خطواتٌ مهمة شكلت قفزات في رحلة الحلم والطموح قادها عرّاب الرؤية سمو ولي العهد –حفظه الله، رسمت درب المستقبل ووثقت عزيمة الحاضر، وانعكست على الإنسان ووظفت المكان في تناغم ملهم، ليكون بفضلها مشروع "إعادة إحياء جدة التاريخية" محطةً في مسيرة التنمية، وعلامة إضافية للاهتمام الكبير بالتراث الوطني بمختلف صوره المادية وغير المادية. إن تحويل جدة التاريخية إلى منصة حضارية جاذبة، تحتفي بالثقافة والتاريخ، وتوفر كافة متطلبات البيئة الحضرية الملائمة للعيش، والمشجعة على الإبداع التلقائي. هدفٌ كبير يستند على اعتبارات وعناصر محفزة ومثالية، بداية بما تحويه جدة التاريخية من تفاصيل البناء والعمران والزخرفة، ومن خلال تركيبة البيوت وتجاورها وتمازجها، وعبر ما تختزنه من حكايات وقصص على الجدران وفي الطرقات والأزقة، وبقدرتها على أن تكون أشبه بجوهرة لا تختبئ في البحر، بل تعيش على الساحل، وتجسد نموذجاً حياً لذاكرة الماء والرمل والإنسان. جدة التاريخية مهيأة لأن تكون حاضنة للإبداع الثقافي، بوصفها ملهمة ومحفزة وهذه دلالة على أن المشروع أرض خصبة، ومساحة جاهزة للاستثمار في التطوير، والتفاتة تجلب النور والتنبه إلى مسرح الأحداث والتواصل البشري، في مكان طالما كان نافذة الساحل إلى مكة والمدينة، وبوابة العبور إلى المقدسات وعتبة المسافرين ووصولهم حيث تلتقي الثقافات والحضارات، وفي التوقيت المثالي للتناغم، وتبادل المعرفة والثراء العقلي والاجتماعي. كل هذه الظروف والمقوّمات عززت وأثبتت نجاح مشروع إحياء جدة التاريخية منذ أول وهلة، وبرهنت أنها منصة ثقافية وحضارية ستعمل على استقطاب المواهب، وبحيث تكون جدة التاريخية مركزاً للإبداع والأعمال في الوقت نفسه، حضارة وفنون في معمل يستوعب ويحتفي بكل موهبة ومهارة، وبما ينعكس ويؤدي إلى خلق وظائف في مجتمع حيوي، يُشع بالطاقة، ويُحقق استدامة النمو التلقائي للإبداع من خلال التنمية الحضرية ومفاهيم جودة الحياة. جدة التاريخية المؤثثة الثقافة والتاريخ، والامتداد العريق والعبق للمكان، صنعت مستودعاً ومكتبة مدونة على السقف والرواشين والجدران والممرات، جاهزة ويانعة أن يقطفها ويلمسها ويعيشها المجتمع، يدخل منها إلى الماضي وتعبر من خلاله إلى الحاضر والمستقبل، يجد فيها جزءاً من تكوينه ومن نسيج المجتمع، وفرصة لخدمة ودعم الاقتصاد الوطني، وهو ما يلتقي مع مستهدفات رؤية السعودية 2030. وفي الوقت الذي يعيش فيه المجتمع السعودي نهضةً ثقافية شاملة، يأتي مشروع إحياء جدة التاريخية امتداداً للاستثمار في الأصول والجذور، وفي خلق مفهوم يعتني بالماضي بصفته إرثاً ونقطة بداية ووتد انطلاق، وتأكيداً على ضرورة وقيمة المكان والحكاية، ليكون متاحاً ومؤهلاً لأن تصير جدة التاريخية وجهة تستوعب الإبداع وتدعمه، تتكفل بالإلهام والتحفيز في مختلف الفنون، وتفرض وتؤسس للإبداع التلقائي المرتكز على الطبيعة والفطرة، والذي يقدم تغذية حسية ومعرفية في قالب عصري متطور مكون من التاريخ والثقافة. تطوير جدة التاريخية وإعادة إحيائها مشروع وتجربة إبداعية، وفي حين يكون التوجه هو المحافظة على جوهر المكان وهويته مع إمكانية الإضافة وضرورة المحافظة عليه، إلا أنه في الوقت ذاته إعلان عن حالة من التفاعل والحراك الإبداعي، ونافذة جذب لكافة المهتمين بالحرفة والفن والسياح على معايشة مراحل تكوين العمل الإبداعي، وبذلك تكون جدة التاريخية ورشة فنية نابضة بالحيوية والإبداع، تُتيح السفر عبر الزمان والمكان من الماضي إلى المستقبل من خلال ملامح الحياة القديمة بعناصرها الثقافية التاريخية، ونمط الحياة العصري المحفز على العيش والإبداع، تلتقي فيها الأجيال من كل الأعمال ومختلف الجنسيات.