علامة كل شيء هي ما يدل عليه، أو يُعرف به، أو يكون بيّنة له وأمارة؛ لذلك قالوا: العلامة الفارقة، والعلامة التجارية، وعلامة الجودة، ولعل من ذلك أيضاً: علامات الساعة، وعلامات الطريق، وعلامات النجاح، وعلامات الرسوب، وعلامات الإعراب، وعلامات التبويب، ونحو ذلك مما هو إشارة إلى الشيء، ورسم له، ودلالة عليه. وقد حضرت هذه اللفظة (العلامات) في كتاب الله -جل وعلا- في قوله تعالى: «وعلاماتٍ وبالنجم هم يهتدون»، كما أن لفظة (الترقيم) مأخوذة من (رقم)، والرَقْمُ في أكثر معاجم اللغة يشير إلى: الكتابة والختم، كما تشير هذه اللفظة أيضاً إلى تبيين المكتوب، وإحكامه، وتجويده، وضبطه، وإتقانه، وقد ذكر بعض المفسرين قريباً من هذه المعاني في تفسير قول الله تعالى: «كتابٌ مرقوم». إن علامات الترقيم يمكن وصفها بأنها رموز كتابية ذات دلالات وظيفية، وجمالية، توضع لتفسير المعنى، وتوضيحه، وبيان مراده، وهي كذلك تأتي عوضاً عن الصوت المفقود (النبر) الذي تترجمه الكتابة، وتحاول نقل حيويته، ابتغاء تحديد مواضع الكلام وتقريبها؛ لذلك فإن هذه العلامات متنوعة في أشكالها، عميقة في دلائلها، غنية في أسرارها، متعددة في مقاصدها، وهذا يعني أنها ذات قيمة عالية. على أننا لسنا أمام علامات ورموز فقط، بل نحن في حضرة معانٍ وغايات، وهندسة كلمات وعبارات، الأمر الذي يجعل من (علامات الترقيم) موضوعاً إجرائياً، وفنياً، وجمالياً كذلك، فليس الهدف من هذه الرموز الاصطلاحية تفسير المعنى المراد فحسب، بل أن تكون الكتابة مقسّمة، ومفصّلة؛ لتغدو أكثر تناسقاً، فلو أننا تخيّلنا شكل النص عند خلوه من هذه العلامات، فإننا سنصاب بشيء من الملل، وعدم الارتياح؛ نظراً إلى تدافع الكلمات وتزاحمها، وعدم انتظامها، كما لو كنا في طريق معبّد بلا خطوط، أو ألوان، أو لوحات سنشعر حتماً بشيء من الارتباك، والخطورة أحياناً، وهكذا علامات الترقيم في الكتابة، هي كعلامات الطريق في القيادة، والمِلاحة؛ تؤدي وظيفتين مهمتين: إرشادية، وجمالية. على أن الوظيفة الجمالية لعلامات الترقيم لا تنحصر في جانب الشكل الهندسي المتمثل في الرمز ذاته، بل نكاد نلمس أهميتها أيضاً في الجانب المعنوي الذي تتضمنه، وبخاصة حينما تتوجه إلى مخاطب مخصوص، فإن لها قيمة سيميائية، وبُعداً تداولياً، وذلك حينما يعتني الكاتب بدلالات المكتوب، فيسعى إلى إيضاحه، وتفسيره، وتنميقه، وعندئذٍ تكون لتلك العلامات دلالاتها التي تكشف عن بعض ملامح سيميائية المعنى، كما أن تجلية ما وراء المقصود، وما يتخلله من مشاعر، وأحاسيس، وانفعال، وسؤال، وترتيب، وتنظيم، إنما هو جزء مهم من أشكال الاعتناء بالمخاطب، والاحتفاء به، وتقديره، وهو ما يجعل من علامات الترقيم أمراً مهماً في العملية التواصلية؛ إذ لم تعد تلك العلامات أشكالاً ورموزاً فحسب، بل أضحت خيوطاً منغرزةً ضمن نسيج النص المكتوب؛ تنضح بالقيمة السيميائية، وتتميز ببعدها التداولي كذلك.