يقول عبدالرحمن شكري في قصيدته المعنونة ب»الحاجة المكتومة»: زعموا أن فتاةً جَمَعَتْ طيبَ النساءِ شُهرت بالبرِّ والتق وى وحسنٍ وحياءِ ما رآها عارِفُوها ضَحِكتْ ضَحْكَ الضياءِ ما رآها عارِفُوها ردَّدتْ رجعَ الغناءِ هي عاشَتْ في جلال كجلال للمساءِ حين ترنو الشمس حزناً وهدوءاً في السماءِ لم تجد وجداً فتمحو ه بإحياءِ البكاءِ فلها عيشٌ رقيقٌ كغديرٍ في الصفاءِ وهي لم تمن بهم وهي لم تمن بداءِ غير داء حفيت أس بابه عن كل رائي وافتقارُ النفسِ للحبِ عنيف لا يرائي هزلت في كل يوم في صباح أو مساءِ أم تراها جهلتها جهل طهر أم غباء عُمرت حيناً وماتت من عفاف وحياء العلاقة بين القصيدة والقصة علاقة قديمة منذ الشاعر العربي امرئ القيس إلى أن أصبحت إحدى سمات القصيدة الحديثة. وهذه إحدى قصائد شكري التي توافرت فيها عناصر القصة، فالراوي يركز على الشخصية وانفعالاتها وأبعادها المختلفة مخرجاً القصيدة من الغنائية إلى السردية، وتتلخص هذه القصة بأن ثمة فتاة جمعت من المحاسن والصفات والفضائل ما ندر وجودها في غيرها: «بر وتقوى وحسن حياء، فلا يرى منها ضحك، أو يسمع منها غناء، وقار وجلال وهدوء، ولم يعتورها حزن، أو اعتلج في قلبها أسىً، ولم تمنَ بهم، أو تصب بداء أو مرض، غير داء واحد أرقها أيما أرق، وأقض مضجعها للغاية. وعلى الرغم من أنه لا يُرى إلا أنه عنيف جداً، أهزلها شيئاً فشيئاً إلى أن أفضى بها إلى الموت، وهي عفيفة حيية ألا وهو افتقارها للحب الذي لا تحيا النفس دونه، ولا تبدو نضارة الوجه إلا به». تقوم هذه القصيدة على حبكة نمت وتشابكت إلى أن بلغت ذورة التأزم، ثم انفرجت. بدأت القصيدة بفعل القص «زعموا» مروراً بتعداد ميزات هذه الفتاة، ثم بالداء الخفي الذي أصيبت به وانتهاء بموتها عفيفة حيية. وقد اتكأ الشاعر في هذا السرد على ضمير الغائب المناسب للقص وترتيب الأحداث. أما الراوي الذي قدم شخصية الفتاة وسرد قصتها، فهو راوٍ عليم / كلي المعرفة يعرف ما يدور في خلدها من أفكار، وما يمور في داخلها من مشاعر، وما يصطرع في ذاتها من أحاسيس مؤرقة ومؤلمة في الآن ذاته. ويعتمد الراوي على تقنية الارتجاع، إذ يروي حدثاً عن الزمن الماضي: «زعموا أن فتاة...» وتتلاحق الأحداث عبر الفعل الماضي: «شهرت / ما رآها / ضحكت / ما رآها...» إلى أن وصلت الأحداث إلى الذروة، ثم انحدرت نحو الانفراج والنهاية. وتمتاز الأحداث بالتسلسل المنطقي مكملاً القص دون قفزات، على الرغم من توقف الزمن من خلال الوصف: «جمعت /شهرت / ما رآها...»، وتجدر الإشارة إلى أن الراوي اعتنى عناية فائقة برسم الشخصية وتجلية ملامحها في هذه القصة؛ لأن القصة تنصب عليها، فهي شخصية نامية ودرامية، تختزن في داخلها الألم والحزن والصمت، كاشفة بذلك هواجس الشاعر، وآراءه ونفسيته.