في عالم اليوم الذي يتميز بالتكنولوجيا العالية والسرعة الفائقة التي يرافقهما مستويات مرتفعة، أصبح التواصل إحدى أهمّ المهارات التي لا بدّ من امتلاكها لتحقيق النجاح. وعلى الرغم من إدراكنا لهذه الحقيقة إلاّ أننا مع ذلك لا نخصص ما يكفي من الوقت للاستماع إلى الآخرين. لقد خلق الله لنا أذنين ولساناً واحداً لكي نسمع أكثر مما نقول، تظهر أهمية الاستماع من قول العرب قديماً حيث قالوا: "تعلم حُسن الاستماع قبل أن تتعلم حسن الكلام". إن امتلاك الإنسان مهارة الاستماع الجيد، يعتبر أمراً مهماً للحفاظ على العلاقات الاجتماعية واستمراريتها، وهي استراتيجة تدل على أن صاحبها يتمتع بقدر عالٍ من الذكاء الاجتماعي. إن ثقافة الاستماع هي إحدى الثقافات التي يفتقر إليها الإنسان المعاصر، وهي ثقافة مثل ثقافة العفو والاعتذار، وثقافة التسامح والاحترام، وتندرج ثقافة الاستماع في مقدمة تلك الثقافات التي نفقدها اليوم، فكل منا يتكلم، ويريد أن يسمعه الآخر، كل منا يريد أن يقول والآخر يسمع. وتعني ثقافة الاستماع الطرفين -المتكلم والمستمع- بشكل مباشر، وهذا يتطلب من كليهما تحدثاً وتفهماً كل منهما للآخر، والاستماع إلى رأيه، والتعبير عن رده، ذلك أن ثقافة الاستماع لا تعني فقط الشخص الآخر الذي تريده أن يستمع إلى ما تقول، وإنما هي تعني في الوقت نفسه المتكلم. الاستماع للآخر الذي تحدث إليك يقربه منك ويفرض عليه واجب الإنصات والاستماع إليك باحترام، وهذا الاستماع المتبادل يساعد في استمرار الحديث والحوار بين الطرفين ليصل كل منهما إلى هدف من الكلام وإلى فهم وتفهم كل منهما للآخر. إن حسن الاستماع من القيم الفاضلة والعادات الحميدة والسلوكيات الحضارية، وهو أحد عناصر التواصل الصحيح مع من حولنا، وهو يعني الاهتمام والتقدير لما يقوله الآخرون، فهو يمد جسور التفاهم والتواصل، ويؤسس ثقافة الحوار والشفافية القائمة على الثقة. إن ثقافة الاستماع، ثقافة منسية في حياتنا الاجتماعية، فالكثير من الناس يستمعون فقط، لكن القليل منهم من ينصت، أما الإنصات فهو الاستماع الجيد مع القدرة على التركيز وفهم طبيعة الحديث والتعاطف أو الشعور بالآخر. الاستماع يتيح القاعدة الأساسية لالتقاء الآراء وتحديد نقاط الخلاف وأسبابه، حيث يقود إلى فتح القلوب، ومن أجل ترسيخ ثقافة الاستماع في حياتنا، ينبغي على المتحدث أن يكمل كلامه، ثم ينتظر المستمع للتعبير عن رده قولاً وفعلاً، وكذلك يجب على المستمع الانتظار حتى ينتهي المتكلم من حديثه، وذلك لكسب المزيد من التقدير والاحترام، والشعور بأنك تصغي إليه بصدق وشفافية. إن ثقافة الاستماع هي وسلية لتبادل خبرات والمعرفة والتطور ورصد التحديات ووضع الحلول والمقترحات، بالإضافة إلى أنها تسهم في بناء علاقة وطيدة بين الطرفين، لذا قيل إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب. *الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها جامعة عالية، كولكاتا