كشف الرئيس الأميركي جو بايدن، في 21 يناير، عقب أدائه اليمين الدستورية لتوليه الرئاسة عن خطة إدارته لمواجهة وباء كورونا المستجد، وقال إنه أطلق برنامجا خاصا بحملة التطعيم ضد فيروس كورونا، موضحا أن استراتيجيته "تهدف لتوزيع 100 مليون جرعة من اللقاح في أول مئة يوم" من إدارته. وها هي مدة المئة قد تخطت النصف وسط إحجام أميركي شعبي وحتى سياسي عن الإقدام وتلقي اللقاح لا بل تفشت ظاهرة القاء اللقاحات في النفايات حيث كشف مؤسِّس منصة «زوك دوك» الطبية الأميركية، سايروس معصومي، أن 30% من لقاحات كورونا في الولاياتالمتحدة الأميركية يتم رميها في النفايات بسبب الأشخاص الذين يحجزون مواعيد للقاح ويلغونها أو يتغيبون عنها في آخر لحظة. غير أن ما يمكن وصفه بأزمة تلقي اللقاح من قبل المواطنين الأميركيين يضع الولاياتالمتحدة في مواجهة مشكلة كبرى مرتطبة بوباء فيروس كورونا المستجد، وهذه المشكلة لا تتمثل في آلية القضاء على الفيروس وإنما المعضلة الكبرى يمكن تلخيصها بإحجام عدد كبير من المواطنين عن تلقي اللقاح وإعرابهم أنهم لايريدونه وذلك لأسباب متعددة ومختلفة، غير أن بعض المراقبين يرون أن ذلك الإحجام هو ترجمة فعلية للاختلاف السياسي والحزبي ولحالة الانقسام الحاد التي تعيشه في الولاياتالمتحدة على خلفية نتائج الانتخابات الرئاسية. التي أسفرت في النهاية إلى فوز وسط حالة من الإنكار الضمني والصريح من شريحة واسعة من المجتمع الأميركي. وهذا الأمر يجعل من قضية مكافحة وباء كورونا ليست صحية فحسب وإنما سياسية اقتصادية واجتماعية بامتياز وتحتل الصدارة في سلّم أولويات الرئيس بايدن، مما يشكل عامل ضغط إضافي عليه خصوصاً وانه أخفق حتى الآن في دفع وتعبئة كل الجهود من أجل دفع جميع المواطنين والمهاجرين في الولاياتالمتحدة لتلقي اللقاح. هذا في ظل غياب رقم حقيقي عن عدد المواطنين في أميركا الذين تلقوا اللقاح حتى الآن، وأن نحو 40 بالمئة من الأميركيين يرفضون تلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا المستجد، وفقا لاستطلاع رأي أجراه مركز "بيو" للأبحاث، ما يزيد مهمة احتواء الفيروس تعقيداً. وهناك اعتقاد سائد وبقوة بأن الضغط الذي قامت به الحكومة الفيدرالية من أجل تطوير اللقاح تسبب بجدل بين الناس، الذين أعتقد جزء منهم بتسييس الأمر وإنتاج اللقاح بسرعة لتحقيق أهداف سياسية. فقد ذكر تقرير أعده معهد "بروكينغز"، أن "تسلل السياسة" إلى نقاشات اللقاح شكل تهديداً على ثقة العامة بالتوصل لعلاج رئيس لوقف الوباء، ويؤكد المعهد "دون الثقة بفعالية اللقاح، فإنه من غير المرجح جداً أن يصل المجتمع إلى مناعة جماعية". والجدير ذكره أن عدد الذين تلقوا اللقاح ضد كوفيد-19، في الولاياتالمتحدة يقارب 70 مليون شخص من عدد سكان الولاياتالمتحدة، ولكن تبقى الأرقام الدقيقة غير معروفة خصوصاً أن الرقم الاسود في الإحصاءات نظراً لأن هناك ملايين من المهاجرين غير الشرعيين في الولاياتالمتحدة وهم بالتالي غير مسجلين في قوائم السكان الرسمية، كما أن الأرقام غير معروفة على وجه الدقة عمن تلقى اللقاح من حاملي الجنسية الأميركية أو من الأجانب. وربطاً بمسألة رفض اللقاح من قبل الأميركيين يظهر أحدث استطلاع للرأي نشر في 14 مارس أن 49 في المئة من الرجال المؤيدين للحزب الجمهوري لا يرغبون في الحصول على اللقاح. فالبعض يرفض اللقاح لأسباب دينية وأخلاقية لأن المادة المكونة له مأخوذة من أجنة اطفال تم إجهاضهم. فيما يرى البعض أن معدلات الإصابة بفيروس كورونا تنخفض وبالتالي ففرصة إصابته بهذا الوباء ستكون قليلة، وذهب آخرون أن العقاقير والأدوية المستخدمة حالياً كافية للعلاج وأنه سوف تظهر أدوية وأساليب علاج أكثر فاعلية في القضاء على كورونا. في حين ذهب آخرون ممن سبق وأصيبوا بالفيروس وتم شفاؤهم حيث اكتسبوا مناعة، وهذا ما أكده السيناتور الجمهوري رون جونسون عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ويسكونسون حيث يرفض تلقيه اللقاح ضد كورونا كونه قد أصيب بفيروس كورونا وتغلب عليه ولذلك فإنه يمتلك مناعة طبيعية لا تجعله بحاجة إلى هذا النوع من التطعيم. غير أن الجدل حول اللقاح داخل أروقة الكونغرس هو انعكاس الانشقاق الحاصل في الحياة السياسية في الولاياتالمتحدة حول أسلوب القضاء على جائحة كورونا حيث يرفض العديد من الأعضاء الجمهوريين تلقي اللقاح. وهذا تطور يهدد الديمقراطية في الولاياتالمتحدة لأنه بدون تلقيح لأعضاء الكونغرس لن تكون هناك جلسات كاملة لمجلسي النواب والشيوخ لمناقشة شؤون وشجون البلاد والعالم. هذا وحث كبير خبراء الأمراض المعدية في الولاياتالمتحدة، أنتوني فاوتشي، الرئيس السابق دونالد ترمب على تشجيع أنصاره على تلقي لقاح فيروس كورونا، قائلاً: إن هذه الخطوة ستمثل "تغييراً في قواعد اللعبة". وأضاف فاوتشي إن هذا "سيحدث فارقاً في العالم"، مشيراً إلى أن ترمب "يحظى بشعبية كبيرة بين الجمهوريين". والملفت أن الرئيس السابق دونالد ترمب روج للقاح كورونا أثناء مشاركته في منتدى للمحافظين الشهر الماضي، قائلاً "اذهبوا واحصلوا على جرعتكم"، وكانت هذه المرة الأولى التي يشجع فيها علنا الأميركيين على الحصول على اللقاح، وهو الذي سبق ورفض أن يظهر في الإعلان الذي جمع رؤساء أميركا السابقين وفي خلاله وجهوا النداء إلى الأميركيين بضرورة تلقي اللقاح. فالأمور تزداد تعقيداً لأن الكثير في الولاياتالمتحدة يقارنون بين أوضاع بلدهم فيما يتعلق بوباء كورونا وأوضاع قارة أوروبا بخصوص هذه الجائحة، على الرغم من أن معظم دول أوروبا لها نظام تأمين صحي شامل، وهو أمر يسعى الديمقراطيون لتطبيقه. وعليه نقول إن قضية مكافحة جائحة كورونا يجب ألا تكون قضية حزبية ضيقة حيث إن فشل الولاياتالمتحدة سيكون فشل للبشرية جمعاء كونها دولة قائدة، لاسيما وأن قواعد التنقل بين الدول بعد انحسار الجائحة ستتغير بحيث إن أي دولة في العالم لن تسمح بدخول رعايا أجانب لها إن لم يكن هناك إقرار مطبوع على جواز السفر الخاص بكل شخص دخل حدودها بأنه قد تلقى جرعة التطعيم الخاصة لكورونا. ناهيكم أن النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص بالذات قد يعجل بنجاح حملة التطعيم القومية. وأمام العرض الذي قدمناه فإن بايدن سيكون أمام الاختبار الأكبر في معالجة أزمة تلقي لقاح كورونا وكان ذلك تحدياً أدى إلى سقوط خصمه وفوزه في الانتخابات الأميركية 2020.