هكذا هكذا.. تلمس بأناملها الملوثة الكرة الأرضية على شاشات عيوننا.. فتمرض بها الخرائط على اختلاف تضاريسها.. تخطو في شوارع الحياة فتترك آثارها شللاً.. ووعودها فزعًا.. ورحيلها غموضًا.. من داخل سجن صغير حاولنا التواصل معها عن بعد.. فكان ردة فعلها الأولى من أنت؟ وكيف لم تخف من فكرة التواصل معي؟!.. وحين تمتمت بكلمات لم تصغِ لها.. قاطعتني قائلة بغرورٍ وسادية سأتجاوز هذا حينما أدرك أنك كغيرك تقبع في سجن مقلوب.. خوفًا وهلعًا.. ثم كان معها هذا الحوار الذي جاء افتراضيا كشأن حياتنا كلها اليوم..! * هذه الكورونا التي تفترس الحياة على الأرض.. من أين جاءت وما مصير الأرض مع خطواتها؟ * من أين جئتُ.. فلك أن تختار ما تشاء.. ثم لا تحيل ذنب وجودي إلا إليك.. ربما جئت نتاجًا متطوّراً وسلاحًا بيولوجياً في ظل هذه النزعة الجائرة لهذا الدمار المتسارع من قبلك بعد أن استنفدتَ قدراتك الصناعية لخلق الخراب والدمار على الأرض، ربما جئت من غضب الأرض عليك حين لوّثتها بعوادم صراعاتك المستمرة مع بني جنسك، فقدّمت لك طعامًا غير صالح للاستعمال البشري. أما خطواتي.. فلن أنكر أنني أشبهك في هذا حينما تتسلّط بين عصر وآخر على الطبيعة.. لا يهمّ.. لا يهم أنا الآن هنا أتجوّل في حارات الأرض ألتهم ما يليني بلا انتقائية.. لا محرّم عندي ولا مقدّس.. لا سلطة علي إلا بعزلك عن محيط خطواتي..! * السيدة كورونا.. تعلمين أن لا أحد يحبك على هذه الأرض ولا أحد يأمنك، فكيف حققتِ هذه الشهرة والعالمية في غضون أسابيع قليلة؟ * ومن قال إنك تركتَ في زمنك متسعا للحب أو الأمن؟ لماذا لا تعتبرني وجهك القبيح في هذا العصر؟ هل كان الحب والأمن والسلام مدعاة للشهرة في عصرك؟.. افترض أنني نكاية أحد المهووسين من أبناء أرضك، ثم إنك تتباهى بتحويل الأرض إلى قرية صغيرة، تمامًا كما تتباهى بغرورك في صناعة الأدوية والعقاقير، ألم تسخر من ظهور اسمي أول الأمر في الشرق. أصدقك غرورك الغبيّ سهّل من مهمّتي دائماً..! * ماذا تريدين منا أيتها الكورونا؟ * إن بقيتم بمنأى عني حتى أفرغ منكم.. عليكم أن تدركوا أنني ما جئت إلا بكم.. ولا انتشرتُ إلا منكم، ثم إن ما أريده قد لا يعنيكم أنتم بقدر ما يعني أجيالكم اللاحقة.. أنا المفصل بين زمنين ما قبلي وما بعدي.. لعلكم تتذكرون الطوفان الذي غير معالم الجغرافيا.. تماما تماما.. أنا الوجه الآخر له الذي سيغير معالم التاريخ عندكم.. حتى سلوكياتكم في الأكل والشرب والتعايش، ها أنا أقرّ ما ستكونون عليه.. ولكن كما أشرت لا حيلة فيّ إلا باعتزالي من قبل ومن بعد..! * حسنًا.. فعلت بنا ما تريدين.. فمتى سترحلين عنّا..! * لا أستطيع أن أحدد لك زمنا.. قد يكون شهرا وقد يكون عاما.. وربما كان أكثر، لديّ مهمة تمحيص وجودكم، ومراجعة أيامكم، وحتى مكاشفة غروركم، وحين أدرك أن الأرض باتت آمنة للصالحين فقط سأغادر حتما.. ومع هذا أصدقك كلما ازداد نشاطي.. كلما اقتربت نهايتي كما يبدو.. فما زال لديكم فئة «بيضاء» نذرت نفسها للقضاء عليَّ حد مواجهتي بين حين وآخر.. ومن لم أقض عليه بعد مازلت أناوره، وهم أكثر من أخشاهم وأظنك منهم. * لا يا أيتها الكورونا لم أكن يومًا طبيبًا، ولا ممرضاً ولا حتى أخصائي مختبرات، فأنا أجبن بكثير من أن أواجهك وقد اعتزلت الخروج من داري لأجلك.. ولكن ما الذي تودين أن تختمي به هذا الحوار؟ * كن في عزلتك وإياك أن تعاود التواصل معي مجدّدًا..!