السؤال الكبير الذي يدور رحاه اليوم في جميع أطراف العالم هو: كيف نوقف الهدر المستمر للغذاء؟، انطلاقي من التساؤل مبني في الأساس على اطلاعي المستمر على تقارير حالة الأمن الغذائي والتغذية الصادر سنويًا عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، وكان آخرها تقرير سنة 2021، الذي دق ناقوس الخطر بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وقراءتي لمضامينه يؤكد مدى هشاشة النظم الزراعية والغذائية العالمية التي أفضت إلى ازدياد انعدام الأمن الغذائي، وهو ما يدفع الحكومات والمنظمات والشركات والمستهلكين إلى بذل المزيد من الإجراءات لجعل النظم الزراعية والغذائية أكثر قدرة على الاستدامة والكفاءة والصمود، خاصة في ظل تحديات التغير المناخي التي تجتاح جميع أركان كرتنا الأرضية. على الرأي العام الوطني والإقليمي والدولي، أن يدرك أننا أمام أزمة غذاء حقيقة تستفحل من عام لآخر، لذلك يجب على وسائل الإعلام المختلفة أن تُسهم في بناء الوعي الإدراكي للشعوب جمعاء، وتكثيف الحملات التواصلية المختلفة، إذا ما أردنا استدامة غذائنا وما يأكله أطفالنا، خاصة أن معادلة هذه الأزمة المُقلقة للحكومات والمنظمات الدولية قائمة على مفصلين رئيسيين، الأول هشاشة النظم الزراعية والغذائية – كما ذكرت سابقًا- والثاني الهدر المتزايد في المواد الغذائية، فيكفي أن نعرف أن 8-10٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية سببها الغذاء الذي لا يستهلك، ليس ذاك فحسب، ووفقًا لتقرير مؤشر النفايات الغذائية لبرنامج الأممالمتحدة للبيئة لعام 2021، يبلغ إجمالي النفايات الغذائية 931 مليون طن سنويًا، 61٪ منها ناتجة من الأسر في المنازل ، و26٪ من الخدمات الغذائية، و13٪ من تجارة التجزئة، وعند تفكيك هذه الأرقام المهولة، فإن ذلك يعني أن ما يقرب من 570 مليون طن من النفايات الغذائية تنتج من الأسر و المنازل، ما يعني أن 17% من إجمالي الإنتاج الغذائي العالمي يتعرض للهدر. أما في نطاقنا الوطني فقد كشفت وزارة البيئة والمياه والزراعة، أن كمية الهدر الغذائي سنوياً في السعودية يبلغ حوالي أربعة ملايين وستة وستون ألف طن وهو رقم كبير جدًا، و يؤكد الحاجة الملحة بضرورة العمل على تعزيز التعاون بين الجهات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والمطاعم ومتاجر التجزئة والأفراد حول كيفية إعادة استخدام الأغذية وتدويرها في بلادنا، وأتمنى من قيادات الوزارة عودة حملتها الموسعة التوعوية للحد من الهدر والفقد الغذائي التي أقيمت تحت شعار "النقص والزود" واستمرارها طوال العام بدلًا من إجرائها مع حلول شهر رمضان المبارك؛ لأن ذلك لا يتعلق فقط بأمننا القومي الغذائي بل حتى الاقتصادي، حيث تبلغ نسبة الهدر الغذائي في مملكتنا الغالية نحو 18.9% سنويًا، أي أن 40 مليار ريال تذهب سدى مع الأسف الشديد. ما يؤلم في ظاهر الأمر وباطنه، أن نتفوق في منظومة الهدر الغذائي الذي وصل إلى 184 كيلو جرامًا من الغذاء سنويًا للفرد الواحد في السعودية، وهو رقم كبير مقارنة بهدر أفراد بعض الدول التي وردت في مؤشر النفايات الغذائية لبرنامج الأممالمتحدة للبيئة لعام 2021، التي تراوحت بين 36 إلى 94 كيلو جرامًا كحد أقصى. وبحكم موقعي الوظيفي كنائب الرئيس للتحول الرقمي لدى شركة "مايكروسوفت العربية"، تردني تساؤلات من الأقارب والأصدقاء وفي الندوات العلمية والمؤتمرات التقنية تتمحور في نقطتين وهما: ما هو الحل لمواجهة الهدر الغذائي؟ وهل تستطيع التكنولوجيا مساعدتنا في الاستدامة الغذائية؟ بالنسبة للسؤال الأول أعتقد أننا بحاجة ماسة إلى تفعيل المسؤولية الشخصية والأسرية في حماية غذائنا وعدم استهلاك ما يفوق حاجتنا الغذائية، خاصة في مواسم مثل "رمضان" التي نرى فيها العجب العجاب من الهدر الغذائي. أما بالنسبة للنقطة الثانية ألا وهي "هل تستطيع التقنية مساعدتنا في تقليل النفايات الغذائية؟" واجابتي المختصرة نعم بالتأكيد، فالحلول التي يتمتع بها الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وأجهزة إنترنت الأشياء المزودة من مايكروسوفت وغيرها من الشركات التقنية قد ساعدت الشركات المنتجة على أتمتة عمليات سلاسل التوريد والتنبؤ بها وتعديلها للحد بشكل كبير من هدر الطعام. و تعمل مايكروسوفت مع مجموعة من العملاء في ابتكار الحلول التي تساعد الشركات والمستهلكين معًا للحد من النفايات الغذائية، ويمكن الاستدلال بمجموعة LMK للتصنيع الغذائي التي استعانت بالتقنية السحابية المبنية على نموذج التعلم الآلي، والذي ساعدها بالتنبؤ الدقيق بطلبات موردي ومزودي الأغذية، مما أسهم في منهجية زراعية المحاصيل وعدم هدرها وبالتالي إنتاج أقل من 1٪ من النفايات الغذائية بدلًا من الرقم العالمي الذي وصل إلى 17%. وقد أضحى الحد من الفاقد والمهدر من الأغذية أمرًا لا غنى عنه في عالم يشهد تزايد عدد الأشخاص المتضررين من الجوع منذ عام 2014، وتفقد فيه أطنان من الأغذية الصالحة للأكل أو تتعرض فيه للهدر كل يوم، لذلك هي دعوة مفتوحة للقطاعين العام والخاص إلى العمل سوية بهدف ترتيب الإجراءات المتخذة بحسب الأولوية والمضي قدمًا في الابتكار للحد من الفاقد والمهدر من الأغذية من أجل استعادة وبناء نظم غذائية مستدامة وجاهزة للصمود. زينب الأمين - نائب الرئيس للتحول الرقمي في مايكروسوفت العربية