يخطئ من يظن أن المملكة وهي تواجه هذا الاستهداف المركز والحملات متعددة الأطراف ومتناقضة الدوافع في آن واحد، إنما تنافح عن مصالحها ومكانتها فحسب، بل هي ترفع لواء استنهاض المنطقة برمتها، واستعادة مصيرها من يد اللاعبين الخارجيين ومحاولات الاستتباع والاستغلال التي دارت المنطقة في رحاها عقوداً طويلة، ولم تجن من ورائها سوى الدمار والخراب وتعطل مشروعات التنمية ونهضة الإنسان. تخوض المملكة إذن حرباً حقيقية، لكنها حرب أفكار ورؤى، وتفكيك لبنى التخلف والجهل، وإعلاء قيم العمل والعلم والتنمية، وهي حرب سيعني الانتصار فيها خلق نموذج مغاير في المنطقة، ونشر حالة جديدة ترتكز على معايير التحديث وبناء الإنسان وتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي، عوضاً عن الحسابات الحزبية والأيديولوجيات المضللة، التي استنزفت مقدرات وثروات المنطقة، وحولتها بؤرة مزمنة للاضطرابات والنزاعات، هي حرب سترسي - وهذا أهم تجلياتها - قيمة الإنسان المحضة بمنأى عن عصبيات الهوية، وتقسيمات الأيديولوجيا والطائفية. في هذا السياق تتضح معالم الصورة الكبرى، وتتكشف أسباب تصاعد الحملات الشعواء ضد المملكة، وتعالي الأصوات الناعقة التي يؤرقها انبعاث المشروع السعودي لمستقبل المنطقة، وتحرر الطاقات الكامنة لشعوبها، وتالياً انخراطها في معركة التقدم والنهوض في كل المجالات، وهو الأمر الذي سيفضي لتخلخل مواقع القوى المشبوهة، وانحسار نفوذها السام. لذا لن يدهشنا أن يرافق كل خطوة تخطوها المملكة للأمام في هذا العصر الزاهر، تزايد محاولات التشويش والتخريب وتصعيد الخطاب الإعلامي المسعور لوقف المسيرة التي ستغير وجه المنطقة، وتعيد القرار لشعوبها، والمملكة وهي تخوض هذه المعركة التي هي أكبر بكثير من معارك الدبابات والمدافع، وأخطر أثراً على المدى الطويل، إنما تدرك أن مكانتها السياسية والاقتصادية، وقيمتها التاريخية والدينية تبوئها هذه المسؤولية الكبرى؛ لاستنهاض أمة عظيمة لبثت في سبات عميق ردحاً من الزمن. إنهم لا يستهدفون المملكة، بل يحاولون إطفاء شعلة الأمل والمستقبل التي توقدها المملكة في المنطقة، وعبثاً يحاولون.