رئيس البرلمان العربي يستنكر عجز مجلس الأمن الدولي عن إصدار قرار يُمكن دولة فلسطين من الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة    الشاب محمد حرب يرزق بمولوده الأول    خطيب المسجد النبوي: أفضل أدوية القلوب القاسية كثرة ذكر الله تعالى    أمانة حائل تواصل أعمالها الميدانية لمعالجة التشوه البصري    كلوب: الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيد ليفربول محليا    أول متجر تطبيقات بديل ل"آب ستور"    قطار "الرياض الخضراء" في ثامن محطاته    "الشباب" يهزم أبها بخماسية في "دوري روشن"    "الجدعان": النفط والغاز أساس الطاقة العالمية    "العقعق".. جهود ترفض انقراض طائر عسير الشارد    الطقس: أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    انتعاش الحرف التراثية بمهرجان محمية الملك سلمان    مسح أثري شامل ل"محمية المؤسس"    يوتيوب تختبر التفاعل مع المحتوى ب"الذكاء"    فوائد بذور البطيخ الصحية    هيئة التراث ‏تقيم فعالية تزامناً اليوم العالمي للتراث بمنطقة نجران    «المظالم»: 67 ألف جلسة قضائية رقمية عقدت خلال الربع الأول من العام الحالي    كريسبو للهلاليين: راح آخذ حقي    «استمطار السحب»: 415 رحلة استهدفت 6 مناطق العام الماضي    العراق.. صدمة وخيبة أمل    «التراث»: استيطان كهف «أم جرسان» بالمدينة قبل 6 آلاف عام قبل الميلاد    ذات الأكمام المفتوحة نجمة الموضة النسائية 2024    الطائي يصارع الهبوط    أقوال وإيحاءات فاضحة !    تخلَّص من الاكتئاب والنسيان بالروائح الجميلة    غاز الضحك !    الفقر يؤثر على الصحة العقلية    سلطان البازعي:"الأوبرا" تمثل مرحلة جديدة للثقافة السعودية    مقتل قائد الجيش الكيني و9 ضباط في تحطم مروحية عسكرية    "أيوفي" تعقد جلسة استماع بشأن معايير الحوكمة    الاحمدي يكتب.. العمادة الرياضية.. وحداوية    مصر تأسف لعدم منح عضوية كاملة للفلسطينيين في الأمم المتحدة    مجلس جامعة جازان يعيد نظام الفصلين الدراسيين من العام القادم    أمير الرياض يعتمد أسماء الفائزين بجائزة فيصل بن بندر للتميز والإبداع    تَضاعُف حجم الاستثمار في الشركات الناشئة 21 مرة    السلطة الفلسطينية تندد بالفيتو الأميركي    الجامعات وتأهيل المحامين لسوق العمل    الرباط الصليبي ينهي موسم أبو جبل    الإصابة تغيب كويلار أربعة أسابيع    في حب مكة !    اليحيى يتفقد سير العمل بجوازات مطار البحر الأحمر الدولي    فيصل بن تركي وأيام النصر    التوسع في المدن الذكية السعودية    المستقبل سعودي    الدمّاع والصحون الوساع    أمير الرياض يستقبل مدير التعليم    المفتي العام ونائبه يتسلّمان تقرير فرع عسير    إنطلاق مؤتمر التطورات والابتكارات في المختبرات.. الثلاثاء    الرويلي ورئيس أركان الدفاع الإيطالي يبحثان علاقات التعاون الدفاعي والعسكري    نائب أمير الرياض يقدم تعازيه ومواساته في وفاة عبدالله ابن جريس    وزارة الداخلية تعلن بداية من اليوم الخميس تطبيق تخفيض سداد غرامات المخالفات المرورية المتراكمة بنسبة 50%    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    السديس يكرم مدير عام "الإخبارية"    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    شقة الزوجية !    تآخي مقاصد الشريعة مع الواقع !    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    سمو أمير منطقة الباحة يلتقى المسؤولين والأهالي خلال جلسته الأسبوعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما صوت داعش لإردوغان!!
نشر في الرياض يوم 01 - 07 - 2019

في الحلقة الثانية من تقرير صحيفة ذَا إنڤيستيجيتيڤ چورنال (تي أي چيه) الاستقصائية البريطانية -والذي تلقت "الرياض" نسخة منه- نعرض مراجعة للمئات من الوثائق السرية ومستندات التقاضي شديدة السرية التي تكشف كيف قامت حكومة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بإرسال الآلاف من شحنات الأسلحة الثقيلة والذخيرة غير القانونية لمساعدة المجموعات المتطرفة العاملة في سورية عبر الحدود المشتركة بين البلدين -وأشار التقرير إلى واقعة ضبط الشرطة التركية في 2014 سيارات نقل محملة بالأسلحة في طريقها إلى سورية برفقة ضباط مخابرات أتراك، حيث كان رد الحكومة الإردوغانية وقتها بتمرير قانون بسرعة من خلال البرلمان يعفي ضباط المخابرات من المساءلة الجنائية.
الاستخبارات التركية سلّحت المتطرفين بحماية رئاسية.. واختفاء الشهود على تهريب الأسلحة
أظهرت التسجيلات أن أحد الجنود الأتراك كان يخاطب أمير حدود داعش "إلهامي بالي" بلقب "شيهيم" والتي تعني "شيخي" بالعربية معبراً عن احترامه وتقديره للمهرب الداعشي، يتفق الطرفان خلال المكالمة على رعاية المصالح للطرفين ويخبر بالي الجندي أنه يتقبل يوميا طلبات من الحكومة التركية وأن داعش قد عممت أمراً يقضي بتفادي إيقاع أي ضرر بأفراد الحراسة الأتراك، ويؤمن الجندي على أنهم لم يواجهوا أي مشكلات باستثناء مشكلة فردية في الأول من سبتمبر ويتعهد بالحفاظ على الوضع القائم.
تكشف التسريبات أيضاً عن ترتيب داعش لتوفير حماية قانونية للأجانب المحتجزين في السجون التركية ما يؤدي غالباً للإفراج عنهم، وأصبح روتينياً أن يُحتجز المواطنون الأتراك المتوجهون إلى سورية لعدة أيام قبل إطلاق سراحهم وتهريبهم إلى داعش، تلجأ داعش إلى مخططات عدة للتمويه منها نقل المتطرفين في مجموعات صغيرة من 5 - 10 أشخاص والتنبيه عليهم بعدم حمل متاع زائد لعدم لفت الأنظار.
وفي فصل بعنوان كيف ضحت تركيا بأحد الدواعش لتخفيف الضغط الدولي ناقش التقرير إحدى أهم القضايا المتعلقة بتهريب البشر، ففي فبراير 2015 وصلت ثلاث طالبات بريطانيات مراهقات (شميمه بيجوم، أميره عباس، خديجة سلطان) إلى مدينة جازيانتپ الحدودية التركية حيث قابلهم طبيب الأسنان محمد الرشاد المعروف في أوساط المهربين باسم "الدكتور" ليقوم بإجراءات السمسرة وإيصال الفتيات إلى أيدي متعاملي داعش لتهريبهن إلى داخل سورية، ودور الدكتور كان هو استقبال القادمين في إسطنبول وإيصالهم إلى أيدي بالي ورفاقه وهو ما فعله بالمراهقات البريطانيات!
كان الرشاد معروفاً للسلطات التركية الذين كانوا يتابعون نشاطه في الاتجار بالبشر منذ 2013 ولكنهم لم يكونوا يتعرضون له قبل هذه الحادثة التي جلبت الوبال على الحكومة الإردوغانية؛ وانهالت الانتقادات من بريطانيا والولايات المتحدة وغيرهم من أعضاء التحالف الدولي ضد داعش لعدم القيام بالجهود الكافية لإيقاف عمل شبكات الاتجار بالبشر العاملة في تركيا، دفع هذا الموقف الحكومة التركية لقلب المائدة على حلفائها مدعية أن الدكتور كان على تواصل مع المسؤولين الفرنسيين، البريطانيين والكنديين مخبرا إياهم بتفاصيل المتطرفين الأجانب ولَم تفعل هذه الدول شيئاً لمنع المسلحين من السفر إلى تركيا.
بعد القبض عليه أدلى الرشاد باعترافات تتماهى مع الرواية التركية وتم نشرها على نطاق واسع في الإعلام التركي والذي يتضمن شبكة الهابر التلفزيونية المملوكة لأسرة إردوغان في محاولة لنقل اللوم إلى حلفاء تركيا، وقام وزير الخارجية التركي بإجراء حوار متلفز حصري معلناً أن الرشاد كان يعمل لصالح دولة عضو في التحالف الدولي ضد داعش (أعلن بعدها أنها كندا!) وتم تلفيق صورة له كجاسوس عمل لصالح الكنديين والبريطانيين.
تطرق التقرير بعد ذلك إلى منطقة أخرى غير متصورة، وهي كيف استفاد إردوغان من تحالفه مع داعش، وكيف ساعد الأخير حزب العدالة والتنمية التركي في استعادة الأغلبية البرلمانية، ويقر التقرير أن داعش والجماعات المتطرفين يعتبرون بمثابة عملاء مفيدين لدفع أهداف إردوغان السياسية في تركيا.
لإيضاح ذلك يقول تقرير "ذَا إنڤيستيجيتيڤ چورنال" إن بعد الهجمات الإرهابية على أنقرة في أكتوبر 2015، صرح أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء التركي وقتها وقال: إن شعبية حزب العدالة والتنمية أصبحت في ازدياد بعد التفجيرات. وتوضح المستندات القضائية أن السلطات التركية كانت تعلم هوية المتهمين الرئيسين المسؤولين عن التخطيط، ومن ثم تنفيذ تفجيرات السيارات الانتحارية؛ ولكنهم تقاعسوا عن اعتقالهم، وفِي ظهور على التلفزيون الرسمي قال داود أوغلو: إن الدولة لا تستطيع اعتقال الانتحاريين حتى ينفذوا أعمالهم، ذلك على الرغم من امتلاك الحكومة قائمة بأسماء الانتحاريين المحتملين.
وبالفعل جاءت التفجيرات برياح طيبة لحزب العدالة والتنمية الحاكم.
الشيء الجديد هنا أن هناك روايات شديدة الإقناع عن أسباب تسهيل الحكومة لهجمات مثل هذه ضد الشعب التركي نفسه. قبل التفجيرات مباشرة كان هناك 62 تقريراً استخباراتياً تحذر من هجمات محتملة في تركيا، تم تعميم هذه التقارير على وحدات المباحث وأقسام الشرطة بطول البلاد وعرضها. في الرابع عشر من سبتمبر 2015 قام قسم مكافحة الإرهاب بالداخلية التركية بإصدار تحذير استخباراتي مفصل ومنفصل عن تدريبات لفريق داعش مخصوص في مخيم بمدينة دير الزُّور في شرق سورية، وأن هدفهم هو تنفيذ عملية انتحارية تفجيرية واسعة لأحد اللقاءات الجماهيرية الكبرى في تركيا أو اختطاف إحدى الطائرات أو السفن، ولكن هذا التحذير لم يصل أبداً لمحافظ أنقرة، أو لرئيس شرطتها، أو لإدارات المباحث في أنقرة المسؤولة عن إجراءات التأمين في العاصمة أثناء اللقاءات والتظاهرات الكبرى في المدينة أو الأحداث في الأماكن الحيوية بها.
وكأنما لا تكفي كل هذه الأدلة، تم فجأة إزالة جميع نقاط التفتيش والارتكاز الأمنية في الليلة السابقة على الهجمات، ما سمح لمسلحي داعش بقيادة سياراتهم المفخخة بسهولة وحرية إلى قلب العاصمة من دون مساءلة. جاءت التحقيقات الأولية في الحادث لتضع علامات استفهام من دون إجابات عن هذا التصرف من دون إجابات.
تطرقت التحقيقات أيضاً إلى أن شرطة أنقرة كلّفت 2044 شرطياً بالعمل يومها لتأمين الاجتماع ولكن وقت الهجمات لم يكن هناك سوى 76 ضابطاً متمركزين حول المكان، ويبدو أن يداً خفية في حكومة إردوغان قد عملت لإخلاء الطريق أمام داعش لتنفيذ التفجيرات الانتحارية وإزالة معظم العقبات مقدماً.
وتحت عنوان "الحصانة لسماسرة داعش في الحكومة التركية" يطرق التقرير زاوية أخرى عن كيفية تأمين عمل العناصر التركية الحكومية مع أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم، والحقيقة هنا أن الحكومة التركية حاولت طمس المعلومات الصادرة عن إجراءات المحاكمة لمتهم تفجيرات محطة قطار أنقرة، وتزامن ذلك من منع استجواب أي مسؤول حكومي أو شرطي، أو استخباراتي، أو أي من العاملين في الأجهزة المختلفة التي لعبت دوراً في السماح لداعش بتنفيذ أكثر الهجمات دموية في التاريخ التركي.
ما حدث هناك كان على الرغم من الالتماسات والدعاوى المتكررة من قبل محاميّ الضحايا وأسرهم، لم تستجب الحكومة لأي من طلبات المحاكم بتوفير المزيد من المعلومات، ولَم يسمح القضاة للمحققين الجدد بالبحث العميق! ، وصل الأمر إلى أن المحكمة الدستورية في تركيا رفضت شكوى من أسر الضحايا قائلة: إن الحكومة لم تخرق الحقوق الأساسية للمواطنين عبر قيامها بحظر الوصول إلى الملفات القضائية للدفاع أثناء التحقيق.
طبقاً للقانون التركي، فإن المحاكمة الجنائية للمسؤولين العموميين تحتاج موافقة الحكومة لو كانت الجريمة المنظورة قد تم ارتكابها أثناء أدائهم لواجباتهم، في حالة هجمات أنقرة قامت الحكومة بحماية رؤساء الشرطة الذين تقاعسوا عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنعها؛ ولَم يعلن حسين أوزغور رئيس وحدة سي لمكافحة الإرهاب التحذير الاستخباراتي بخصوص الهجمات الوشيكة في أنقرة.
على الرغم من أن تحقيقات وزارة الداخلية قد خلصت إلى أن أوزغور وآخرين يجب وأن يحاكموا على أقل تقدير بتهمة التقصير في مهامهم الوظيفية، ولكن إردوغان رفض هذه التوصية. تباعاً فإن الحكومة رفضت طلب المدعي بإطلاق تحقيقات مع رئيس شرطة أنقرة سيهانجير أولوسوي، ورئيس قسم مكافحة الإرهاب حقان دومان، ورئيس قسم الأمن العام السابق أدم أرسلان أوغلو ورئيس وحدة سي أوزغور غور، لم يحاول مكتب المدعي العام التركي استئناف رفض الحكومة أمام القضاء الإداري، واختار إغلاق القضية!
تمت إدانة تسعة من المشتبه فيهم غير الظاهرين وصدرت ضدهم أحكام مشددة بالسجن مدى الحياة، ولكن العقول المدبرة الحقيقية ظلوا مطلقي السراح، والمسؤولون الحكوميون الذين لعبوا دوراً في الهجمة ظلوا محصنين. تظل هذه القضية علامة فارقة توضح كيفية التعامل مع القضايا التي تخص داعش، والقاعدة، وغيرها من التنظيمات المتطرفة، والتحقيق والادعاء والمحاكمة فيها في تركيا، إن الرقم الضئيل بشكل مدهش من الإدانات في هذه القضايا يوضح أن الحكومة التركية غير راغبة في تحريك قضايا داعش.
ويشير التقرير إلى أن الحكومة الإردوغانية عمدت لتقليل أرقام كل ما يتعلق بداعش، بل إنها تحاول إخفاء أي أرقام تتعلق بأعداد الدواعش داخل تركيا، وبالطبع أرقام من خضعوا للتحقيق أو المحاكمة أو الإدانة على أراضيها. المسؤولون الأتراك دأبوا على إعطاء تصريحات متضاربة عن وجود داعش داخل تركيا، وعندما حاولت المعارضة التركية من خلال دستة من طلبات الإحاطة بالبرلمان أن تنشئ لجنة للتحقيق في الوجود الداعشي على أرض تركيا، تمت هزيمتهم في كل مرة من قبل حزب إردوغان الحاكم صاحب الأغلبية مما أدى إلى غياب الرقابة التشريعية أيضاً.
كان آخر عدد لسجناء داعش، والذي ورد على لسان إردوغان نفسه في إحدى خطبه 2000 سجين في السادس من نوفمبر 2018. لم يذكر إردوغان كم منهم تمت إدانته، حيث إن المحاكم قد تبدو عديمة الفاعلية بالنسبة للمتطرفين في معظم الأحوال، ويتم إطلاق سراحهم بانتظام بعد فترات متفاوتة من الاحتجاز قبل المحاكمات، أرقام إردوغان تعارضت مع أرقام رئيس الوزراء وقتها، رئيس البرلمان الحالي، بينالي يلدريم الذي صرح في مؤتمر للأمن في 2018 أن تركيا لديها 10،000 سجين من مسلحي داعش.
السؤال هو ماذا حدث ل 8000 سجين الآخرين في الثمانية أشهر بين التصريحين؟ لربما افتعل يلدرين المقرب من إردوغان هذه الأرقام حتى يصغي له الحضور لأن وزير العدل التركي عبدالحميد حول كان قد صرح قبلها بأسبوع واحد أن عدد الدواعش في السجون لا يزيد على 1354.
كانت آخر تصريحات شاركتها الحكومة التركية عن الإدانات في قضايا داعش قد صدرت في 2017 كرد من وزير العدل على تساؤل برلماني أكدت أن 28 داعشيا تمت إدانتهم بتهم تتعلق بالإرهاب، ويظل 470 مشتبها فيه محجوزين على ذمة قضاياهم، أي أن العدد كان أقل من 500 شخص محكوم عليه في السجون التركية في 2017. كانت الأرقام أسوأ في 2016 حيث كانت هناك سبع إدانات من أصل 513 محتجزاً يتضمّنون 274 أجنبياً.
الاستخبارات التركية تسلح المتطرفين !!
راجع التقرير المئات من الوثائق السرية ومستندات التقاضي شديدة السرية التي تم الحصول عليها من مصادر شديدة الخصوصية لتكشف كيف قامت حكومة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بإرسال الآلاف من شحنات الأسلحة الثقيلة والذخيرة غير القانونية لمساعدة المجموعات المتطرفة العاملة في سورية عبر الحدود المشتركة بين البلدين، التحركات التركية أشارت إلى عزم أنقرة إنشاء نظام تابع لها ليحل محل نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ما أضاف المزيد من الوقود للخلافات المستعرة منذ ثمانية سنوات بين الدولتين منذ انتفاضة الربيع العربي التي تأزمت بسبب الخلاف الداخلي السوري.
قامت "ذا إنڤيستيجيتيڤ چورنال" بترتيب عدد من الحوارات مع اختصاصيين أمنيين ممن اعتادوا العمل لدى الحكومة التركية ولديهم سابق اطلاع على العمليات التركية السرية، أكدت الحوارات ما كشفته الوثائق المسربة من قبل، بل وأضافت الكثير من التفاصيل عن شحنات الأسلحة التي كانت تصل جواً إلى تركيا بطرق غير قانونية قبل تهريبها باستخدام الشاحنات والمقطورات عبر الحدود التركية - السورية.
كشفت الوثائق المسربة كيف تم نقل شحنات الأسلحة جواً من قبل موزعين أجانب باستخدام طائرات شحن إلى مطار إسنبوجا في أنقرة والذي تم استخدامه بدلاً من المطارات القريبة من الحدود لتفادي إثارة الشبهات. من هنا كان يتم نقل الأسلحة لأسطول من سيارات النقل والمقطورات في جزء منعزل من المطار ليحملوا الشحنات لمسافة 650 كلم عبر تركيا لنقطة توزيع معدة مسبقاً قريبة من الحدود التركية - السورية تخرج منها الشحنات إلى نقاط مختلفة في الداخل السوري لتصل إلى أيدي الفصائل المتطرفة المختلفة لاستخدامها في عملياتهم الإرهابية المختلفة.
تشرح الوثائق المسربة واللقاءات بالتفصيل أيضاً أسلوب العمل السري الذي يتم التنسيق له من قبل جهاز المخابرات الوطنية التركية (إم أي تي) بالمخالفة الصريحة لعدد من القوانين التركية والدولية. إن إدخال الأسلحة والمتفجرات إلى تركيا من دون تسجيل أو مرور على الجمارك، أو وجود أي تراخيص هو جريمة محققة بنص القانون التركي، هذه القواعد تنطبق أيضاً على الصادرات والتي تتطلب موافقة الحكومة ووزارة الخارجية قبل أي ترخيص رسمي.
إضافة إلى ذلك فإن الاستخبارات التركية لم يكن مصرح لها بنقل الأسلحة طبقاً للقوانين المطبقة في ذلك الوقت، والتي كانت تلزم الاستخبارات بإبلاغ السلطات المحلية لتنسيق مثل هذه الشحنات بما يضمن أمن وسلامة المناطق السكنية التي تمر بها، ولكن بالطبع لم يحدث هذا بسبب الحماية التي تتمتع بها الاستخبارات وعملاؤها الذين تم تفويضهم من قبل إردوغان شخصياً، ولم يعلم بأمر الشحنات حتى المدير الإقليمي للاستخبارات ذاتها.
كانت لقاءات تي أي چيه السرية مع المسؤولين الحكوميين الأتراك السابقين والتي أكدت هذه المعلومات قد تمت بشرط الحفاظ على سرية هويتهم، وذلك لخوفهم على أنفسهم وعلى أسرهم وأعمالهم داخل تركيا. يعتبر ذلك عادياً مع السمعة الحالية لتركيا كأكبر سجن في العالم للصحفيين (188 صحفياً موجودون بالسجون التركية الآن طبقاً لبيانات مركز ستوكهولم للحريات)، مع زيادة التضييق والتحرش الإلكتروني بالصحفيين والمعارضين الذين يشاركون أي كتابات على وسائل التواصل الاجتماعي قد تنتقد إردوغان ونظامه (تم اعتقال 1656 شخصاً بسبب منشورات على وسائل التواصل بين ديسمبر 2016 ومايو 2017).
فشل النظام القضائي التركي في أن يتحرك بقوة ضد الجماعات المتطرفة الموجودة داخل تركيا، حيث تم إطلاق سراح معظمهم في ظل البيئة المهاودة غير المعلنة التي وفرتها لهم الحكومة الإردوغانية.
عندما تم اعتقال أحد ضباط الاستخبارات من قبل السلطات المحلية أثناء إيقاف إحدى شحنات الأسلحة في إحدى المحافظات الحدودية، كتب تقريراً للواقعة لخص الوضع بإيجاز، كان الضابط يصرخ، ويسب ويلعن مطالباً بالحديث مباشرة مع رئيس الوزراء وقتها، إردوغان؛ لأن العملية تم التصريح لها من قبل إردوغان نفسه على الرغم من مخالفتها للقوانين التركية، كان هذا السبب الذي دفع حكومة إردوغان لتعديل قانون المخابرات في أبريل 2014 بما يضمن لهم وللمخابرات المزيد من الحماية، ويوفر الحصانة للاستخبارات التركية حينما تنكشف عملياتهم.
دليل آخر على تورط إردوغان الشخصي جاء في شهادة محافظ أدان حسين أڤني كوتش، والذي وصل إلى مكان الواقعة بصحبة 400 شرطي في 19 يونيو لإيقاف البحث فيها وليأمر المدعي الجنائي تاكشي أن يطلق سراح الشاحنات لأن إردوغان قد اتصل به شخصياً وطلب منه إطلاق سراح الشحنة هذه المرة فقط ريثما يقومون بتعديل قانون المخابرات بما يمنع حدوث هذه المشكلات في المستقبل؛ كوتش أقسم أن يصل الصدام إلى حد الموت حتى يضمن إطلاق سراح شاحنات المخابرات.
هذه الشهادة في حد ذاتها تثبت أن حكومة إردوغان كانت تعلم أن شحنات الأسلحة من قبل الاستخبارات كانت غير قانونية، وأنهم سعوا لتوفير الغطاء القانوني لها عند اكتشافها. ويبدو أن القلق من الملاحقة القانونية دفع إردوغان لإزالة كل السلطات القضائية، والشرطيون والعسكريون الذين اشتركوا في كشف عملية تسليح المتطرفين، بالإضافة إلى الصحفيين الذين غطوا الأحداث حيث تم الزج بهم خلف القضبان حتى اليوم أو اضطروا إلى الهرب من البلاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.