أن يكون حكرا على الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، لقد سهل سقوط الاتحاد السوفيتي فكرة امتلاك السلاح النووي وسهل فكرة انتشاره وخاصة مع تراجع ملحوظ بدرجة الالتزام الدولي بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. خلال العقود الماضية -وخاصة العقدين الأخيرين من القرن الماضي- اكتسبت دول جنوب الكرة الأرضية أهمية سياسية واقتصادية متزايدة بسبب التحولات الجيوسياسية في النظام الدولي، وهذه الأهمية ساهمت في ترقية رغبة كثير من دول جنوب الأرض لكي تحصل على السلاح النووي، ونتيجة لذلك يشهد العالم اليوم تحولات خطيرة في مفهوم القوة والنفوذ خاصة أن العالم أصبح يستخدم هذه اللغة بشكل متزايد في صراعاته، فما يجري بين الهند وباكستان يتجاوز فكرة حرب تقليدية، ما يجري يمكن أن يتطور إلى حالة خطيرة من الصراع تهدد العالم. الاستخدامات السياسية لمصطلح القوة والنفوذ بين القادة في العالم والحديث عن القوة لتحقيق التفوق السياسي، هي مفاهيم مقلقة، ولكنها في ذات الوقت أصبحت أداة مشجعة للدول الضعيفة في تأثيرها السياسي أو الاقتصادي المالكة للسلاح النووي، وخير مثال على ذلك كوريا الشمالية، بمعنى دقيق فقد أصبحت اللغة السياسية الدولية محفزا طبيعيا نحو سباق التسلح في العالم، وسوف يشهد العالم -بلا شك- تزايد رغبة الدول في امتلاك سلاح نووي، وهنا مكمن الخطر؛ لأنه كلما طغت ظاهرة القوة والنفوذ في الحوار السياسي الدولي كانت الفرصة أكبر لاستخدام الأسلحة المدمرة. عندما تتحارب دول تمتلك سلاحا نوويا فإن الأمر لا ينتهي إلى هذه المسألة فقط، بل ندخل في معادلة القوة والنفوذ وتنشأ فكرة التحالفات الثنائية بين دول نووية كبرى صديقة لبعضها، بلغة أخرى ومثال حي يمكن ببساطة أن يدرك العالم من يؤيد المتحاربين في الهند وباكستان: إنها قوى دولية تمتلك أسلحة نووية، وهنا تبدأ الحسابات الاقتصادية والسياسية وحسابات النفوذ والأبعاد الجيوسياسية بالدخول في مسار التنافس بين المتحاربين، وهذا ما يمهد الفرصة لتحالفات بين دول نووية هي في حقيقتها لا تسعى إلى الحرب؛ ولكنها ترغب في تمرير وفرض أجنداتها السياسية والاقتصادية والأيديولوجية، ولكن هنا لا توجد ضمانات للكيفية التي سوف تتطور فيها الحروب ونتائجها. العالم اليوم بحاجة الى إنقاذ نظام منع انتشار الأسلحة النووية من الفوضى التي أصابته، فلابد من عودة صارمة من المجتمع الدولي، وبذل الجهود الجادة والمنسقة للحفاظ على العالم عبر نشر وترسيخ قاعدة دولية تعزز الاتجاه نحو منع انتشار الأسلحة النووية، والحقيقة أن غياب قيادة دولية واضحة لهذا الملف وفتح مجالات التنافس والصراع بين القوى الدولية بلا ضوابط لن يكون في صالح العالم، وهنا لابد من العودة إلى إحياء معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي أصبحت اليوم تعاني من عدم توافق في آراء واتجاهات الدول الأطراف في المعاهدة، وهذا يساهم في تزايد تعقيدات موقف هذه المعاهدة.