العالم المتقدم يسير بخطى ثابتة للرقي بمستوى التعليم، ولا يقتنع أبداً بما هو موجود رغم جودته وحسن مخرجاته، بل يواصل سياسة التطوير المستمر، وفي زيارة لإحدى المدارس في نيوزيلندا قبل سنوات كنت منبهراً بتلك المدرسة واتساع فنائها وتعدد أنشطتها وتلك العلاقة المميزة.. رأيته على مدخل الفصل في مدرسة ثانوية في دولة متقدمة يحيي كل طالب باسمه ويسلم عليه بيده قبل دخوله الفصل، يتسابق الطلبة لتحيته وبعد اكتمالهم يدخل إلى الفصل غير مستعجل على إعطاء المادة، بل يحرص على بناء علاقة محبة واحترام بينه وبين طلبته، لم أقتنع أن تلك التحية والسلام باليد بين ذلك المعلم وطلبته عند مدخل الفصل لها أثر على تحصيل الطلبة حتى اطلعت على دراسة نقلها الدكتور عبدالله الجغيمان عضو مجلس الشورى في حسابه تقول: إن مصافحة المعلم لطلبته عند مدخل الفصل ومناداة كل منهم باسمه تزيد مستوى التحصيل بنسبة 20 %، وتحسن سلوك الطلبة في الفصل بنسبة 9 %. العالم المتقدم يسير بخطى ثابتة للرقي بمستوى التعليم، ولا يقتنع أبداً بما هو موجود رغم جودته وحسن مخرجاته، بل يواصل سياسة التطوير المستمر، وفي زيارة لإحدى المدارس في نيوزيلندا قبل سنوات كنت منبهراً بتلك المدرسة واتساع فنائها وتعدد أنشطتها وتلك العلاقة المميزة بين المعلمات والطلبة والطالبات، لكن قائد المدرسة فاجأني بأنهم غير راضين عن مستوى التعليم، وأن هناك دولاً سبقتهم، وأنهم في طور تعديل شامل على المناهج بشكل عام. أجمل ما في نظام التعليم في الدول المتقدمة هو التطوير المستمر بحثاً عن الأفضل، يجرون الدراسات العلمية والبحوث الميدانية التي تبنى على فرضيات أقرب ما تكون إلى الصحة، أو بناء على وجود سلبيات يجب معالجتها، وحين يتوصلون إلى دراسة تعطي نتائج أفضل، أو حين تنجح تجربة في مدرسة تعمم على بقية المدارس مع استمرار تطويرها وتحسينها. أمام إصلاح التعليم تحديات كثيرة في كل دول العالم، وحتى في الدول المتقدمة، ومن الصعوبة أن يصل إلى مستوى رضا المستفيدين (أولياء أمور الطلبة، والمستفيدين من مخرجاته في القطاعين العام والخاص) تحديات مادية، وثقافية، ومنهجية، وبيئة مدرسية بشكل عام. والمملكة تواجه تحديات كبيرة في هذا المجال أصعبها وأخطرها وأهمها هو المعلم وكيف نرتقي بأدائه ونقنعه بضرورة التغيير والتطوير، وكيف نعزز العلاقة بين المعلم أو المعلمة وطلبتهم؛ لجعل التعليم محبباً، والمدرسة أفضل مكان لتفتيح العقول والتشجيع على التحصيل والابتكار، ولن نستطيع ذلك بمجرد إصدار التعاميم ولا حتى إعطاء الدورات النظرية القصيرة ما لم يمارس المعلم تلك العادات ويطبقها ويلمس نتائجها فيقتنع بأهميتها، ولا سبيل إلى ذلك إلا بجعله طالباً في دورة مكثفة حتى يرى النماذج الناجحة أمامه نتيجة تطبيقها ولهذا أسوق إلى وزارة التعليم المقترحات الآتية: أولاً: إنشاء معهد تطوير أداء المعلمين والقادة يستوعب آلاف المعلمين والمعلمات كل عام، ويجلب له أفضل المعلمين من أفضل الدول المميزة في مجال التعليم، ويقضي فيه المعلم من أربعة إلى ستة أسابيع أكثرها ممارسات عملية تركز على أفضل وسيلة لتحبيب الطلبة في المدرسة وكيفية إيصال المعلومة بأسلوب محبب، والطريقة المثلى لزرع العادات المفيدة من نظافة واحترام وحسن تعامل وأدب الحوار. أتذكر تلك الدورة التي حصلت عليها قبل حوالي أربعين عاماً في الولاياتالمتحدة الأميركية صممت خصيصاً للضباط من رتبة ملازم أول ونقيب ويركز فيها على مهارات القيادة والتواصل ورفع اللياقة البدنية وبناء روح الفريق، ويدرّس في تلك الدورة أفضل ضباط القوات الجوية، ويكتب تقريراً متكاملاً ودقيقاً عن كل ضابط ونقاط القوة والضعف عنده وهل يصلح قائداً في المستقبل أم لا. ثانياً: زرع عادة بدل أخرى بحاجة إلى ممارسة وتكرار، والعادات المفيد منها والمضر هي التي تتحكم بحياتنا، وتغيير عادة واحدة مثل التوقف عن استخدام العنف مع الطلبة قد يقود إلى عادات أخرى كثيرة كالتعاون والتشجيع، كما أن ترك عادة مضرة كالتدخين يقود إلى سلسلة من التغييرات الإيجابية كممارسة الرياضة وتناول الغذاء الصحي وتجنب السهر وغير ذلك، فالتركيز على تغيير عادة سيقود إلى تغييرات مستمرة تعود بالفائدة على الإنسان ومن حوله، وأفضل وسيلة لتغيير عادة سيئة هو إعطاء بديل لها وتكرار الفعل حتى ترسخ وتحل محل العادة القديمة وتصبح جزءاً من السلوك، ألا ترى أن الظفر المصاب لا يزول إلا بظفر جديد يدفعه ويحل محله. مباني المدارس والمقررات مهمة وتساعد على نجاح التعليم، لكن أهمها جميعاً وجود قيادة مدرسية مميزة، ومعلمين مؤهلين يؤمنون بقدسية رسالتهم ونبلها، ويقدم لهم بين الحين والآخر أفضل الممارسات التي توصلت إليها الأبحاث في العالم المتقدم. * لواء طيار متقاعد Your browser does not support the video tag.