سعود بن بندر يرعى حفل تخرج كلية المجتمع بالدمام    القيادة تعزي رئيس مجلس السيادة الانتقالي بجمهورية السودان في وفاة ابنه    «مهرجان الحريد».. فرحة أهالي فرسان    صندوق البيئة يعزز الاستدامة المالية لخمسة قطاعات    انخفاض أرباح شركات التكرير الأميركية مع اضطرابات المصافي الروسية    تسعير المنتجات الطبية    اجتماع سعودي-بريطاني يبحث "دور الدبلوماسية الإنسانية في تقديم المساعدات"    مناورات روسية تحاكي استخدام الأسلحة النووية    إخلاء شرق رفح.. السكان إلى أين؟    بايدن يحذّر نتانياهو مجددا من أي اجتياح لرفح    الشورى: سلامة البيانات الشخصية تتطلب إجراءات صارمة    النائب العام يلتقي عدداً من قيادات السلطات القضائية والدستورية في البحرين    "آل هادي" إلى رتبة "لواء" ب"الشؤون القانونية للجوازات"    اتحاد تسع جهات حكومية لحماية طلاب مكة سلوكياً وفكرياً    أوامر الاحتلال بإخلاء رفح تؤكد قرب الغزو البري    لاعب النصر على رادار بلباو    100 ألف ريال غرامة النقل الداخلي للركاب والبضائع في دولة أخرى    تطوير للطرق والمحاور بالخبر    أمير منطقة تبوك يستقبل أمين مجلس منطقة جازان ويشيد بدور المرأة في دفع عجلة التنمية    القبض على مقيم بمكة المكرمة لترويجه مادة الميثامفيتامين المخدر    انطلاق تمرين «الغضب العارم 24» بين القوات المسلحة السعودية ومشاة البحرية الأمريكية    السعودية تحذر من مخاطر استهداف الاحتلال لرفح وتهجير سكان غزة    100 ميدالية بالأولمبياد الخاص    أمير الجوف يعزي في وفاة معرّف أهالي قرية إثرة بمحافظة القريات    "البيئة": 54 بحثًا للابتكار وتنمية المجتمعات الريفية    برنامج "مساعد طبيب أسنان" منتهٍ بالتوظيف    أمير الرياض يرعى حفل تخريج الدفعة ال68 لطلاب جامعة الإمام.. غداً    7 غيابات في كلاسيكو الأهلي والهلال    ماذا قدم فراس البريكان في 6 مواجهات أمام الهلال؟    سمو محافظ الخرج يكرم متدربي كلية التقنية بالمحافظه لحصولهم على جائزة المركز الأول في مسابقة الروبوت والذكاء الاصطناعي    تقديم الاختبارات النهائية بمدارس مكة    غوغل توقف تشغيل تطبيق البودكاست    خطط وبرامج لتطوير المساجد في الشرقية    نائب وزير الخارجية يستقبل وزير الدولة البريطاني للتنمية وأفريقيا    إعلان نتائج أرامكو غدا.. ترقب من سوق الأسهم وتوصيات المحللين    هيئة الأمر بالمعروف بنجران تفعّل حملة "الدين يسر" التوعوية    وحدة الأمن الفكري بالرئاسة العامة لهيئة "الأمر بالمعروف" تنفذ لقاءً علمياً    تقديم الإختبارات النهائية للفصل الدراسي الثالث بمنطقة مكة المكرمة.    انطلاق "مهرجان الرياض للموهوبين 2024".. غداً    في نقد التدين والمتدين: التدين الحقيقي    مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يُنظم مؤتمرًا دوليًا في كوريا الجنوبية حول "تحديات وآفاق تعليم اللغة العربية وآدابها"    "المرويّة العربية".. مؤتمر يُعيد حضارة العرب للواجهة    550 نباتاً تخلق بيئة نموذجية ب"محمية الملك"    أمطار ورياح مثيرة للأتربة على عدد من المناطق    السعودية.. الجُرأة السياسية    سمو ولي العهد يهنئ ملك مملكة هولندا بذكرى يوم التحرير في بلاده    المجرشي يودع حياة العزوبية    تدخل عاجل ينقذ حياة سيدة تعرضت لحادث مروري    وصول التوءم السيامي الفلبيني إلى الرياض    100 مليون ريال لمشروعات صيانة وتشغيل «1332» مسجداً وجامعاً    هدف لميسي وثلاثية لسواريس مع ميامي    بدر بن عبد المحسن المبدع الساعي للخلود الأدبي    القادسية لحسم الصعود أمام أحد.. الجبلين يواجه العين    فيصل بن مشعل: يشيد بالمنجزات الطبية في القصيم    افتتح المؤتمر الدولي.. الراجحي: المملكة عززت منظومة السلامة والصحة المهنية    الدور الحضاري    رحيل «البدر» الفاجع.. «ما بقى لي قلب»    إستشارية: الساعة البيولوجية تتعطَّل بعد الولادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ألم تعلم أن جهلك علم».. عام من عمر شاكر آل سعيد
نشر في الرياض يوم 12 - 05 - 2022

كان لوجود الفنان العراقي شاكر حسن آل سعيد، مواليد السماوة (1925– 2004م) والذي بدأ حياته ومشواره الفني منذ منتصف الخمسينات الميلادية في القرن المنصرم، ودرس بأكاديمية الفن في فرنسا محدداً اتجاهاته الفنية بالحركات الحديثة والمعاصرة التي ظهرت في أوروبا وفرنسا آنذاك، وكان آل سعيد من مؤسسي جماعة بغداد للفن الحديث أول الخمسينات -وهي من أوائل الجماعات الفنية العربية-. كان لذهابه للعمل معلماً للرسم والأشغال اليدوية في المملكة العربية السعودية بمدينة الخُبر بالمدرسة المتوسطة النموذجية بين 1968 -1969م، ذلك الوجود أثّر على مسيرته الفنية كرحلته السابقة لباريس، شأنه شأن بقية الأساتذة العراقيين الأجلاء الأفذاذ كسعد الكعبي وسلمان الدليمي الذين كانوا موجودين آنذاك في الرياض للتدريس بمعهد التربية الفنية الثانوي، وبعد عودته للعراق تأسست جماعة البعد الواحد، وهي الأكثر تأثيراً في بدايات الحركة التشكيلية العربية المعاصرة؛ بسبب نشاط أعضائها المؤسسين الفني محلياً وإقليمياً وعالمياً.
كانت تلك الفترة التي زار فيها آل سعيد الخُبر مرحلة مهمة في تاريخ المدينة؛ حيث انتقلت حاضرة الخبر التراثية، إلى نواة مدينة حديثة وعصرية، ولعل من بواكير ذلك التحديث والعصرنة، تلك المدرسة المتوسطة النموذجية التي درّس فيها الفنان شاكر حسن آل سعيد نهاية الستينات. بنت أرامكو عدة مدارس بأحدث الطرق الهندسية والتعليمية، وكان من أهدافهم استقطاب أفضل المعلمين للعمل بها، كانت المدرسة نموذجية فعلاً، بها معامل للرسم والأشغال الفنية اليدوية المتعددة الخامات ومسرح، وحديقة وفناء وسيع وخلافه من مكونات المدارس العصرية.
في الحقيقة لم يكن بمدينة الخبر والدمام والظهران المجاورة لها قد بدأت الحركة التشكيلية بعد في الفترة التي زامنت وجود شاكر في المنطقة الشرقية، والتي تكوّنت بعد رحيله بقليل على يد عبدالله الشيخ وعبدالرحمن السليمان وعبدالحميد البقشي وعبدالعظيم الضامن والدوسري وبقية مؤسسي الحراك التشكيلي بداية السبعينات الميلادية هناك. لكن لعل من أهم المشتركات حينها، وجود الفنان السعودي عبدالله الشيخ جواره، وهما خريجا ذات المعهد، معهد الفنون الجميلة ببغداد، الذي درس به عبدالله الشيخ وأخوه الفنان عبدالجبار اليحيا وتخرّجا منه بين أعوام 1959م-1379ه.
من أبرز تلاميذ متوسطة الخبر النموذجية آنذاك الفنان السعودي الشهير عبدالله الشلتي، الذي درس الرسم والفن على يد الأستاذ شاكر حسن آل سعيد، وذكر أنه كان من أهم معلمي الرسم والفنون الذين واجههم على الإطلاق؛ وصفه بأنه فنان حقيقي ومثقف واعٍ ناضج في منتصف العمر، يعطي دروس رسم وفن متقدمة وممنهجة ومنظمة جداً ويعمل بشكل جدي. بحسب كلامه "كان أول معلّم رسم يأخذنا للطبيعة، ويحثنا لدراسة وتذوق ورسم الطبيعة بحديقة المدرسة، وكان يستقطب كل المواهب والهوايات والقدرات والأنشطة الفنية في معمل التربية الفنية، ويطلبنا أن نساعده في تقطيع ألواح الخشب، ثم تأسيسها وتجهيزها للرسم على حوامل الرسم، في ظل انعدام الخامات الفنية، باعتبارنا أول جيل يطلب شراء أدوات ومواد رسم وتلوين من الخارج، كان كريم العطاء والسخاء الفني".
بالفعل كان شاكر آل سعيد معلماً للفن، مختلفاً عن البقية في الثراء المهني التربوي التدريسي المنظم، فلا عجب؛ فهو حاصل على دبلوم عالٍ في الرسم وتاريخ الفن من كلية الفنون الجميلة بباريس، هناك تأسس في خضم مناهج وخبرات لها تاريخ تصل لثلاث قرون. ظهرت هذه الخبرة عندما كان يعلم تلاميذه في مرحلة عمرية حائرة بين الطفولة والمراهقة، فترة توهّج وجداني إنساني، يظهر جلياً في مهاراتهم اليدوية وتمكّنهم من استخدام العدد والأدوات والخامات الفنية، وارتقت توجهاتهم نحو الفنون التشكيلية.
كان ضمن دروسه وإرشاداته وتعليماته الدائمة لكل التلاميذ، تدريبهم لصنع عمل فني كخطاب بصري، بينك كرسام وبين من يشاهد أعمالك. يُعلّم آل سعيد طلابه قيماً وآداباً كثيرة، منها معارف ومهارات فنية لما يمارسوا الرسم كفن، ومهنياً عندما أصبحوا معلمين للرسم، فكان آل سعيد حازماً في العلم والفن والأدب، لا يقبل بامتهانها أبداً، ويبحث عن الطلبة الموهوبين ويستقطبهم لديه، متفاعلاً مع التلاميذ بكفاءة عالية، يربط ويغطّي الجانب العملي بالنظري، يستفيد من كامل زمن الحصة في العلم والرسم والأخلاق والنظافة والنظام، والاهتمام بجماليات المكان من فصل ومرسم وفناء وكافة مكونات وأرجاء المدرسة، ليكون لها رونق جاذب للمتعلمين، يثيرهم نحو شأن العلم وجمال الفن وسمو الأخلاق، مدرسة كأنها مصنع للإنسان المبدع والأجيال المثقفة.
في الفترة التي عمل بها معلماً للفنون بالخبر 1968-1969م نشر بين طلابه من أوائل الدفعات التي درست هناك، يعرض لهم تجارب الحركة التجريدية عبر دروسه وممارساته الفنية لوحات وحوارات ومعارض، درّسهم في تلك الفترة عدة موضوعات تسجيلية، وبيئية، واجتماعية، وكلاسيكية، ورومانسية، وواقعية بيئية "طبيعية"، وعلّمها ونظّرها كما نظّر وعلّم بقية الحركات الحديثة التي ظهرت في أوروبا، مثل: الحركات التأثيرية، والتجريدية، والتعبيرية، والسريالية، وكانت تلك الفترة بداية تأسيس الحركة التشكيلية السعودية، التي تأسست أول معارضها وصالاتها في الفنادق، مثل: فندق اليمامة بالرياض، للفنانين العراقيين سعدي الكعبي وسلمان الدليمي اللذين أقاما معارضهما الفنية، وكانت أيضاً فترة استيراد الخامات الفنية الخاصة بالرسم والتصوير من الخارج.
لم يشعر شاكر آل سعيد في الخُبر بالغربة الثقافية البصرية في ظني، ولم تأته صدمة حضارية ثقافية كصدمته لما وصل فرنسا، حيث وجد في الخبر مدينة واعدة، ذات شاطئ ساحر، وطبيعة وبيئة نظيفة، وأهالي وتلاميذ توّاقون للتقدم والازدهار والتطور والتجديد، الطبيعة والبيئة والحياة والناس والعادات والتقاليد والتراث والثقافة متشابهة لحد كثير مع المدن والمحافظات العراقية، حيث تتميز الثقافة البصرية المعمارية في الأحساء وكل حواضر شمال شرق الجزيرة العربية، ببيوتها المبنية من اللبن الطينية المجففة بالشمس ذات الواجهات الهندسية المربعة أو المستطيلة تكسوها زخارف جصية وطينية بألوان محلية، تتركز الزخارف على المكملات والمشغولات الخشبية كالأبواب والنوافذ التي تحتوي على أشكال هندسية (المثلث والمربع والدائرة)، زخارف عمرانية عربية صافية تخلو من الأشكال الآدمية والحيوانية بها فتحات مثلثة للحماية والتهوية والإنارة، عليها أفاريز خارجة كسلسلة مثلثات تعلو المنازل عرائس في السماء، تلك العرائس الأرضية السماوية، أصلها يعود لقصر بابل في بوابة عشتار، ذلك الأسلوب العمراني الذي ابتكر بأيدٍ عراقية، وانتشر في عدة قبائل عربية ودول مجاورة لبلاد الرافدين. عرائس إنثربولوجية آيدلوجية، تروي إحدى الخرافات بأن عرائس السماء "الصيدلانيات" ما كانت إلا نوعاً من التقرب لله والصلاة؛ فالأشكال المادية متصلة بمماثلتها فراغياً غير مادي، ترتبط تلك الأشكال العرائسية بالبيت وتشبكه بالسماء، قد تكون سنة 1968-1969م هي لحظة ولادة وبزوغ فكرة البعد الواحد لدي شاكر حسن آل سعيد، والتي أسس لها جماعة بعد عودته لبغداد عام 1971م.
بأخذ جولة في سلسلة الإنتاج الإبداعي للفنان شاكر حسن آل سعيد وبمشاهدة معظم أعماله في فترات متعددة من حياته الزاخرة بالإنتاج الفني والتأليفي والنقدي، نجده ألّف عدة كتب ك(أنا النقطة فوق فاء الحرف، البعد الواحد، دراسات تأملية)، ورسم مئات اللوحات والاسكتشات التي تظهر فيها جمالياته في توظيف موضوعات اجتماعية بطريقته العراقية الشرقية، وجسارته في تطبيق الحركات الأوروبية الطليعية وعلى رأسها التجريدية التعبيرية، وريادته في استخدام الحروف العربية المجردة في اللوحة التشكيلية.
تكنيكياً يُصر آل سعيد على ترك أثر حركات فرشاته المفعمة بالألوان الغنية على سطوح أقمشة لوحاته، يستلهم موضوعاته وأفكاره التجريدية الصرفة، من زوايا صوفية روحية، رسومه في أحيان كثيرة تكون رموزها عفوية، وحروفه صفراء وخضراء، وتتسم بمراعاته للقيم والأنغام اللونية والكتل والأشكال الهندسية وكل المؤثرات الحركية التي من شأنها أن تحيل القارئ إلى البعد الواحد، بصياغاته التشكيلية وبأفكاره الإبداعية التي تجعل الفن المرجع للمحيط وليس العكس. يقوم مشروعه الفني على التجريد والاختزال في الرؤية، يرى أن العمل الفني يكتسب قيمته الجمالية من أثر الزمان وقيمته من الطبيعة والمكان بمعانيها، يتتبع خروج الأثر من البيئة التلقائية، ويصنع منه عالمه الفني الخاص، يربط بلوحاته علاقات الأرض والجدار والفضاء معاً، في كادر حقلي بصري يتسق مع رؤية الجمهور ويلائم ثقافتهم المرئية.
عاصر آل سعيد أهم الحركات الفنية التي ظهرت في أوروبا إبّان القرن العشرين، ومن أهمها: ما بعد التأثيرية التكعيبية التجريدية عند الروحيين مثل كاندنسكي وبقية رواد التجريدية، لكنه أضفى عليها روحه الإسلامية والعربية، وأثر تراثه العراقي العريق الذي استلهم منه الأساطير والملاحم والسرديات والقصصيات المرويّة المؤثرة في الذاكرة الجمعية العراقية والعربية، عبّر بها آل سعيد إبداعات فنية استلهمها فكراً وصاغها شكلاً ولوناً، كوّن ولعب مبدعنا بآثاره الفنية الجمالية والتأليفية والنقدية الإبداعية دوراً مهماً وبارزاً على الساحة التشكيلية في العراق وخارجه، تزين تلك الروائع العراقية أرقى المتاحف العالمية والعربية، وترسل رسائلها العميقة للإنسانية، بأساليب وطرق بصرية حديثة، تخاطب الجمهور بوعي شكلي لوني ملمسي مبهر، يلامس وجدان المتلقي وتحث فيه الحوار الداخلي، وتستثير فيه مشاعره الجمالية الذاتية.
* فنان وناقد تشكيلي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.