يذكر السويسري ارنولد المشرف على ضيافة قصور الملك سعود رحمه الله أنه ضمن الشخصيات والحكام العالميين والقوميين الذين دمغوا بزياراتهم الرزنامة الاجتماعية للرياض عند ما كان يشغل منصب المشرف على خدمات الضيافة لدى الملك سعود كل من ملك الاردن اليافع الحسين بن طلال ومحمد الخامس ملك المغرب وحاكم البحرين الشيخ سلمان بن حمد ال خليفة ورئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو والرئيس الاسبق للجمهورية اللبنانية كميل شمعون والرئيس الاسبق لسورية ما قبل وحدة الجمهورية العربية المتحدة شكري القوتلي وحاكما مشيختي كل من الكويت وقطر والأمين العام للأمم المتحدة الراحل دوغ هامار شولد وامبراطور اثيوبيا هيلا سيلاسي الاول ورئيس مصر جمال عبد الناصر والعديد من سفراء الدول الغربية بعضها مر مرور الكرام وأخرى كانت مليئة بالطرائف والمفاجآت وبأحداث بقيت لتروى.. ومن بين كل الزيارات التي قام بها حكام الدول كانت زيارة ملك العراق فيصل الثاني برفقة خاله ولي العهد الأمير عبدالاله بن علي والذي كان الملك سعود قد زاره في مايو عام 1957م في العراق، وتعد هذه الزيارة الثانية للحاكم العراقي للرياض. كان فيصلا البالغ من العمر 21 عاما ويبلغ من الطول نحو 158 سم يشكل تباينا ملحوظا مع طول الملك سعود المهيب بطلته وبنيته الجسدية عند ما جلسا في المجلس ولم تطل رجلا الحاكم اليافع الارض تماما والتي بدت إحداها تتأرجح بوضوح وبدا كما يقول اشبه بجندي بلاستيكي متحرك أجلس على اريكة وظهر على فيصل علامات الحرج، لكن المشهد ما لبث وأن تناساه الجميع في ظل النقاشات والحوارات الودية التي رسخت العلاقة بين البلدين وأظهر فيها الملك سعود كعادته دهائه الممزوج باللطف. ومن الولائم الملفتة ايضا تلك التي اقيمت على شرف رئيس وزراء الهند جواهر لال نهروا والتي اتسمت جمالا بالصمت اثناء تناول الطعام على الطاولة الرئيسية في القاعة بسبب تحفظ الضيف المبالغ فيه يقول ارنولد رغم معرفتي بأن الملك سعود كان مضيفا انيسا ويفعل كل ما في وسعه لكي يريح زواره. ما كان مني الا الاستخلاص بأنه لم يستطع كسر حاجز التحفظ الذي بدا عليه الضيف وقد علم الملك سعود بأن نهرو لال نباتيا فاصدر اوامره بتقديم ما يتوافق مع احكام نظامه الغذائي حصرا حتى اوصى مراعاة لنهرو بعدم تقديم أي نوع من اللحم على الطاولة الرئيسية وفيما استلذ ضيوفه على باقي الطاولات بتناول لحم البط الفاخر التزم الملك بالطعام الذي قدم لضيفه تقريبا والمعتمد على طبق خضار بالكاري والذي اعد له قبل الوليمة العامة ولكن الصمت المطبق الذي لم يحصل كما يقول ارنولد على مدار السنوات الخمس الماضية تبدد برؤية التحفة الجميلة المنسوخة بإتقان من تاج محل اعدها الطهاة الايطاليون من السكر المغزول. وعند ما قام الرئيس اللبناني كميل شمعون بزيارة للمملكة طلب الملك سعود أن تقام الوليمة على شرفه في الحديقة المسورة في قصر الحمراء إذ لم يكن قصر الناصرية الجديد منجزا في حينه. فقام طاقم عمل المطبخ بتنسيق الطاولات في الاطار الملون الذي تميزت به الحديقة وجلس كما يقول ارنولد نحو ثلاثمئة ضيف ليشهدوا الموقف المحرج. فما ان بدأ الندل بتقديم العشاء انطفأت كل الانوار في الحديقة فهرع عمال المطبخ وسط طقطقة الصحون المتكسرة على الممرات الاسمنتية الى تعليق فوانيس ورقية مضاءة بالشموع على اغصان الشجر في محيط الطاولات. جلس الضيوف ساكتين أثناء ذلك الى أن استأنف الندل تقديم الطعام تحت النار, ما لكل هذه الكلمة من معنى, إذ اوشكت الفوانيس الورقية أن تشتعل في أي لحظة وتسقط على رؤوسهم مشكلة حلقة مشتعلة من اللهب, الا ان الخطر سرعان ما تبدد تحت قطرات المطر التي راحت تتساقط على غفلة. هرع عمال المطبخ من جديد الى إحضار مظلات امسكوا بها فوق رأس الملك سعود وضيفه يقول ارنولد: فيما وقفت وراء الكراسي أعمل على طمأنة نفسي بالإحصائيات التي تقول إن المطر يهطل في السعودية ثلاث مرات فقط في السنة وفي ديسمبر ويناير وفبراير عند الانتهاء من تثبيت المظلات, أمكن لي أن أضيف أكتوبر على اللائحة. ففي هذه اللحظات تحولت القطرات الى زخات غزيرة «أكاد أجزم أن السعوديين وعلى رأسهم الملك نفسه كانوا سعداء بالمطر أكثر من أي شئ آخر»، يكمل ارنولد: تفرق الضيوف باستثناء الملك سعود وضيفه للبحث عن ملجأ من المطر. انطفأت الفوانيس واحدا بعد واحد, اسرعت الى داخل القصر لأحضر مصباحين كبيرين على البطارية. اشرت على نادل رشح ماء بالوقوف خلف الملك وعلى آخر خلف ضيفه ووقفت خلفهم وقفتي الرسمية مشبعا بالماء واستمروا في جلستهم متغافلين بكل رويّة عن الرذاذ حولهما وعند توقف المطر مشيا الى داخل القصر بكل جدية وجفاف وانسحبت انا صوب مكتبي لأصاب بالزكام. الملك سعود مع رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو سعود المطيري Your browser does not support the video tag.