تشهد سماء الإعلام السعودي غيوما محملة بآمال عريضة وفرصا استثنائية، مدفوعة برؤية 2030 الطموحة التي تضع القطاع الإعلامي في صلب تحولاتها الاستراتيجية فبعد عقود من الترقب، يبرز الإعلام الوطني اليوم كقوة إقليمية صاعدة، ومسرحا لتحولات جذرية تمس بنيته التحتية، وبيئته التنظيمية، وتوجهات محتواه. وفي خضم هذه الديناميكية المتسارعة، يتبوأ التحول النوعي في البنية التحتية الإعلامية مكانة محورية، معلنا عن ميلاد مركز إقليمي جديد للإنتاج الإعلامي، يعد بفرص نمو واعدة واستثمارات مربحة. لقد كان قرار رفع الحظر الذي دام خمسة وثلاثين عاما عن دور السينما في المملكة بمكانة الشرارة التي أشعلت فتيل تحول هائل في المشهد الإعلامي المرئي. لم يكن هذا القرار مجرد انفتاح ترفيهي، بل كان خطوة استراتيجية عميقة الأثر، أدركت من خلالها القيادة الرشيدة أهمية صناعة السينما والتلفاز في التعبير عن الهوية الوطنية، وتنمية الاقتصاد، وجذب الاستثمارات العالمية، وتزامنا مع هذا القرار التاريخي، بدأت المملكة في ضخ استثمارات ضخمة في تطوير بنية تحتية إعلامية متطورة تضاهي المعايير العالمية. يشير تقرير الهيئة العامة لتنظيم الإعلام بوضوح إلى هذا التحول الملحوظ، مسلطا الضوء على إنشاء أكثر من 35 استوديو أفلام حديثا، يمتد الواحد منها على مساحة تتجاوز 300 متر مربع. هذه الاستوديوهات ليست مجرد مساحات للتصوير؛ بل هي مجهزة بأحدث التقنيات السمعية والبصرية، وقادرة على استيعاب أضخم الإنتاجات السينمائية والتلفزيونية. هذا التوسع الكمي والكيفي في البنية التحتية يعد عامل جذب قوي لشركات الإنتاج العالمية التي تبحث عن مواقع تصوير مجهزة وميسرة، وبيئات إنتاجية محفزة. استقطاب شركات الإنتاج العالمية تحمل شقين إيجابيين؛ أولهما، نقل الخبرات والمعرفة التقنية إلى السوق المحلية، مما يسهم في رفع مستوى الكفاءات وتطوير صناعة إعلامية سعودية قادرة على المنافسة عالميا.. وثانيهما، خلق فرص اقتصادية جديدة، سواء بشكل مباشر من خلال الإنفاق على الإنتاج والإقامة، أو بشكل غير مباشر من خلال تنشيط القطاعات المرتبطة مثل السياحة والخدمات اللوجستية. ولم يقتصر الاهتمام بالبنية التحتية على قطاع الإعلام المرئي فحسب، بل امتد ليشمل تطوير شبكات البث ومنصات الإنتاج الرقمي. ففي عصر يعتمد بشكل متزايد على المحتوى الرقمي والفيديو حسب الطلب، أدركت المملكة أهمية توفير بنية تحتية رقمية قوية وقادرة على استيعاب الطلب المتزايد على هذه الخدمات. الاستثمارات في شبكات الجيل الخامس، التي تغطي -بالفعل- نسبة كبيرة من أنحاء المملكة، ومتوسط سرعات الإنترنت العالية التي تفوق المعدلات العالمية، كلها مؤشرات على جدية التوجه نحو بناء منظومة إعلامية رقمية متكاملة. هذه القفزة النوعية في البنية التحتية الإعلامية تفتح آفاق واسعة للفرص الاستثمارية فبالإضافة إلى الاستثمار المباشر في إنشاء وإدارة الاستوديوهات ومنصات البث، هناك فرص واعدة في تطوير التقنيات الإعلامية المساعدة، وتقديم الخدمات اللوجستية المتخصصة للإنتاجات الإعلامية، وتنمية الكفاءات البشرية القادرة على تشغيل هذه البنية المتطورة. كما أن النمو المتوقع في حجم سوق الإعلام السعودي، الذي يقدر وصول إيراداته إلى 11 مليار دولار بحلول عام 2030، يشكل حافزا إضافيا للمستثمرين المحليين والدوليين -على حد سواء-. ومع ذلك، فإن الطريق نحو ترسيخ مكانة المملكة كمركز إقليمي رائد للإنتاج الإعلامي لا يخلو من تحديات. يتطلب الأمر تطوير منظومة تنظيمية مرنة ومشجعة للاستثمار، وتوفير حوافز جاذبة لشركات الإنتاج، والاستمرار في تطوير الكفاءات المحلية من خلال برامج تدريبية متخصصة وشراكات مع المؤسسات الأكاديمية العالمية. كما أن بناء علامة تجارية قوية للإعلام السعودي وتسويق جاذبيته كموقع إنتاج عالمي يتطلب جهودا متواصلة واستراتيجية واضحة. إن التحول الجذري في البنية التحتية الإعلامية في المملكة يشكل حجر الزاوية في طموحها أن تصبح مركزا إقليميا جديدا للإنتاج الإعلامي. فالاستثمارات الضخمة، والرؤية الواضحة، والإرادة القوية، كلها عوامل تبشر بمستقبل واعد لهذا القطاع الحيوي. ومع استمرار الجهود في تطوير هذه البنية وتعزيز البيئة الاستثمارية، فإن المملكة تقف على أعتاب مرحلة جديدة من الازدهار الإعلامي، مرحلة ستعيد رسم خريطة الإنتاج الإعلامي في المنطقة وتفتح آفاقا -غير مسبوقة- للنمو والابتكار. بصيرة: بينما تتشكل ملامح هذا المشهد الإعلامي الجديد، يبرز الدور المحوري للهيئة العامة لتنظيم الإعلام في تهيئة بيئة تنظيمية جاذبة وشفافة، تضمن حقوق المستثمرين وتحمي المستهلك، وتعزز المنافسة العادلة. هذه البيئة التنظيمية الداعمة، جنبا إلى جنب مع الحوافز والتسهيلات التي تقدمها الجهات الحكومية، تشكل أرضا خصبة لازدهار الشركات الإعلامية المحلية والدولية.