في الوقت الذي رسم الخبراء في الشؤون الانتخابية صورة ضبابية لفرص احتفاظ الحزب الديموقراطي بأكثريتهم البسيطة في مجلسي النواب والشيوخ، في الانتخابات النصفية معتمدين على النتائج الماضية التي أشارت إلى أن الحزب الحاكم، هو الذي يخسر عادة في الانتخابات النصفية، وهذا ما يؤكده أيضا سجل الانتخابات منذ الحرب العالمية الثانية، أن الحزب الحاكم خسر أكثريته في مجلس النواب 17 مرة من أصل 19 انتخابات نصفية؛ كثف الرئيس الأميركي جو بايدن من تنقلاته الانتخابية قبل المعركة المصيرية لتجديد نصف مقاعد الكونغرس ومجلس الشيوخ، ويحاول بايدن بزيارته لنيومكسيكو وكاليفورنيا وإلينوي وبنسلفانيا كمحطات أخيرة أن ينقذ الديموقراطيين من خطر هزيمة "شبه محققة" ومن سيطرة جمهورية على مفاتيح صنع القرار. ولكن الاستثناءات قليلة، وآخرها الانتخابات النصفية في 2002 والتي فاز بها الحزب الجمهوري بأكثرية بسيطة في مجلس النواب وصلت إلى خمسة أعضاء فقط، ويعتقد أن السبب الرئيس لهذا الفوز المتواضع هو أن هذه الانتخابات جاءت في أعقاب هجمات سبتمبر الإرهابية، والرد الأميركي عليها المتمثل بغزو أفغانستان لمعاقبة تنظيم القاعدة الإرهابي، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع ضخم في معدلات تأييد الرئيس جورج بوش الابن آنذاك، وعندما يتعلق الأمر بخبز المواطن، وعلى ضوء الغضب المتزايد للمستهلك الأميركي جراء الارتفاع المستمر لمعدلات التضخم التي وصلت إلى مستويات غير معهودة منذ نحو 40 سنة فإن فوز الديموقراطيين يحتاج لمعجزة. الرئيس بايدن وصل إلى البيت الأبيض في أعقاب أزمة اقتصادية خانقة بسبب وباء كوفيد -19 وفي ظل انقسامات واستقطابات سياسية واجتماعية وثقافية خطيرة للغاية في المجتمع الأميركي، ولكن بايدن ومستشاريه لم يتوقعوا أن تكون معدلات التضخم عنيدة أو تاريخية، كونهم اعتقدوا في البداية أنها ظاهرة عابرة، وهذا الإخفاق في إدراك أهمية وخطورة هذه الظاهرة، جعل إجراءات التخفيف من حدة التضخم محدودة ومتأخرة، وكشفت صحيفة نيويورك تايمز أن بعض العاملين في حملة بايدن بعثوا بمذكرات خاصة للرئيس بايدن حول خطورة وثبات ظاهرة التضخم، وفي حال سيطرة الحزب الجمهوري على مجلس النواب، فإن ذلك يعني وقف عمل اللجنة الخاصة التي تقوم منذ أشهر بالتحقيق في اجتياح مبنى الكابيتول بما في ذلك التحقيق في ضلوع أعضاء في المجلس بعملية الاجتياح والتخطيط المسبق لها. عودة الجمهوريين للسيطرة على مجلسي الكونغرس سوف تكون بمثابة انتصار جديد للرئيس السابق دونالد ترمب، وربما كانت الحدث الذي يجعله يترشح من جديد للرئاسة في 2024، مع ما يعنيه ذلك من خطر حقيقي على الديموقراطية الأميركية التي لم تتعاف بعد من سنواته العجاف الأربعة، في الشهرين الماضيين خاض بايدن حربا ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكن الجبهة التي ستقرر مصيره وسمعته السياسية، هي الجبهة الداخلية والتي لا يستطيع المناورة فيها ببراعة وحكمة. وبينما قالت صحيفة فاينانشيال تايمز إن بايدن حرص على عدم الظهور مؤخرا بشكل واضح في الحملات الانتخابية للمرشحين الديموقراطيين في الانتخابات النصفية، فإن بايدن قد يتعرض للتوبيخ من الناخبين الأميركيين في الانتخابات، لذلك تبنى نهجا أكثر حذرا، وهو تجنب المشاركة في فعاليات كبرى يحضرها آلاف الأشخاص، والاكتفاء بالمشاركة في فعاليات أقل حشدا وأقل إثارة للتدخلات. وينظر ترمب وبايدن إلى انتخابات التجديد النصفي المقبلة باعتبارها استفتاءً على المسار الذي ستتخذه الديموقراطية في الولاياتالمتحدة، فوفقا للنتائج قد يدشن التصويت لبداية مرحلة تكون فيها نتائج الانتخابات أساسا للتفاوض لتتعدى فكرة أن نتائج اقتراع يجب أن تُحترم.