إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. منح رئيس «الأركان» الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. رئيس هيئة الأركان العامة يُقلِّد رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    الرياض تعيد اختراع الإدارة المحلية: من البلديات التقليدية إلى المدينة الذكية    تحت رعاية ولي العهد.. تدشين النسخة الافتتاحية من منتدى «TOURISE»    استثمار الإنسان وتنمية قدراته.. سماي: مليون مواطن ممكنون في الذكاء الاصطناعي    «ملتقى 2025» يختتم أعماله في الرياض.. السعودية رائد عالمي في التحول الرقمي    ويتكوف وكوشنر اليوم في إسرائيل.. تحرك أمريكي لبحث أزمة مقاتلي حماس في رفح    شجار زوجين يؤخر إقلاع طائرة    إسلام آباد تبدي استعدادها لاستئناف الحوار مع كابل    بعد ختام ثامن جولات «يلو».. العلا يواصل الصدارة.. والوحدة يحقق انتصاره الأول    استعداداً لوديتي ساحل العاج والجزائر قبل خوض كأس العرب.. لاعبو الأخضر ينتظمون في معسكر جدة    عبر 11 لعبة عالمية.. SEF أرينا تحتضن البطولة الكبرى للدوري السعودي للرياضات الإلكترونية    لص يقطع أصبع مسنة لسرقة خاتمها    هيئة «الشورى» تحيل 16 موضوعاً لجلسات المجلس    وزارة الداخلية في مؤتمر ومعرض الحج 2025.. جهود ومبادرات أمنية وإنسانية لخدمة ضيوف الرحمن    «إثراء» يستعرض المشهد الإبداعي في دبي    مغنية افتراضية توقع عقداً ب 3 ملايين دولار    العلاقة الطيبة بين الزوجين.. استقرار للأسرة والحياة    افتتح نيابة عن خادم الحرمين مؤتمر ومعرض الحج.. نائب أمير مكة: السعودية ماضية في تطوير خدمات ضيوف الرحمن    مطوفي حجاج الدول العربية شريكاً إستراتيجياً لمؤتمر ومعرض الحج 2025    النوم بعد الساعة 11 مساء يرفع خطر النوبات    المقارنة الاجتماعية.. سارقة «الفرح»    «الغذاء والدواء»: إحباط دخول 239 طناً من الأغذية الفاسدة    القبض على مروجين في جازان    مستشفى الملك فهد بالمدينة صديق للتوحد    «الشؤون الإسلامية» بالمدينة تحقق 37 ألف ساعة تطوعية    غزة بين هدنة هشة وأزمة خانقة.. القيود الإسرائيلية تفاقم المعاناة الإنسانية    هيبة الصقور    «جادة السواقي».. عبق الماضي وجمال الطبيعة    فهد بن سلطان: هيئة كبار العلماء لها جهود علمية ودعوية في بيان وسطية الإسلام    العُيون يتصدر دوري أندية الأحساء    الاتفاق بطلاً للمصارعة    في الشباك    أمير نجران يلتقي مدير فرع «عقارات الدولة»    انخفاض الطلب على وقود الطائرات في ظل تقييم فائض النفط    تناولوا الزنجبيل بحذر!    تعزيز تكامل نموذج الرعاية الصحية الحديث    الأهلي يتوج بالسوبر المصري للمرة ال 16 في تاريخه    فيفا يُعلن إيقاف قيد نادي الشباب    15 شركة صحية صغيرة ومتوسطة تدخل السوق الموازي    انطلاق مناورات "الموج الأحمر 8" في الأسطول الغربي    بغداد: بدء التصويت المبكر في الانتخابات التشريعية    على وجه الغروب وجوك الهادي تأمل يا وسيع العرف واذكر الأعوام    معجم الكائنات الخرافية    حرف يدوية    82 مدرسة تتميز في جازان    هدنة غزة بوادر انفراج تصطدم بمخاوف انتكاس    الشرع في البيت الأبيض: أولوية سوريا رفع قانون قيصر    وزير الحج: موسم الحج الماضي كان الأفضل خلال 50 عاما    أمير تبوك يشيد بحصول إمارة المنطقة على المركز الأول على مستوى إمارات المناطق في المملكة في قياس التحول الرقمي    أكثر من 11 ألف أسرة محتضنة في المملكة    أمير تبوك يستقبل عضو هيئة كبار العلماء الشيخ يوسف بن سعيد    انطلاق أعمال مؤتمر ومعرض الحج والعمرة 2025 في جدة بمشاركة 150 دولة.. مساء اليوم    83 فيلما منتجا بالمملكة والقصيرة تتفوق    اختتام فعاليات ملتقى الترجمة الدولي 2025    تحت رعاية الملك ونيابةً عن ولي العهد.. أمير الرياض يحضر دورة ألعاب التضامن الإسلامي    هنأت رئيس أذربيجان بذكرى يومي «النصر» و«العلم».. القيادة تعزي أمير الكويت في وفاة صباح جابر    مسؤولون وأعيان يواسون الدرويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنطقة النجدية وثلاثة قرون من صناعة مجد التحولات
نشر في الرياض يوم 21 - 02 - 2023


نجد قاعدة إقليمية وسياسية
احتلت نجد مساحة واسعة من الجزيرة العربية وهذا الاتساع تبعه أن يكون للمنطقة الوسطى أكبر قسم مأهول للسكان في بلاد العرب.
يشمل تحديد منطقة نجد من جهة الشمال بلاد شمر وحائل وعسير والربع الخالي من الجهة الجنوبية والأحساء من جهة الشرق بينما تكون سلسلة جبال الحجاز من الجهه الغربية.
وقد ظهرت بعض الاختلافات عند الجغرافيين والبلدانيين في تحديد منطقة نجد أو اليمامة ويعود سبب تلك الاختلافات إلى تداخل الحدود الطبيعية والجغرافية مع الحدود الإدارية.
(جغرافية شبة جزيرة العرب، عمر كحالة، مكتبة النهضة مكة، ومطبعة الفجالة القاهرة، الطبعة الثانية، 1384ه، ص 86).
وأظهر الأقوال وأقربها لصحة لمنطقة اليمامة من الناحية الجغرافية بأنها أقليم يقع في وسط الجزيرة بين منطقتي نجد والبحرين أما من الناحية الإدارية فقد كان أسمها في العهد الأموي يشمل الإقليم الجغرافي كله حتى البحرين شرقاً كما يشمل منطقة نجد الواسعة.
(ابن عربي موطد الحكم الأموي في نجد، حمد الجاسر، مرامر للطباعة والنشر، 1414ه، ص3).
ومركز اليمامة وقاعدتها الإقليمية والسياسية والإدارية والأمنية هي: حَجْر اليمامة والتى ينزلها السلطان والوالي ويصدر فيها تعيين الأمراء والولاة، ويعتبر منبرها من المنابر الأولية كاليمن ودمشق ومكة والمدينة وغيرها.
(بلاد العرب، الحسن الأصفهاني، 326، 357).
قامت الرياض على أنقاض حجر اليمامة واحتلت موقعاً مهماً لتكون من أهم المحطات التجارية التى تعبرها القوافل التجارية (ولاية اليمامة، صالح الوشمي، ص 33).
السيطرة على المنطقة
بعد دخول الإسلام للمنطقة النجدية ولاسيما بعد عام الفتح (السنة التاسعة من الهجرة) وهي السنة التي وفدت فيها القبائل على الرسول صلى الله عليه وسلم فقد بدأت ملامح الدين تظهر بدخول الناس في الدين الإسلامي، وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم تعرضت المنطقة لانتكاسة كبيرة حيث ارتد كثير من القبائل عن الدين الإسلامي حتى قام الخليفة أبو بكر الصديق بالقضاء على المرتدين واستطاعت الدولة الإسلامية من السيطرة على المنطقة.
سار تعيين الولاة في منطقة نجد واليمامة منذ الحقبة الإسلامية المبكرة أمراً تقليدياً (الولاية على البلدان في عصر الخلفاء الراشدون، عبدالعزيز بن ابراهيم العمري، الرياض، 1422ه، ص 55، 228، 322).
وبقيام الدولة الأموية (14ه- 132ه) كانت الاضطرابات السياسية والقلاقل الأمنية مصاحبة لهذه المنطقة وامتد تأثيرها إلى النواحي الاقتصادية والمعيشية مما أثر سلباً على حياة السكان. (ولاية اليمامة، دراسة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية حتى نهاية القرن الثالث الهجري، صالح الوشمي، مطبوعات مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، الرياض، 1412ه، ص 167).
بعد قيام الدولة العباسية استطاعت أن تمد نفوذها على منطقة اليمامة، وحاولت إرسال بعض الجيوش لتدعيم سيطرتها وبسط الأمن وعلى الأخص عام 232ه (سيرت الدولة العباسية القائد بغا إلى منطقة نجد، أبو الفداء ابن كثير، البداية والنهاية : 11/21)
ظهر الضعف في جسد الدولة العباسية بعد أن استطاع الأخيضريون بقيادة محمد بن الأخيضر من تأسيس دولة علوية زيدية لهم واتخذوا من موضع الخضرمة (الخضرمة تقع فى إقليم الخرج حالياً) قاعدة للسلطة وحاولوا مد نفوذهم إلى الأماكن والبلدان المحيطة ولم يعد ارتباطهم بالدولة العباسية قائماً إلا أن العباسيين لم يقاوموا الأخيضرين لاتفاقهم معهم في المعتقد بالإضافة الى حربهم المشتركة ضد القرامطة.
(مدينة الرياض عبر أطوار التاريخ، حمد الجاسر، منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، الرياض، 1386ه، 69، الدولة الأخيضرية، عبدالله الشبل، مجلة كلية اللغة العربية، جامعه الامام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، ع6، سنه 1396ه، ص 461، 462).
انتهج الأخيضريون سياسة العنف والتعسف ضد السكان المحليين مما ولد اضطهاد السكان والقبائل ونتج عن ذلك هروب ونزوح بعض الفئات السكانية من مناطقها الى خارج الجزيرة العربية.
( صورة الأرض، أبو القاسم بن حوقل، منشورات دار الحياة، بيروت، 1992م، 37، 85).
استمر امتداد الدولة الأخيضرية الى منتصف القرن الخامس الهجري تقريباً ودون عنهم الرحالة ناصر خسروا بقوله: "لم ينتزع أحد منهم الولاية، اذا ليس بجوارهم سلطان قاهر أو ملك ظاهر".
(ناصر خسرو، سفرنامة، ترجمه يحى الخشاب، دار الكتاب الجديد، بيروت، ط، 1983م، ص 141، 142).
ورافق الدولة الأخيضرية تسلط القرامطة وقطعهم للطرق وانتشار السرقة حول بلاد الاحساء واليمامة وطرقها الموصلة الى مكة والمدينة مما سبب ضعف الأمن خلال تلكم الحقب التاريخية.
(غاية الأماني فى أخبار القطر اليماني، يحى ابن القاسم، مراجعه محمد مصطفى، القاهرة، ب، ت، 1/292).
وفي أواخر القرن الخامس الهجري تمكن أحد زعماء الأحساء الأمير عبدالله بن علي العيوني بمخاطبة الخليفة العباسي القائم بأمر الله (ت 467 ه) بطلب المساعدة في القضاء على شر القرامطة فأمده الخليفة بالمساعدة واستطاع خلال سبع سنوات من التخلص من القرامطة نهائياً في موقعه حربية جرت في عام 469ه. (تحفة المستفيد بتاريخ الأحساء القديم والجديد، محمد بن عبدالله الاحسائى: 1/179، الدولة العيونية في البحرين، عبدالرحمن المديرس، دارة الملك عبدالعزيز، 1422ه، ص 85).
وتمكن العيونيون من تأسيس دولة اتخذت من الأحساء مركزاً أساسياً وعاصمة إدارية لبلاد البحرين مع بسط حدودها وتوسيع نفوذها حتى وصلت الى منطقة نجد وأطراف عمان والشام والعراق.
كما عمل العيونيون على توفير الأمن وحماية القوافل ولاسيما بين منطقتى نجد والأحساء.
( ديوان ابن المقرب العيوني وشرحه، تحقيق أحمد موسى الخطيب، طبع مؤسسه جائزة عبدالعزيز بن سعود البابطين للإبداع الشعري، ط 2002م : 1/615، 616، 2/954، 1033، محمد الأحسائي، تحفة المستفيد: 1/188، 189).
وظهرت الصراعات الداخلية لتنخر في البيت العيوني بالإضافة الى الصراعات الخارجية المتمثلة في الإمارة الهرمزية مع جزيرة قيس حتى سقطت الإمارة عام 636ه. (الدولة العيونية في البحرين، عبدالرحمن المديرس، ص 139، 143) .
استغل هذا الصراع والضعف عصفور بن راشد العامري وتمكن من تولى الزعامة ثم ابناؤه من بعدة ووصل نفوذه إلى نجد والبحرين وعرفت دولتهم بالدولة العصفورية. (إمارة العصفوريين ودورها السياسي في تاريخ شرق الجزيرة العربية، مجلة الوثيقة البحرينية، ع 3، س2، ص 32).
بعد منتصف القرن الثامن الهجري عام 750ه /1349م تمكن الجروانيون من قبيلة عبدالقيس من الاستيلاء على منطقة البحرين بعد ان نزعها من سعيد بن مغامس بن رميثة لكن فترة حكمهم لم تدم طويلاً. (محمد الأحسائي، تحفة المستفيد: 2/209).
صعود القوة الجديدة
قبيل منتصف القرن التاسع الهجري تمكنت قوة جديدة تسمى الجبريون بقيادة مؤسسها سيف بن زامل الجبري العقيلي من الزعامة ومد النفوذ على منطقة البحرين ثم خلفه أخوه أجود بن زامل المتوفي عام 911 ه تقريباً وسعى لتثبيت الإمارة وتقويتها ومد نفوذها على منطقة نجد بحيث كانت كثيرة التدخل بها مع محاولة تأمين طرق الحج وقد أشاد به بعض مؤرخي نجد ووصفوه بأنه رئيس أهل نجد ورأسها وسلطان البحرين والقطيف إضافة الى الأوصاف الشخصية من الخلق والفضل مع إشادتهم بحسن معتقدة وديانته وورعه.
(السمهودي، وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد، دار إحياء التراث الإسلامي، بيروت، ط، 1401ه : 2/288) .
وبتولي آخر الزعماء الجبرين الأمير مقرن بن زامل بن أجود السلطة عام 922ه استطاع من مد نفوذه على المناطق النجدية ويصفه بعض المؤرخين بأنه سيد عربان الشرق وغيرها. وأدى استشهاده على يد البرتغاليين عام 927ه الى تدهور واضمحلال الحالة الأمنية وسقوط الدولة فيما بعد.
وسجلت المصادر المحلية عدد من الأحداث والوقائع العسكرية التى تفوق أخبارها الكيانات الإقليمية من الإمارات الأخرى حسب المصادر المتوفرة.
عبدالكريم الوهبي، العثمانيون وشرق شبة الجزيرة العربية "أيالة الحسا" 954-1082ه، مطابع الحميضي، الرياض، 1425ه، ص76، 77).
تمكن راشد بن مغامس من الاستيلاء على السلطة وكرسي الإمارة عام 931ه بعد تخلصه من الجبريين وتمكن من مد نفوذه على مكتسبات من سبقه وشملت بلاده أنحاء متفرقة كالاحساء والبصرة وبعض البلاد النجدية وغيرها.
(عبدالقادر الجزيري، درر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المكرمة، القاهرة، المطبعة السلفية، 1384ه، 316).
أدى دخول العثمانيين الى أقطار العالم الإسلامي في الشام ومصر عام 922ه-923ه إلى دخول الحجاز تبعاً لذلك وهذا الأمر أدى إلى أن يتقدم راشد بن مغامس بإظهار التبعية للعثمانيين والذين أقروه على حكم الاحساء، حتى تمكن العثمانيون من السيطرة الفعلية ووقعت الأحساء تحت حكمهم عام 954ه وسيطرتهم القوية عليها عام 957ه/1550م.
(محمد بن اياس، بدائع الزهور في وقائع الدهور: 5/148، عبدالكريم الوهبي، العثمانيون وشرق شبة الجزيرة العربية" أيالة الحسا" 954-1082ه، 132، 134، 137.
حاول الأشراف مد نفوذهم على المنطقة النجدية إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك ولم يوجدوا لهم نفوذ دائم أو مستقر.
(أبى بكر بن بهرام المشقي، جزيرة العرب في كتاب مختصر الجغرافيا الكبير، ترجمه وحققه وعلق عليها مسعد الشامان، مركز حمد الجاسر الثقافي، ط 1، 1428ه، ص 279).
فقد سعى الشريف حسن بن أبى نمى مد نفوذه الى وسط نجد وتحديداً عندما غزى بلدة معكال -إحدى البلدات المعروفة في مدينة الرياض حالياً- وذلك في عام 986ه وبلغت قواته الخمسين الفاً إلا أن ذلك لم يتحقق بالسيطرة الدائمة على المنطقة . (عبدالملك العصامي، سمط النجوم العوالى، : 4/368).
السيطرة على مجريات الأحداث
في الجانب الآخر تمكن بنو خالد من الاستيلاء على منطقة الأحساء بقيادة زعيمهم براك بن غرير آل حميد وتمكنوا من السيطرة على مجريات الأحداث عام 1082ه/1671م (عبدالكريم الوهبي، العثمانيون وشرق الجزيرة العربية، ص 459).
وينبه بعض المؤرخين الى أن حكم قبيلة بنى خالد كان حكماً بدوياً وقبلياً، يقوم على الظلم بعيداً عن الإصلاح وازدهار التجارة.
(حمد الجاسر، مجلة العرب ج 11، س 2، جمادى الأول، 1388ه، ص 1030، 1032، أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، أنساب الأسر الحاكمة في الأحساء: 2/75).
اتسمت طبيعة الحكم بالنسبة للبلدان النجدية عموماً بالتبعية الاسمية إلى منطقة الأحساء وحكامها، مع ما يتخلل ذلك من بعض التدخلات العسكرية التى يقوم بها حكام الحجاز ولاسيما في القرن العاشر الهجري والذين لم يتمكنوا من تثبيت نفوذهم على المنطقة.
(عثمان بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد : 1/27).
الصراعات في المنطقة النجدية
ولهذا فإن المنطقة النجدية عانت من الصراعات والحروب الأهلية فلكل بلد أمير أو شيخ أو زعيم يتولى الرئاسة أو الإمارة ويديرها وفق ما تقضيه من المصالح وبحسب الظروف أو العوامل التى ينظر اليها إما سلباً أو ايجاباً وأدى كل ذلك الى الانعكاس السلبي على المنطقة النجدية.
وقد صور بعض الشعراء المعاناة الأمنية لأمراء البلدان النجدية وتفرقهم وتصارعهم حيث يقول الشاعر النسابة جبر بن سيار الخالدي (ت 1085ه) ضمن إحدى قصائده النبطية:
وأشيوخ إلى فكرت فيها لكنها ثعالب طرفاً تفسد الملك جايره
إلى جيت تبي خيرهم جاك شرهم جهار وفيهم نية الخير بايره
تركبوا ظلم الرعايا وطبعهم يدلك عليه أن مات تجمد بصايره
(جبر بن سيار الخالدي المتوفى عام 1085ه شاعر ونسابة وله ورقات مطبوعة عن الأنساب بعنوان " نبذه في أنساب أهل نجد" تحقيق ودراسة راشد بن عساكر، الطبعة الأولى، ص 26، 27) .
الأحداث النجدية في إمارة الدرعية
أورد المؤرخون النجديون حدثاً بارزاً في عام 850ه /1446م وتمثل في قدوم جد الأسرة السعودية الأعلى مانع المريدي من بلاد الأحساء وعودته الى موطن أسلافه في نجد واستقراره على إحدى البلدات الواقعة على جنبات وادي حنيفة والمسماة المليبيد وغصيبة والتي تعد أبرز حيين في بلدة الدرعية.
كان تواصل الأمير مانع المريدي مع أمير حجر اليمامة (الرياض حالياً) والمسمى ابن درع وكلاهما من أبناء العمومة كونهم ينتمون إلى قبيلة بني حنيفة (نسب آل سعود، فائز البدراني، راشد بن عساكر، دارة الملك عبدالعزيز، 1433ه، 51-81) والذى أقطعه الأخير هذا المكان فاستقر فيه وبدأت ذريته بالتكاثر والانتشار وشرع الأمير مانع وذريته في إعادة إعمار تلك المناطق وزراعتها حتى أصبحت الدرعية تنافس كثيرا من البلدان المجاورة في النواحي الاقتصادية والعسكرية والعلمية.
(عثمان بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، 2/296).
وتعاقب على إمارة الدرعية منذ تأسيسها حتى قيام الدولة السعودية الأولى سبعة عشر أميراً أولهم مانع المريدي ثم ابنه ربيعة ثم موسي بن ربيعة.
(فهد الدامغ، تاريخ منطقة الرياض منذ قيام إمارة الدرعية حتى قيام الدولة السعودية الأولى " 850 -1157ه/1446-1744م، د. منطقة الرياض، دراسة تاريخية وجغرافية واجتماعية، الأمانة العامة للاحتفال بمرور مائة عام 1419ه : 3/13).
ثم الأمير إبراهيم بن موسى بن ربيعه بن مانع أحد أشهر الأمراء وأوردته بعض الوثائق بأنه كان يحمى القوافل العابرة للمنطقة عبر الدرعية عام 981ه /1573ه حيث عد من أشهر وابرز الأمراء خلال تلك الحقبة التاريخية.
(قوافل الحج المارة بالعارض من خلال وثيقة عثمانية أشارت إلى جد الأسرة السعودية وشيخ الدرعية سنة 981ه/1573م، راشد بن محمد بن عساكر، 1426ه 53، 68).
أنجب إبراهيم عدداً من الأبناء المشاهير الذين استقلوا بحكم بعض البلدان بعد وفاة والدهم الأمير إبراهيم، ولم تخرج الإمارة من أيديهم طوال تلك الحقبة والتي بلغت أكثر من ثلاث مئة سنة سوى فترات قصيرة.
الجد الأعلى للأسرة السعودية
وصلت إمارة الدرعية إلى الجد الأعلى للأسرة السعودية: سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن ابراهيم وجرت في عهد عدة أحداث عسكرية منها مشاركاته الحربية مع والدة محمد بن مقرن عام 1096ه/1685م وتصديه للغزو الخارجي القادم من الأحساء في سنوات ولايته وذلك في عام 1133ه/1721م. حتى توفي في رمضان عام 1137ه .
(عثمان بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، 2/338، 363، 367).
خلّف الأمير سعود بن محمد عدد من الأبناء وهم محمد وثنيان ومشاري وفرحان.
(عثمان بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد : 2/16).
أحداث سياسية وأمنية
وبعد أحداث سياسية وأمنية في الدرعية والبلدات المجاورة لها تولى الأمير محمد بن سعود (الإمام فيما بعد) حكم الدرعية وصفت له الولاية منذ عام 1139ه1727م (عثمان بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، 2/369). وشهدت الدرعية في عهده حكماً مستقراً وحاول ضبط النواحي الأمنية وتمكن من ضم أشهر بلدتين في الدرعية تحت حكم واحد وهما المليبيد. (المليبيد: موضع يقع في الجهة الجنوبية من حي الطريف وعرف في الأزمنة المتأخرة بالعلاقية. راشد بن عساكر، تاريخ المساجد والأوقاف القديمة في بلد الدرعية إلى عام 1373ه، ط1، 1438ه 244).
وغصيبة (موضع يقع في الجهة الشمالية من حي الطريف وعلى الضفة الغربية من وادي حنيفة. راشد بن عساكر، تاريخ المساجد والأوقاف القديمة في بلد الدرعية الى عام 1373ه، 221).
العزم والإقدام
حرص الإمام محمد بن سعود على حفظ حقوق الناس وتأمين الطرق ودفع المظالم وقمع الفتن كما تمكن من إدخال بعض القرى والبلدان تحت حكمه في منطقة نجد واستطاع من مساندة ومساعدة أمير الرياض دهام بن دواس عندما ثار عليه أهل الرياض حيث أرسل جيشاً للرياض وتمكن دهام من إعادة حكمة بفضل تلك المساندة.
(منير العجلاني، تاريخ البلاد العربية السعودية، الدولة السعودية الأولى، ط2، 1413ه: 1/110، فهد الدامغ، تاريخ منطقة الرياض منذ قيام إمارة الدرعية حتى قيام الدولة السعودية الأولى:3/28 ).
وينقل المستشرق شيخوا وصفاً للإمام محمد بن سعود بأنه رجل ذو عزم وإقدام، حريص على السيادة راغب في توسيع نطاق إمارته، فسار سيراً حسناً في قومه.. وأخذ يجند الجنود ويمرنهم على مقاساه الجوع والعطش.
كما ذكر سليمان الدخيل في مقال نشره عام 1913م عن الإمام محمد بن سعود بأنه سار سيرة حسنة في الناس إذ رفع المظالم وأبطل المكوس والضرائب... فقويت شوكته وامتدت سطوته وناهض الاستبداد أشد المناهضة.
(منير العجلاني، تاريخ البلاد العربية السعودية : 1/117، 118).
ساهم الإمام محمد بن سعود في النمو الحضاري للدرعية، مع دعم الجانب العلمي والدعوي الذى شرع فيه الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومساندته منذ وصوله للدرعية عام 1157ه/1744م.
توفي الإمام محمد بن سعود في آخر ربيع الأول من عام 1179ه /1765م وخلف عدداً من الأبناء منهم اثنان منهما استشهادا في حياته وهما فيصل وسعود.
والاثنان الآخران هما الإمام عبدالعزيز وأخيه الأمير عبدالله.
ترك الإمام محمد بن سعود لأولاده إرثاً تجاوز كثيراً إرث آبائه، فترك لهم دولة ترفرف على راياتها على أكثر من بلد من بلدان نجد وينشر دعاتها وأنصارها في مختلف المدن والقرى والبوادي النجدية.
(عثمان بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد :1/99، منير العجلاني، تاريخ البلاد العربية السعودية : 1/117، 118) .
تحقيق الأمن
استطاعت الدولة السعودية الأولى وقيادتها من تحقيق أهم المقومات الأساسية لنجاح أسس الدولة في مشروعها للتنمية فلا يتحقق أي مشروع ناجح إلا بوجوده وتحقيقه ويعد مؤشراً مهماً للاستقرار ألا وهو تحقيق الأمن.
ولأول مرة منذ زمن الخلافة الراشدة أصبح الأمن في الجزيرة العربية مضرب المثل في أنحاء الدولة السعودية وما زال حتى اليوم بحمده تعالى.
*مؤرخ في تاريخ المملكة العربية السعودية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.