لم تكن اللُّغة العربيَّة منكفأة على ذاتها عبر العصور، بل إنَّها كانت منتجة ومسهمة في تراكم الإرث الإنساني، وتمثِّل ركيزة من ركائز بناء الحضارات والثقافات، وتؤدِّي أدورًا مهمة في مدِّ جسور الاتصال المعرفي، وخلق التفاعل الثقافي والحضاري. ونحتفي هذا العام في يومها العالمي تحت عنوان: (مساهمة اللُّغة العربيَّة في الثقافة والحضارة الإنسانيَّة)، ونؤكِّد على الدور العظيم الذي تضطلع به في نهوض ورقي الإنسانيَّة جمعاء، ولاسيما الحضارة والثقافة. ولعلَّ ارتباط اللُّغة العربيَّة بالإسلام أسهم في عالميتها، إذ إنَّه جاء للناس قاطبة؛ من أجل هدايتهم وإعادتهم إلى التوحيد والنور. ولذا، فقد كانت اللُّغة وعاء للفكر والثقافة والحضارة، تسهم في استحداث المعرفة وتناقلها، وترتكز في هذا على جانبَيْن رئيسَيْن: أولهما: يتمثَّل في هُويَّة وتراث وتاريخ أهلها، وثانيهما: يكتسب أهميَّته بما تحمله من علوم وحضارة وثقافة إلى غير أهلها. وقد أسهمت اللُّغة العربيَّة في بناء الحضارات وتشكيل الثقافات من خلال عدَّة عوامل مؤثِّرة، منها: الفتوحات الإسلاميَّة في مشرق الأرض ومغاربها، ورحلات التجارة، والترجمة، وغير ذلك من العوامل. وقد تميَّزت اللُّغة العربيَّة عن غيرها بحيويَّتها، ورسوخها، واتساعها، وقدرتها على التعبير، ممَّا جعل الكثير من الشعوب العربيَّة وغير العربيَّة، يعتمدونها في تدوين حضاراتهم وتراثهم وتاريخهم وإبداعهم. ولسان حالها يقول: أنا البحرُ في أحشائه الدُّرُّ كامنٌ فهل ساءَلُوا الغوَّاصَ عن صدفاتي.. ويمكن القول: إنَّ هذه اللُّغة نهضت بدور ريادي متميِّز في بناء جسور التواصل الثقافي والحضاري الإنساني، وهي خالدة بخلود القرآن الكريم، وهذا الاحتفاء جاء اعترافًا بفضلها وأهميَّتها في نقل المعارف إلى اللُّغات الأخرى، وإقرارًا بدورها الفاعل في الاتصال المعرفي، وحفاظًا على الهُويَّة العربيَّة الأصيلة.