إعلامي سعودي: الإعلام الرقمي قوة ناعمة للمملكة    الذهب يتجاوز 3900 دولار للأوقية لأول مرة    ارتفاع أسعار النفط بنسبة 1%    "محمية الإمام تركي" تنضم لليونسكو    ولي العهد يطمئن على صحة بدر الدويش    تركي آل الشيخ يعلن تفاصيل فعاليات 2025: قيمة العلامة التجارية لموسم الرياض تتجاوز 3.2 مليار دولار    ارتفاع سوق الأسهم    مجموعة الدكتور سليمان الحبيب الطبية شريك رسمي مميز لموسم الرياض 2025 للعام السادس على التوالي    ضبط مقيمين لممارستهما الصيد بدون تصريح    وزير الدفاع الإسرائيلي: موقف حماس يشكل تحولاً في مسار الصراع    مفاوضات في مصر لمناقشة تفاصيل وقف الحرب في غزة    ميزات جديدة بتجربة المراسلة في واتساب    32 مسيرة انتحارية أطلقتها قوات الدعم السريع.. الجيش السوداني يتصدى لهجوم واسع في الأُبيض    أتلتيك بيلباو يكرم اللاجئين الفلسطينيين    ساكا يحتفل ب 100 مساهمة.. وأرتيتا يكمل مباراته ال 300    سيدات التسامح يتوجن ببطولة أندية الغربية والجنوبية للسباحة    البنيان للمعلمين: أنتم القدوة الأولى ومصدر إلهام أبنائنا    إحالة منشأة تجارية للنيابة لتخزينها مستحضرات منتهية الصلاحية    دراسة تُحذّر من وسائل التواصل على المراهقين    مصرع مذيعة أثناء الفرار من سطو مسلح    رصد تضاريس القمر في سماء رفحاء    تحوّل الرياض    مقترح بدراسة بحثية عن سرطان الثدي في الشرقية    «إثراء» يقود طلاب المملكة للتألق في «أرامكو STEM»    سهر الصايغ بطلة «لعدم كفاية الأدلة»    الأب.. جبلٌ من الحنان والقوة    صداقة على محك السلطة    "صحي مكة" يطلق العام الأكاديمي وبرنامج الدراسات العليا    إكتشاف طفرة جينية لمرضى الكلى    باحثون يبتكرون مادة هلامية من الفطر لتجديد الأنسجة    زبادي بالنمل على قائمة مطعم عالمي    إغلاق ميناء العريش البحري بمصر نظرًا لتقلب الأحوال الجوية    السلام في المنطقة يجب ألا يخضع لتسعير أخطارها    تكامل عناصر «الأخضر» ورينارد يتحدث اليوم    الصناعة المعجمية.. قاطرة العربية نحو المستقبل الرقمي    جوائز الأفضلية تذهب ل«فيلكس» و«جيسوس» و«مندي» و«الحسن»    قرعة كأس الاتحاد السعودي للكرة الطائرة .. كلاسيكو قوي يجمع النصر بالهلال    إدارة الأزمات الجماهيرية لأندية صندوق الاستثمارات العامة    600 ألف فرصة تدريبية بقطاع السياحة    3 سائقين سعوديين يؤكدون حضورهم في بطولة السعودية للفورمولا4 لعام 2025    مع خطة ترمب هل تبقى غزة فلسطينية    روسيا وأوكرانيا: الأزمة تتعمق وتزيد الغموض الميداني    6 اتفاقيات للتطوير المهني للمعلمين    الحج والعمرة: جميع أنواع التأشيرات تتيح أداء مناسك العمرة    ثلوثية الحميد تستضيف الفقيه سعيد بن كردم    نائب أمير تبوك يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بتبوك    خطب الجمعة المقبلة تتناول الجشع والمبالغة في رفع الإيجارات والمكاسب العقارية    تركي آل الشيخ: موسم الرياض جذب 20 مليون زائر من 135 دولة    أبرز 3 مسببات للحوادث المرورية في المنطقة الشرقية    وزير الأوقاف السوري يزور مجمع طباعة المصحف    بهدف تطوير ورفع كفاءة منظومة العمل بالعاصمة.. إطلاق برنامج «تحول الرياض البلدي»    بحضور سفراء ورجال أعمال .. بالخيور وكويتي يحتفلان بعقد قران مؤيد ولمار    نماء الأهلية تحتفي باليوم الوطني    1568 مرشحاً يتنافسون على 140 مقعداً.. انطلاق الانتخابات البرلمانية في المحافظات السورية    شاهين فرخ    توابل شهيرة تقلل فعالية الأدوية    وزير الأوقاف السوري ينوه بجهود المملكة في خدمة القرآن الكريم    إطلاق برنامج تحوّل الرياض البلدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوم التأسيس ... والأسئلة الثلاثة

أعتقد أننا بحاجة عندما نريد أن نعرف ونعي تاريخنا الوطني السعودي وخاصة يوم التأسيس أننا بحاجة الى الطرح والتفكير بأشكال وبأسئلة مختلفة والتي أرى أن من المهم الإجابة عليها بل تكرار محاولات الإجابة عليها والولوج الى الجوانب الدقيقة فيها ومن وجهة نظري أن هناك ثلاثة أسئلة مهمة مرتبطة بهذه الحاجة لا سيما في مرحلة التأسيس وهي :
* ما مدى الحاجة الى إقامة دولة في الجزيرة العربية قبل قيام الدولة السعودية الأولى؟
* ما مدى إمكانية إقامة دولة في ذلك الوقت بناءً على معطيات تلك المرحلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؟
* ما الشروط المثالية الواجب توفرها في القيادة أو الدولة التي تتولى المبادرة في تأسيس هذه الدولة؟
وللحصول على إجابة نوعية أو مفيدة على مثل هذه الأسئلة الثلاثة أو غيرها من الأسئلة المعرفية لها شروط بحثية معروفة من أهمها المعلومات الموثوقة والموضوعية والتجرد لكنني أضيف هنا شرط آخر وهو _ التخيل أو التخييل _ التاريخي وأقصد محاولة المجيب على هذه الأسئلة تخيل تلك المرحلة التاريخية بكل ما فيها من مكان وانسان وتفاعلات وظروف معيشية مختلفة.
وعندما نحاول الإجابة على هذه الأسئلة بمحاولات وإضاءات موجزة فيمكن القول أنه منذ خروج عاصمة الدولة الإسلامية من المدينة المنورة الى دمشق ثم بغداد وغيرها والجزيرة العربية تعاني من الإهمال السياسي والحضاري فلم تشهد وحدة سياسية بل قامت قوى ودويلات صغيرة وضعيفة ويمكن وصف الحالة خلال عشرة قرون بأنها عبارة عن تعدد للانتماءات والولاءات والمصالح بناءً على الحالة السياسية والحضارية الى جانب الغياب التام للخدمات الأمنية والصحية والتعليمية والتنمية عموماً إلا ما ندر ، وهذه الحالة دون شك أوجدت الخوف والفقر والمرض على مدار 30 جيل تقريباً فأصبح هناك حالة معقدة سياسيًا وحضاريًا ومن الصعب إن لم يكن من المستحيل فكفكتها وإيجاد وحدة وطنية بناءً على المشتركات الدينية والثقافية والاجتماعية.
لقد كان تأسيس الدولة السعودية في ظل "حالة" تلك المرحلة استثناء في مفهوم قيام وولادة الدولة لتجذر تعدد القوى والانتماءات والولاءات وطول مددها وتشابكاتها الى جانب غياب المؤسسات والخدمات وأبسط مقومات قيام الدول ، والتحول إن أمكن فيحتاج أزمان طويلة كذلك لتحقيقها والأهم بحاجة الى قيادة استثنائية من نفس المجتمع تملك "القدرة" بكل مفاهيمها.
ويمكن القول أن الحالة في الجزيرة العربية قبل قيام الدولة السعودية كذلك استثنائية فالدول التي حلت بها الحروب العالمية والقنابل الذرية كانت ساحقة وقاسية ومؤثرة في كافة المجالات لكنه يبقى لها في بعض المقاطعات أو الأقاليم حالة من التنمية والخدمات والخبرات تستطيع من خلالها استعادة تنميتها أما في حالة التأسيس السعودية فهناك انعدام تام فيما يمكن البناء عليه من الناحيتين السياسية والتنموية وهذه حالة خاصة وتحدياتها عظيمة.
في مفاهيم النظريَّات السياسيَّة والاستراتيجيَّة المرتبطة بتأسيس وبناء الدول يمكن القول: إن حالة بناء الدولة السعوديَّة تجربةٌ خاصَّةٌ واستثنائيَّة منذ عام 1139ه/1727م وحتى وقتنا الحاضر ، وتبرز هذه الحالة الخاصة بشكل واضح في تجربة الدولة السعوديَّة الثالثة في عهد الملك عبدالعزيز، والتي مثلت أوج التجربة ونضجها سياسيًّا وحضاريًّا، ويصعب مقارنتها بتجربة تاريخيَّة عالميَّة في العصر الحديث من جانبين الأول : أنها اعتمدت في كافة مقومات تأسيسها وبنائها على أبنائها وإمكاناتها الداخليَّة، بشكل كامل بل مطلق ؛ فالدولة منذ الإرهاصات الأولى وحتى قيام الدولة السعوديَّة الأولى والثانية والثالثة لم تعتمد أو تربط تأسيسها ووجودها على قوًى خارجيَّة ولم تقع تحت ما يُعرف بالاستعمار أو الوجود الأجنبي ، والثاني أن الدولة وُلدت وابتدأت وجوديًا وتنمويًّا في العصر الحديث من العدم أو من "الصفر"؛ فلم يكن هناك وراثة لمؤسسات إداريَّة أو ماليَّة أو خدمات من دولة أو تجربة سابقة ، أو حتى بقايا دولة، أو تجربة سابقة لها.
إن المتتبع لحركة ومسارات تاريخ الدولة السعوديَّة منذ تأسيسها 1139ه/1727م، وخلال ما يقارب ثلاثمائة عام يجد أن حركة هذا التاريخ في جذوره وأسسه ومساراته قد ارتبطت بإجراءات وخطوات عمليَّة – وذات فاعلية تاريخية منجزة سياسيًّا وعسكريًّا وثقافيًّا وإداريًّا- كانت مؤسَسَة ومرتبطة بأهدافٍ ذات قيمٍ مثلت طاقة فكريَّة ومعنويَّة دافعة لبقيَّة خطوات التوحيد والبناء حتى وقتنا الحاضر وقد ارتبطت هذه القيم في عمومها بخدمة الدين والمقدسات وتحقيق الأمن والعدل والتنمية المستدامة.
وهذا الاتجاه الصانع للتاريخ في مشروع الدولة السعودية بأهدافه وقيمه وتطبيقاته العملية قد أوجد القناعة الجمعية لدى المجتمع في الجزيرة العربية بأهمية الدولة والأسرة الحاكمة في تحقيق احتياجاته الفردية والجمعية حاضرًا ومستقبلاً فعلى الرغم من نهاية الدولة السعودية الأولى فإن أفكار ومبادئ وقيم التأسيس والانجاز في مرحلة التأسيس والدولة السعودية الأولى لم تنقطع في فكر وذهنية المجتمع فظلت إنجازات وقيم الدولة السعودية الأولى راسخة وحية في ذاكرة ونفوس الأهالي يؤكد هذا الأمر ما نبأ به مانجان بعد نهاية الدولة السعودية الأولى حين قال "أن أسرة آل سعود قد تفرقت مع الفوضى وما زال هناك أساس خصب يمكن للزمن والأحداث أن تجعله يتفتح من جديد".
وباعتماد الدولة السعوديَّة على البناء الذاتي والخاص أوجد لها شخصيَّة تاريخيَّة خاصة توافرت لها عوامل الشرعية "الصافية" دون مستعمر أو داعم أو تشابك مصالح أو جزءاً منها الى جانب المتانة والاكتفاء الثقافي والمعنوي الجمعي والثقة السياسيَّة والحضاريَّة بشكل متين ومتصاعد.
وأعتقد أنه من الضرورة العلميَّة والثقافيَّة -حتى نحقق فهمًا ووعيًا أعمق لعمليات بناء الدولة السعوديَّة- أن نعرض هذه التجربة البنائيَّة التاريخيَّة في مراحل بنائها السياسي والحضاري على نظريَّات ومفاهيم بناء الدولة التي تناولها الباحثون والمفكرون، وأن نحاول المقارنة والتفسير والتحليل والمقاربة.
والتأسيس والبناء من الداخل في الحالة السعوديَّة منحها الشرعيَّة الوثيقة وجعلها أكثر قبولاً وصدقًا وتمكينًا، فبدأ يسري في المجتمع وينساب في الأذهان والأفكار المعتمدة على الدين والعقل والتطبيقات العملية للدولة وقادتها ومؤسساتها قيمة البناء والوحدة الوطنيَّة وقيمة وسمو المنجزات السياسيَّة والحضاريَّة دون "تمرير" للمشروع من قوى المصالح الخارجيَّة التي تعرضه للهشاشة في ظل التعقيدات الكامنة والمتجذرة، فكان هذا البناء الداخلي أكثر جودة واستمراريَّة تصاعديَّة لثلاثة قرون ويؤكد موثوقية هذه الشرعية وقيمتها التاريخية الكثير من الآراء والنظريات المعرفية التي نعرض لها هنا بالتحليل والمقارنة التاريخية.
وعندما نتحدث عن الدولة السعودية فإننا نتحدث عن ثلاثة قرون تحقق فيها الوحدة والأمن والرخاء والاستقرار بالأسرة السعودية الحاكمة، ولا يمكن للحديث عن الدولة السعودية وفلسفتها وأسرار نشأتها وعوامل نهضتها، إلا أن تكون الأسرة المالكة أسرة آل سعود العامل المؤثر والقائد في هذه الصناعة التاريخية فهذه الأسرة من أبناء هذه المجتمع وأصبح لهذه الأسرة مع شعبها علاقة فريدة ممتلئة بالكفاح والصبر والعطاء والثقة عبر الأجيال.، ويمكن القول أن من الممكن في الكثير من الدول المعاصرة أن تكتب أو تتحدث عن الوطن دون الحديث عن حكامه وهذا لا يمكن أن ينسجم في المملكة العربية والسعودية بحكم ظروف التأسيس والبناء التاريخي الذاتي والتجربة التاريخية المتينة والصاعدة حتى وقتنا الحاضر.
ويوم التأسيس يمثل ذكرى فخر واعتزاز وجزء أصيل من الذاكرة التاريخية السعودية يلزمنا نقله الى فكر ووعي الأجيال لمعرفة تاريخهم وجذورهم وأصالتهم بالحقائق التاريخية بكل نقاء ووعي فالتاريخ طاقة فكر ومشاعر وفاعلية لا تنقطع يجب الاستثمار فيها ، خاصة في مثل هذه الدولة وهذه القيادة التاريخية التي تملك العزم والرؤية في الاستثمار في التاريخ وفي تطوير دولها وتعزيز قيمة شعبها فتحقق متانة البناء ومتانة التجربة وثقة الاتجاه نحو المستقبل وتكرر الاحتفاء بالتأسيس بل بقيم التأسيس.
*مدير مركز بحوث التأسيس والتاريخ الوطني بجامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.