تنخفض أسعار النفط في ظل البيئة المنتعشة لأسعار الدولار، بينما تسهم ظروف أخرى في تعقيد موقف الدولار منها البيانات الاقتصادية المختلطة مع تقلب أسواق السلع الأساسية المتأثرة بالحرب التجارية الأميركية الصينية. ومع تراجع الثقة في الدولار الأميركي وتصاعد المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية، يميل ضعف الدولار إلى تعزيز الطلب على النفط. أحدثت رسوم ترمب الجمركية اضطرابًا في الأسواق المالية، وأدت إلى موجة بيع في سندات الخزانة والدولار في أبريل، مما ألقى بظلال من الشك على الاعتقاد الراسخ بوضع الأصول الأميركية كملاذ آمن. تفاقم انخفاض الثقة في الأصول الأميركية بسبب هجمات ترمب على الاحتياطي الفيدرالي، وأصبح الدولار ضحية لسياسات ترمب التجارية. ومع ذلك، فإن حالة عدم اليقين لا تزال تمارس ضغوطًا هبوطية على الدولار والسندات الحكومية الأميركية، وقد تركت التقلبات المتكررة في السياسة التجارية المستثمرين في حيرة من أمرهم وجعلت المحللين يميلون إلى الهبوط على المدى الطويل. ومع تجدد الزخم الصعودي لزوج الدولار الأميركي/الين الياباني، يتضح أن التباين في السياسة النقدية بين بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وبنك اليابان، لا يزال المحرك الأساسي لاتجاهات الزوج، حيث ارتفع الزوج بنسبة 1.76 % ليصل إلى مستويات بالقرب من 146.00، ولم يكن ذلك مفاجئًا في ظل استمرار ضعف الين، خاصة بعد التصريحات الحذرة الصادرة عن محافظ بنك اليابان، كازو أويدا، والتي عززت الانطباع السائد في الأسواق بأن البنك لن يتجه إلى مزيد من التشديد النقدي في الأجل القريب. وقالت رانيا جول، كبير محللي الأسواق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "إكس اس دوت كوم"، برأيي هذا التوجه الحذر يأتي رغم تسجيل التضخم فوق المستهدف لفترة طويلة، مما يثير تساؤلات جدية حول قدرة بنك اليابان على مواكبة دورة التشديد النقدي العالمية. وخلال المؤتمر الصحفي الأخير، بدا محافظ بنك اليابان متردداً في تأكيد أي رفع إضافي لأسعار الفائدة، مشيرًا إلى عدم اليقين المرتبط بالتضخم وضعف النمو الاقتصادي، وتحديدًا بعد خفض البنك لتوقعاته بشأن الناتج المحلي الإجمالي والتضخم للعامين الحالي والمقبل. وترى جول، أن هذا الموقف يزيد من هشاشة الين الياباني، ويعزز من فرص استمرار الضغوط البيعية عليه في ظل غياب محفزات نقدية داعمة للعملة. وعندما يقابل هذا الضعف استمرار قوة الدولار الأميركي، خاصة مع دعمه من عائدات السندات المرتفعة، فإن ذلك يهيئ الزوج لصعود مستمر نحو مستويات مقاومة جديدة، أهمها 147.50 وربما أعلى إذا لم تتغير الظروف والعوامل الحالية. لكن في المقابل، ورغم أن بعض البيانات الاقتصادية الأميركية الصادرة مؤخرًا -مثل ارتفاع طلبات إعانة البطالة وضعف مؤشر مديري المشتريات التصنيعي- قد تنذر بتباطؤ اقتصادي محتمل، فإن الأسواق لم تتفاعل معها بقدر ما تفاعلت مع استمرار ضغوط الأسعار، مما يؤكد أن التضخم لا يزال نشطاً، وهذا بدوره يقلل من فرص خفض وشيك للفائدة من جانب الفيدرالي. ومن وجهة نظر جول، فإن هذه البيانات المختلطة تضع الاحتياطي الفيدرالي في موقف أكثر تعقيدًا، ولكنه لن يتسرع في خفض أسعار الفائدة طالما أن سوق العمل لا يزال متماسكًا والتضخم بعيد عن المستهدف. ومن الناحية الجيوسياسية، فإن حالة عدم اليقين المتزايدة بفعل الرسوم الجمركية التي أعاد ترمب فرضها، والتقارير التي تتحدث عن نية الولاياتالمتحدة إعادة التفاوض مع الصينواليابان، تضيف بعداً إضافياً إلى تقلبات السوق. فهذه التوترات التجارية، إلى جانب إشارات بنك اليابان التي تربط مستقبل السياسة النقدية بتأثير هذه التطورات، وتدعم سيناريو أن الين سيبقى ضعيفًا، خاصة في بيئة تتسم بتقلص الفائض التجاري الياباني وزيادة الاعتماد على الاستيراد في ظل ارتفاع أسعار الطاقة العالمية. والين هو العملة الأكثر حساسية للتغيرات في ميزان الحساب الجاري، وبالتالي فإن استمرار هذه التحديات سيؤدي إلى مزيد من الانخفاض في قيمته ما لم نشهد تحركًا مفاجئًا من بنك اليابان. كما تعكس خريطة تغيرات العملات الرئيسة استمرار تراجع الين مقابل جميع العملات الكبرى، باستثناء الكندي، وهو ما يعكس ضعفاً هيكلياً عاماً في الطلب على الين في ظل التراجع النسبي للعوائد، وتباطؤ توقعات النمو، وتحفظ السياسة النقدية. وهذا الأداء الضعيف للين لا يمكن تفسيره فقط بتوقعات الفائدة، بل أيضاً بانخفاض شهية المستثمرين لاستخدامه كملاذ آمن في ظل ارتفاع معنويات المخاطرة عالمياً، مدفوعة بنتائج قوية لشركات التكنولوجيا الأميركية، وصعود مؤشرات الأسهم، وارتفاع عوائد السندات الأميركية. ومؤخراً تمكن الزوج من كسر مستوى 145.00 والإغلاق فوقه بثبات، مما يعزز من سيناريو استمرار الاتجاه الصاعد على المدى القصير إلى المتوسط، مع استهداف المقاومة التالية عند 146.64، ثم المستوى النفسي عند 147.50. وكسر هذه المستويات سيدفع بالزوج نحو إعادة اختبار أعلى مستوياته منذ بداية العام، خاصة إذا جاءت البيانات الأميركية المقبلة -مثل تقرير الوظائف أو بيانات التضخم- متماشية مع استمرار السياسة المتشددة للفيدرالي. ويبقى مستوى 145.04 بمثابة دعم محوري، يمثل الحد الأدنى الذي قد تختبره الأسعار قبل أي ارتداد صعودي جديد. وترى جول، "ما لم نشهد تغيرًا حادًا في توجهات البنوك المركزية، خصوصًا بنك اليابان، فإن الاتجاه العام لزوج الدولار/ين يبقى صعوديًا، وقد تمتد مكاسبه على المدى المتوسط باتجاه 148.50 و149.00". ومع اقتراب الأسواق من تسعير دورة خفض محتملة للفائدة الأميركية في نهاية 2025 وليس قبل ذلك، فإن أي ضعف قصير الأجل في الدولار قد يكون مؤقتاً، وسيقابله ضعف هيكلي أكبر في الين ما لم تتغير التوقعات جذريًا. ولهذا، سيبقي التباعد النقدي، إلى جانب المشهد الاقتصادي غير المتكافئ، المحرك الأساسي لزوج الدولار/الين خلال الأشهر المقبلة. في عملة البيتكوين، أظهرت العملة علامات انحراف عن هويته كأصل محفوف بالمخاطر، حيث يتصرف كأصل ثابت في البيئات الاقتصادية التي عادةً ما يكون فيها أداء الذهب ضعيفًا، وفقًا لمحللي سيتي ريسيرش. في تقرير حديث، قال محللو سيتي إن البيتكوين تفوقت في الأداء خلال فترات ارتفاع أسعار الفائدة وعلاوات الأجل، وهي ظروف عادةً ما تؤثر سلبًا على الذهب. وجاءت أقوى عوائد بيتكوين خلال الوضع المعاكس، حيث ترتفع أسعار الفائدة الحقيقية وتزداد مخاوف التضخم. وتشير النتائج إلى أن البيتكوين قد يتصرف كأداء السلع مثل الطاقة أو المعادن الأساسية، والتي عادةً ما ترتفع خلال فترات الركود الاقتصادي. وأسهم محدودية المعروض من الأصول وتزايد اهتمام المستثمرين بها خلال فترات الضغط الكلي في هذا النمط. وصرحت سيتي جروب أن تداول البيتكوين عادةً ما يتماشى مع تداول الأسهم خلال فترات ركود السوق، إلا أن الأحداث الأخيرة، مثل انهيار بنك وادي السيليكون واضطراب سوق السندات أواخر عام 2023، كانت بارزة. في تلك الحالات، حقق البيتكوين مكاسب حتى في ظل معاناة الأصول ذات المخاطر الأوسع. وقد دفع هذا السلوك إلى دراسة حساسيته الكلية بدقة. من ناحية أخرى، تفوق أداء البيتكوين على أداء عوائده غير المشروطة عندما ترتفع كل من علاوة التأمين على الأجل والعوائد، وهو نمط لا نشهده في أصول الملاذ الآمن. يُظهر التحليل التاريخي لسيتي أن البيتكوين حقق أداءً جيدًا أيضًا في بيئات نادرة شهدت انخفاضًا في العائدات وارتفاعًا في علاوات التأمين الآجلة. تشير هذه النتائج إلى أن البيتكوين ليس تحوطًا ثابتًا، ولكن في بعض الحالات، قد يتعامل المستثمرون معه كأصل محدود العرض خلال فترات تشديد السياسة النقدية.