تعد البطالة بصفة عامة مشكلة اقتصادية واجتماعية وسياسية تعاني منها معظم الدول النامية، والمتقدمة على حد سواء، إلاّ أن قضية «بطالة المقيمين» تحتل أهمية كبيرة لكثرة المشكلات الناجمة عنها، إذ إنها لا تقتصر على النواحي الاقتصادية فقط بل تتعداها إلى النواحي الاجتماعية والسياسية والنفسية. المقيم يتخذ قراراً بارتكاب الجريمة اعتماداً على مقارنة المنافع ويعد البعد الأمني لمشكلة بطالة المقيمين من أخطر الأبعاد لهذه المشكلة المتشابكة لخطورته في تهديد المجتمع بصفة عامة وأمن الدولة بصفة خاصة، حيث إن صلة البطالة بالجرائم مباشرة وغير مباشرة في الوقت نفسه. تعامل المملكة الإنساني وحفظ حقوق المقيمين يجدان صدىً دولياً كبيراً وتعتبر المملكة من الدول الجاذبة للأيدي العاملة الأجنبية من كافة الجنسيات لتوفر الموارد الطبيعية والدخول المرتفعة واحتوائها على المشروعات الاستثمارية العملاقة، والذي يعد سبباً في ارتفاع عدد المقيمين بالمملكة، وقد أعلنت الهيئة العامة للإحصاء أن عدد سكان المملكة بلغ 32.175.224 نسمة، وذلك وفقًا للنتائج الرئيسة لتعداد المملكة 2022م التي نشرتها الهيئة على موقع التعداد، وأفادت النتائج أن عدد السعوديين بلغ 18.8 مليون نسمة بنسبة 58.4 %، بينما بلغ عدد غير السعوديين 13.4 مليون نسمة بنسبة 41.6 %، مشيرةً إلى أن عدد الذكور بلغ 19.7 مليون نسمة بنسبة 61 %، في حين بلغ عدد الإناث 12.5 مليون نسمة بنسبة 39 %، فيما كان متوسط حجم أفراد الأسرة غير السعودية 2.7 فراد للأسرة الواحدة، ووصلت نسبة الذكور إلى 76 % من إجمالي غير السعوديين في المملكة، ومقارنةً بتعداد 2010م فقد نما عدد السكان الإجمالي من 24 مليون نسمة عام 2010م إلى 32.2 مليون نسمة عام 2022م، وذلك بمتوسط معدل نمو سنوي وصل إلى 2.5 %، فيما زاد عدد السعوديين من 14 مليون نسمة إلى 18.8 مليون نسمة، بزيادة إجمالية قدرها 4.8 ملايين نسمة، وارتفع كذلك عدد السكان غير السعوديين من 9.9 ملايين نسمة إلى 13.4 مليون نسمة بزيادة إجمالية قدرها 3.5 ملايين نسمة. جرائم جنائية وتؤكد السجلات والبيانات الرسمية لوزارة الداخلية عن تورط المقيمين من جنسيات مختلفة في الضلوع بارتكاب الجرائم الجنائية كجرائم القتل، وترويج المخدرات وتصنيعها، وجرائم السلب، والسرقة، والاعتداء على الممتلكات العامة وغيرها، إضافةً إلى الجرائم المتعلقة بجرائم مخالفة نظام الإقامة والعمل وجرائم أمن الحدود، إذ تؤكد وزارة الداخلية في أحد بياناتها المرتبطة بجرائم المقيمين والخاصة بجرائم مخالفة نظام الإقامة والعمل وأمن الحدود أن الحملات الميدانية المشتركة لمتابعة وضبط مخالفي أنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود، التي تمت في مناطق المملكة كافة، وذلك للفترة من 1 حتى 7 / 9 / 1444ه الموافق من 23 حتى 29 / 3 / 2023م أسفرت عن النتائج التالية: أولاً: بلغ إجمالي المخالفين الذين تم ضبطهم بالحملات الميدانية الأمنية المشتركة في مناطق المملكة كافة (16407) مخالفين، منهم (9609) مخالفين لنظام الإقامة، و(4561) مخالفاً لنظام أمن الحدود، و(2237) مخالفاً لنظام العمل، ثانياً: بلغ إجمالي من تم ضبطهم خلال محاولتهم عبور الحدود إلى داخل المملكة (1086) شخصاً، (22 %) منهم يمنيو الجنسية، و(74 %) إثيوبيو الجنسية، و(4 %) جنسيات أخرى، كما تم ضبط (64) شخصاً لمحاولتهم عبور الحدود إلى خارج المملكة بطريقة غير نظامية، ثالثاً: بلغ إجمالي من تم إخضاعهم لإجراءات تنفيذ الأنظمة في هذا البيان (14327) وافداً مخالفاً، منهم (12554) رجلاً، و(1773) امرأة، رابعاً: تم إحالة (6251) مخالفاً لبعثاتهم الدبلوماسية للحصول على وثائق سفر، وإحالة (1487) مخالفاً لاستكمال حجوزات سفرهم، وترحيل (10809) مخالفين. مقارنة المنافع وطبقاً للنظرية الاقتصادية للجريمة فإن الفرد سوف يتخذ قراراً بارتكاب الجريمة من عدمه اعتماداً على مقارنة المنافع المتوقعة من النشاط الإجرامي بمثيلتها المتوقعة من النشاط القانوني -العمل الشريف-، فالفرد يتخذ قراراً باتخاذ النشاط الإجرامي طالما كانت المنافع المتوقعة للجريمة أكبر من المتوقعة من العمل الشريف، وهذا ما يظهر جلياً في قضايا المقيمين من مخالفي نظام الإقامة والعمل وأمن الحدود، من أجل حصولهم على أكبر المنافع بناء على توقعهم أن العائد من الأعمال المخالفة أكثر نفعاً من العمل الشريف، فيبدأ بارتكاب سلوكيات مخالفة للقانون العام كالهرب من المؤسسة أو الشركة التي استقدم للعمل فيها، ويمارس الأعمال الإجرامية لجمع أكبر قدر من المال قبل الهرب، إضافةً إلى رغبة المخالفين في العمل لحسابهم الخاص تحت مظلة التستر أو الدخول عبر الحدود، أو التخلف بعد الحصول على تأشيرة عبور سواء للحج أو للعمرة، أو الزيارة ويدخل في نطاق بطالة المقيم المخالف للعمل والمخالف لنظام أمن الحدود. حقوق الإنسان وباعتبار البطالة تعني حرمان العامل الذي توقف عن العمل من مورد رزقه وهو ما يؤدي إلى عجزه عن إشباع حاجاته الضرورية بالطرق المشروعة، مما قد يضطره إلى سلك سبل الجريمة لتحقيق هذا الإشباع، وأدركت المملكة منذ وقت مبكر أهمية توفير الأمان الوظيفي للعاملين على أراضيها -مقيمين من مختلف الجنسيات- وتطبيق مفهوم حقوق الإنسان، والعمل والعمال، ومن أبرز التطوّرات اللافتة في قوانين العمل السماح للعمّال الوافدين بتغيير جهة عملهم قبل انتهاء عقدهم من جهة إلى أخرى، وعدم ترك العمّال الوافدين تحت رحمة أصحاب العمل عند البحث عن عمل في مكان آخر، وكان هذا الأمر ميزة محورية في نظام الكفالة، لمنع أي ممارسات استغلالية تنتهك قوانين حقوق الإنسان الدولية ومعايير العمل الدولية، كما حظي المستخدمون في المنازل، لحفظ حقوقهم القانونية لحماية وتنظيم العلاقة بين المستخدمين في المنازل وأصحاب العمل ومنحهم المزيد من الحقوق والتسهيلات. معايير دولية وهدفت أكثر الإصلاحات في قوانين العمل في المملكة إلى تسهيل قدرة العمّال الوافدين على تغيير العمل والسفر، فضلاً عن جعل التشريعات الوطنية على مستوى معايير العمل الدولية، إضافةً إلى توسيع هذا الأمر ليشمل العمالة المنزلية أو اعتبار مصادرة أصحاب العمل أو الكفيل لجوازات سفر العمّال الأجانب أمراً غير قانوني، وإنشاء لجان للنزاعات في قطاع العمل تطرح آلية يستطيع من خلالها العمّال وأصحاب العمل حلّ نزاعاتهم، إلى جانب إصدار قانون لحماية من الإجهاد الحراري للأشخاص الذين عليهم العمل في المواقع المكشوفة، وحظر العمل في المساحات المكشوفة لحماية العمالة من أخطار الشمس، والتوسع في الإصلاحات التي تهدف إلى حماية الأجور وحماية حقوق العاملين من المقيمين على أراضي المملكة وتعزيز تطبيق الإجراءات لمعالجة ثقافة إفلات صاحب العمل من العقاب، وقد اعتبرت هذه الإصلاحات من الأمور المشجعة ووجدت صدى دولياً كبيراً في حسن التعامل باعتبارها تاريخية حتّى في تفكيك نظام الكفالة المعمول به سابقاً. بطالة الوافدين ومع تلك المزايا لا يزال الكثير من المقيمين ممن يدخلون في قانون مخالفة نظام الإقامة والعمل وأمن الحدود يسهمون بشكل كبير في نمو بطالة المقيمين من خلال عدم الامتثال للقوانين والتعليمات والخروج عن النظام ونمو مشكلة البطالة، والتي أسفرت بشكل كبير في إفراز الجريمة وارتفاع نسبة المتورطين في ارتكاب تلك الجرائم من المخالفين من مختلف الجنسيات، بدءاً من الجرائم الخطرة كالقتل والسلب وغسيل الأموال وتهريب وترويج المخدرات، والقضايا الأخلاقية، حتى يصل بهم المطاف إلى جرائم العمل الحر في الأماكن العامة، مما ساهم أيضاً في بروز العديد من الانحرافات الاجتماعية والأخلاقية نتيجة لشعور المقيم العاطل عن العمل باليأس والإحباط وعدم الاستقرار، نتيجة لعدم استقراره في علاقاته الاجتماعية وعدم تقبل المقيم العاطل عن العمل للوضع وشعوره بخيبة الأمل، ومنها يلجأ المقيمون العاطلون عن العمل إلى الجريمة للهرب من واقعهم الذي تتسبوا في إيجاده. وتعمل بعض الدول على تدارك مشكلة بطالة الوافدين ومخاطرها على أمن المجتمع، فتبتكر العديد من الحلول العلاجية والوقائية حسب قوانينها ووضعها الاقتصادي، واحتياجاتها لهذه العمالة، حيث يؤكد أحد أساتذة الاقتصاد في جامعة ملبورن الشهيرة في أستراليا، بقوله: رغم حاجة أستراليا للعمالة الأجنبية إلّا أننا لا نستقدمها، بل نسمح بهجرة ثلاثمائة ألف شخص سنوياً من أصحاب المهن الذين تحتاجهم أستراليا ليصبحوا مواطنين فيما بعد، لكننا نراقبهم بكل عناية لمعرفة مدى التزامهم بالضوابط، ونضع حداً أدنى للأجور يطبق على الجميع، فالدولة الغنية لا تقاس بعدد أغنيائها، ولكن بقلة فقرائها، والحد الأدنى للأجور يحقق ذلك، وقال أستاذ آخر: أصحاب المهن يتقاضون أجراً في الساعة أكثر مما نتقاضاه نحن الأساتذة، فالحد الأدنى للأجور لا يقاس بالشهادات فقط، ولكن بصعوبة العمل ومقدار الجهد المبذول وخطورته. برامج التوطين ومن أبرز الحلول التي تطرحها «الرياض» للقضاء على بطالة المقيمين هو التوسع في برامج التوطين، والتطبيق الفعلي لتلك البرامج، مع إعطاء المواطن والمواطنة مقابلاً مادياً يتناسب مع تلك الأعمال التي يتم توطينها، إضافةً إلى التقليل أو إقفال باب استقدام العمالة إلّا في أضيق الحدود، فالعمالة الرخيصة تأخذ من المواطن فرصة العمل، وتعوّد الناس على الكسل، وتزدحم بهم الشوارع، ويكون منهم سيئ الخلق، وفي أستراليا على سبيل المثال يعلمون أبناءهم أن يقوموا بأعمالهم بأنفسهم، فهم الذين يغسلون سياراتهم، وهم الذين يملؤونها بالوقود، بل إنه لا يوجد في محطة الوقود سوى شخص واحد فقط والسبب غلاء الأجور، وهو المسؤول عن البقالة أيضاً، كما يتم تعليم الأبناء والبنات على أداء الأعمال المنزلية والصيانة البسيطة بسبب غلاء الأيدي العاملة هناك، ومن الحلول المهمة هو قضية التوسع في الحملات الأمنية المشتركة لمتابعة أنشطة من يقومون بالعمل لمنع تفشي الأعمال غير المشروعة ونمو بطالة الوافدين، مع تطبيق العقوبات على المخالفين والتشهير بهم في وسائل الإعلام الرسمية. استراتيجية أمنية وكما أشرنا في قراءتنا لقضية بطالة المقيمين بالمملكة وآثارها الاقتصادية والأمنية فإن جرائم العاطلين عن العمل من المقيمين ترتبط ارتباطاً قوياً ووثيقاً بالجرائم التي يكون القصد الجنائي من ارتكابها هو الحصول على المال، وهي جرائم السرقة بالإكراه، والاتجار في المخدرات وسرقات المساكن والمتاجر والسيارات وغيرها، وهنا يظهر تأثير مشكلة البطالة المادي على مرتكبي تلك الجرائم، إذ إن العاطلين يمثلون نسبة كبيرة من مرتكبيها، لذا يجب أن يُعاد النظر في الاستقدام، وشروط الاستقدام، ولا يتم الاستقدام إلّا للضرورة الماسة في بعض التخصصات، والنظر في قضية تأشيرات الزيارة حيث يتم إعادة آلياتها وفق شروط خاصة تضمن عودة المقيم فور انتهاء فترة الزيارة مباشرة، كذلك النظر في تعديل آلية التعامل مع بعض الجنسيات التي تتمتع بحصانة صعوبة ترحيلها عند ارتكابها قضية معينة، حتى لا يتمادى في البطالة ويدخل في قضية رفع معدلات الجريمة والوافدة، مع التضييق على المنافذ الحدودية، وتطبيق عقوبات صارمة على المتسللين لا يكون فقط بإعادة ترحيلهم حتى لا يشعر المخالف -المتسلل- بأن العقوبة كمكافأة ويعاود الكرّة مرةً أخرى، وحتى لا تتفاقم مشكلة بطالة المقيمين وتصبح أحد التحديات المهمة للأمن الوطني للدولة، ولكي تستطيع الاستراتيجية الأمنية أن تحقق أهدافها، فلابد من ربطها بوزارة التنمية والموارد البشرية، ممثلة في وكالة العمل والعمّال، إلى جانب ربطها بالجهات ذات العلاقة كأمانات المناطق والتي تعتبر المورد الرئيس للمقيم، مع تكثيف الحملات الأمنية المشتركة التي تقودها وزارة الداخلية بمشاركة قطاعات مختلفة، على أن توضع في إطار سياسة أمنية وتنموية شاملة تأخذ في اعتبارها واقع المجتمع وتعالج مشكلاته بطريقة واعية تبعد شبح الجريمة وتعالج أسبابها ودوافعها. بطالة المقيمين تحتل أهمية كبيرة لكثرة المشكلات الناجمة عنها (عدسة/ نايف الحربي) تؤكد سجلات وزارة الداخلية تورط مقيمين في ترويج المخدرات يجب أن يُعاد النظر في استقدام العمالة وشروطه ممارسة أي عمل لجمع أكبر قدر من المال قبل الهرب قراءة - د. مناحي الشيباني