لم نرَ على مدار تأسيس هذه البلاد أن تمَّ تكميم الأفواه أو جرى قمع صاحب رأي مخلص وناصح لولي الأمر منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه - والتاريخ يحفل بكثير من المشاهد والمواقف التي تؤكّد حلم ولي الأمر واستماعه بإصغاء شفيف لصاحب المَظْلَمة أو الرأي الناصح وخلافه؛ وهو سلوك سياسي واجتماعي دأب عليه ملوك هذه البلاد على تعاقب فترات حكمهم.. ينخدع كثير من الأغرار بالحرية المزعومة والديمقراطية في بلدان الغرب؛ ويتوّهمون أنها حرّية مُطلَقة ومنفلتة من عقال المسؤولية؛ لذلك نجدهم يقعون في أحابيل التضليل ويسيئون لأنفسهم قبل بلدانهم تحت مزاعم شتى، لكن في النهاية نجدهم يصبحون مع الوقت؛ مجرّد أدوات رخيصة كما يقال؛ أحذية يتم انتعالها كي تتجنّب الأقدام حرارة الأديم اللاذع وخشونة الحجر الخادشة؛ وبعد أداء غرضها يتم القذف بها في أقرب حاوية. الحرّية الموهومة والمُشتهاه لا ُتعطى جزافاً؛ كما أن منحها مرتبط بمعايير ومسلكية خلقية لا تهاون فيها؛ وهؤلاء الموهومون - شباباً كانوا أم كهولاً - يعون أو لا يعون هذا، في النهاية خاضعون لهذه القيم والمرتكزات التي تحدّد شروط منح الحرية وإلا فإن النظام كفيل بمراقبة أوضاع الأفراد والجماعات على حدّ سواء. في المملكة العربية السعودية؛ لسنا بمنفصمين أو خارجين عن نطاق الجو الديمقراطي والحرية المنضبطة المسؤولة؛ ولم نرَ على مدار تأسيس هذه البلاد أن تمَّ تكميم الأفواه أو جرى قمع صاحب رأي مخلص وناصح لولي الأمر منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه - والتاريخ يحفل بكثير من المشاهد والمواقف التي تؤكّد حلم ولي الأمر واستماعه بإصغاء شفيف لصاحب المَظْلَمة أو الرأي الناصح وخلافه؛ وهو سلوك سياسي واجتماعي دأب عليه ملوك هذه البلاد على تعاقب فترات حكمهم؛ وقد أكدوا - تباعاً وفي مواطن ومواقف مختلفة مشهودة ومأثورة عنهم - أن باب ولي الأمر مفتوح لسماع الرأي والشكوى؛ وأنه لا استثناء أو محاباة أو تراخٍ أو تهاون في أي شكوى حتى لو كان الخصم من الأسرة الحاكمة؛ ولعل في حديث سابق لخادم الحرمين الشريفين وتأكيداته في كل مناسبة؛ أن لا فرق بين مواطن وغيره إذ سبق وأن قال - أيده الله - "الحمد لله دستورنا كتاب الله وسنة رسوله، وما جاء به الخلفاء الراشدون، والحمد لله نحن في أمن واستقرار، يجينا الواحد من المواطنين يقول يا فلان بالاسم، مثل ما قال لوالدنا وليس بلقبه، ومع هذا كله جزاكم الله خير كرسميين وكأهالي، ونقول رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي، إذا شفتوا شيئاً يضر المواطن أو بأفراد أو بقبيلة أو ببلدة أو بأي شيء كان، أبوابنا مفتوحة تلفوناتنا مفتوحة، وآذاننا مفتوحة لكم والله يحييكم ومجالسنا مفتوحة لكم والله يحييكم". هذا الحديث الأبوي الصادق من أعلى سلطة في البلاد تؤكد النهج الإسلامي الراسخ القائم على المساواة والعدل؛ ولا يحق لأي مرجف ومزايد أن يزايد على هذه القيمة الخلقية والمسلكة في إدارة قادتنا لشؤون البلاد والعباد. ومن المهم التأكيد على أنه لم يكن الفلاسفة ولا المنظرّون السياسيون الغربيّون سابقين لنا عرباً ومسلمين في تحديد ماهيّة الدولة وشكلها ومُبرّر وجودها وحدود سلطتها وشرعيتها وغيرها من الأسئلة ذات الأهمية في تحديد أُطُر العلاقة بينها وبين الأفراد كمواطنين محكومين؛ ولم يكن العقد الاجتماعي الذي اقترحه عدد من المنظّرين الفلاسفة الكبار كتوماس هوبز في القرن السابع عشر أو جون رولز في القرن العشرين وهي أنّ أفضل طريقة لشرح شرعية الدولة افتراض أن مؤسساتها وهياكلها تمَّ إرساؤها على أساس اتفاق ضمني أو "عقد اجتماعي" بين أفرادها؛ فقد رأى توماس هوبز أن قوة الدولة باعتبارها وسيلة ضرورية لقمع أنانية الناس وطبيعتهم الحيوانية كونهم يتصرّفون بانعزال في دولة الطبيعة وليسوا معنيّين سوى بمصالحهم الشخصية وبقائهم؛ ورغبة دائمة في الحصول على القوّة؛ وهي رغبة لا تتوقّف إلا بالموت؛ وأنهم في نزاع دائم وتنافس لا ينتهي إلا بالموت، ومن ثمّ فليس من سبيل لإرساء الرخاء والاستمتاع بثمرة الحضارة ولذلك دعا هوبز بأن تكون سلطة الدولة غير محدودة ومطلقة وفق شعاره الشهير: "حرب الجميع ضد الجميع"؛ فيما قدّم رولز في كتابه "نظرية العدالة" تجربة فكرية تنطلق من مفهوم الحيادية في العدالة الاجتماعية وأننا مضطرّون للمحافظة عليها بسبب جهلنا بما يخفيه المجتمع عنّا. وقد تبعه الفيلسوف جون لوك وجان جاك روسو وغيرهم الذي يؤكدون حق الدولة وسيادتها في استخدام سلطتها وبسط قبضتها وبما يحافظ على النظام الاجتماعي والمصلحة العامة. مما تقدّم يتعيّن علينا مواطنون ومسؤولون أن نعزّز هذه الصورة الإيجابية التي تمثّل بلادنا ونهجها الإسلامي العادل في التعاطي مع شؤون الوطن والمواطن بعيداً عن المزايدات الرخيصة التي يحاول أن يبثّها المرجفون والخونة ممّن باعوا كرامتهم وأوطانهم بثمن بخس دراهم معدودة متوّهمين أن الغرب الذي يحتضنهم لمصالحه الخاصة وفق براغماتية لا تخفى على كل ذي لُبّ سرعان ما تنتهي؛ ما يستوجب منهم إعادة حساباتهم ومراجعة أنفسهم والعودة لأحضان بلادهم بعد التطهّر من خياناتهم ليكونوا مواطنين صالحين يسهمون في نمائه ومسيرته نحو المستقبل المشرق؛ وقد سبقهم كثير ممن أنابوا وتابوا وأبدوا ندمهم فوجدوا من الوطن وقبلها قيادته مُرحِّبين وعافين ومتجاوزين عن كل إساءة طالما أنهم تحرّروا من أوهامهم ومطامعهم وشهواتهم الضيّقة وأيقنوا أن لا كرامة لمواطن خارج وطنه.