معلمو اللغات بأنواعها يرون أن عدداً قليلاً من "الطلاب" يمتلكون قوة "الذكاء اللغوي" أو اللفظي كما اسماه "جاردنر" صاحب نظريات "الذكاءات المتعددة" الحديثة، ويظهر هذا في قدرتهم -الطلاب- على استخدام اللغة الأم أو غيرها من اللغات بكفاءة وقدرة في التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم، وتواصلهم مع الآخرين، مع مهارات عالية في الإقناع وطرح الأفكار والموضوعات الثرية والمشوقة، يحبون اللغة ويبتكرون فيها، لا يجدون صعوبة في التعبير عن أنفسهم، وانتقاء الكلمات والإحساس بالفروق بين المترادفات وترتيبها في الجمل وإيقاعها لدى المستمع أو القارئ. تجد هؤلاء "الطلاب" عاشقون، محبون، مفتونون باللغة، منذ بداياتهم في "الإذاعات المدرسية" وحصص النشاط وجماعات "الإلقاء" والتعبير.. وقراءات أسبوعية ممتدة لمجلات "ماجد" و"باسم"، وعوالم سلسلة قصص "المكتبة الخضراء" حتى الصحف الصباحية. كبروا وتبلورت قراءاتهم في الكتب والأجناس الأدبية.. بعضهم يكتب خواطره وأهواءه، والبعض الآخر يبارز في مسابقات الشعر والقصة والإلقاء والصحافة وورش المسرح والتمثيل في مرحلة الجامعة، ونحو قدراتٍ لغوية مرتفعة وأكثر. في المرحلة الجامعية، كنت مشدوهاً بلغة وحضور أستاذنا القدير د. عبدالعزيز السبيّل "أستاذ الأدب الحديث" سابقاً بقسم اللغة العربية ورئيسه بجامعة الملك عبدالعزيز -أمين عام هيئة جائزة الملك فيصل، ورئيس مجلس الأمناء بمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني حالياً-، حيث الدهشة دون حدٍّ في "بداهة لغته" ودماثة حواره، وذكاءات ردوده بلغة متفردة مسؤولة لا أنساها وجيلي، أخبرنا أستاذنا "السبيّل" منذ تعليمه الأساسي أنه كان يعشق اللغة والإلقاء، وأكد أن الفضل في صقله يعود جزء لعمله متعاوناً في إذاعة "جدة" خلال دراسته الجامعية.. وفي إجازة صيفية التقيته في مدينة "أبها" وأنا للتو عائد من أميركا وحديث عهد بانضمامي لمعهد لغة إنجليزية تمهيداً لدراساتي العليا.. وأثناء جولتي معه تحدثت بجملة إنجليزية فصوبني مباشرةً بخطأي فيها، وذكر لي أن "اللغة يجب أن تعاملها بحذر وتدرسها تأصيلاً". إن مهمة التربية الرئيسة وفق "نظرية جاردنر" في الذكاءات المتعددة هي اكتشاف قدرات المتعلمين المختلفة وما يتمتعون به من فروق فردية وكفاءات، فإذا كان بعضهم يحب "اللغة" ولديه حس مرهف في التعبير عنها، ينبغي أن يجد تعليمنا البيئة التعليمية وطرق التدريس المناسبة التي تساعدهم على صقل هذا النوع من الذكاء اللفظي. ولتبدأ تأصيلاً من قراءة الطفل للكلمة وتحليلها، والتعرف على حروفها، ثم الجملة.. وفي مرحلة متقدمة من خلال حلقات نقاشية، ولعب أدوار، وعصف ذهني، وحل مشكلات، وعبر إشراك المواهب اللغوية في مسابقات كتابات الشعر أو القصة والمقال.. ربما تكون بارعاً في اللغة واللعب بالكلمات، وتطمح أن تصبح في المستقبل أديباً أو خطيباً أو صحفياً أو معلم لغة متميزاً، ابدأ من الآن وردد ما خطه "درويش" في قصيدته " أنا لغتي".