في خضم هذه الحياة يعيش الكثير من الأشخاص وفق قناعات معينة، أحياناً قد تكون خاطئة، ولكنهم يستمرون في ممارستها، لأنهم يتصورون أنهم بالتخلي عنها يفقدون وهجهم وحضورهم ومن تلك القناعات نهم الحديث، وجوع الكلام في كل شيء، حتى لو لم يعرف شيئاً، فقط هو قد تعود أن يدلي بدلوه في كل الموضوعات ويناقش كل المشكلات. أتساءل أحياناً لماذا لا نجيد فن الصمت، أو لغة الصمت، أو بلاغة الصمت؟ أو بالأحرى... لماذا نعتبر كثرة الكلام دليل حياة، ونعتبر بعض الصمت سعياً نحو الموت؟! الصمت لغة لا يجيدها الجميع، وهو مرحلة في النضوج الفكري حين يصل إليها الإنسان تصبح كلماته أكثر حكمة، وعباراته موزونة، وذات قيمة، وموضوعية، وكما يقول فرانسيس بيكون: "الصمت هو الذي يغذي الحكمة". وفي رأيي إن كثرة الكلام عجز عن إدراك فضيلة الصمت.. رغم أن الصمت ضرورة أخلاقية ولازمة اجتماعية فالكلام مثل الحركة، والصمت مثل السكون، والبشر يحتاجون بين الحين والآخر إلى لحظات توقف وسكون لترتيب الأفكار، وتنظيم الخطوات، ولملمة شظايا النفس المبعثرة في متاهات الهوى. قال لقمان الحكيم لولده: "يا بني إذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر أنت بحسن صمتك". الصمت لحظة تجول وتحول، تجول فيما مضى لمراجعة النفس ومحاسبتها، وغربلة المواقف وفرزها، وتصحيح المسار، كشأن الأذكياء الذين يتعلمون من سقطاتهم وأخطائهم، ثم يتحولون من الخطأ إلى الصواب، ولا يدرك ذلك إلا العقلاء والحكماء. في عالمنا اليوم يجب أن نتعلم كيف ومتى نصمت؟ فالكثير من مشكلاتنا اليومية البسيطة تتولد وتتفاقم بسبب عدم قدرتنا على الصمت في الوقت المناسب، وعندما تتفاقم تبلغ مراحل لا يمكن الرجوع عنها. يقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت". علينا اختيار الأوقات المناسبة للصمت التي لا يجب علينا الكلام فيها، في أوقات لا يزيد الكلام الموقف إلا سوء، في أوقات يكون الصمت فيها أبلغ الحديث وأفضله. وهنا أسجل بعض النصائح لمعرفة لماذا يجب علينا تعلم الصمت؟ * الصمت يعلمك حسن الاستماع الذي يفقده الكثيرون، فتصمت كي تفكر بالجواب لتحصل على نتيجة مناسبة لا تجرح بها من حولك! * يُساعد الصمت في تحفيز نمو الدماغ، حيث أثبتت الدراسات أن الصمت لمدة ساعتين على الأقل يمكن أن يُساعد في نمو خلايا جديدة في الدماغ، خاصةً الخلايا ذات الصلة بالتعلم والتذكر. * يُساعد الصمت كلاً من الجسد والدماغ على الاسترخاء، وذلك بسبب انخفاض معدل ضغط الدم، وزيادة تدفق الدم إلى الدماغ. * يُساعد كل شخص بالاستماع إلى صوته الداخلي قبل اتخاذ أي قرار، وهذا ما يزيد من نسبة الوعي لدى الأشخاص. * الصمت يدفع الشخص للتأمل، حتى لو لمدة عشر دقائق فقط، وهذا التأمل يُساعد الشخص على الهدوء والتفكير. * يجب الإدراك أن الصمت في كثير من الأحيان هو الاستراتيجية الأفضل، ليس فقط للشخص نفسه، بل أيضاً عند الآخرين، حيث لا يرغب الجميع بسماع رأي الشخص، لذلك قبل التحدث سيقوم الشخص بسؤال نفسه هل هناك فائدة من حديثي أم لا؟.