الأولمبياد الخاص السعودي يقيم المسابقة الوطنية لكرة السلة    جمعية أرفى تحصد فضية جائزة "نواة 2025" للتميز الصحي بالمنطقة الشرقية    مواجهات تشعل المنافسة.. انطلاق الجولة 12 من دوري يلو الجمعة    الفتح يتعادل مع النصر وديًا بهدفين لمثلهما    مُحافظ الطائف يستقبل وفدًا من أعضاء مجلس الشورى    مدير عام حرس الحدود: أمن الوطن مسؤولية راسخة تتجدد بالعطاء والتضحية    Center3 إحدى شركات مجموعة stc وهيوماين توقعان شراكة لبناء مراكز بيانات للذكاء الاصطناعي بسعة تشغيلية تصل إلى 1 غيغاوات في المملكة    السعودية تستضيف كأس السوبر الإيطالي    تعليم الطائف ينفّذ لقاءً تعريفيًا افتراضيًا بمنصة «قبول» لطلبة الصف الثالث الثانوي    أكثر من 270 ألف طالب وطالبة في تعليم الطائف يحتفون باليوم العالمي للغة العربية    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل مفتي جمهورية رواندا    برعاية سمو محافظ الأحساء.. افتتاح الفرع الثاني لجمعية الرؤية التعاونية    أمير تبوك يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تحتفي باللغة العربية في يومها العالمي    القيادة تهنئ رئيس جمهورية النيجر رئيس الدولة بذكرى يوم الجمهورية لبلاده    برعاية أمير المدينة.. اختتام مسابقة "مشكاة البصيرة" لحفظ الوحيين    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تعيد توطين طائر الجمل بعد غياب 100 عام    جناح إمارة الرياض يوثق محطات تاريخية للملك سلمان    أمير الشرقية يكرّم داعمي جمعية «أفق» لتنمية وتأهيل الفتيات    إلغاء المقابل المالي على العمالة الوافدة: خطوة استراتيجية لتعزيز تنافسية الصناعة الوطنية    ارتفاع أسعار النفط    الإحصاء: ارتفاع عدد المراكز اللوجستية إلى 23 مركزا في 2024م    مرتفعات تروجينا وجبل اللوز تشهد تساقط الثلوج وهطول الأمطار    أمير القصيم يواسي خالد بن صالح الدباسي في وفاة زوجته وابنتيه    ندوات معرفية بمعرض جدة للكتاب تناقش الإدارة الحديثة والإبداع الأدبي    سورية: مقتل شخص واعتقال ثمانية بعملية أمنية ضد خلية ل«داعش»    احتجاز الآلاف و70 من طواقم صحية بجنوب دارفور «الصحة العالمية» تطالب بالإفراج الآمن وغير المشروط    من سرق المصرف الإنجليزي؟    في الشباك    نعمة الذرية    هل الإنسانُ مُختَرَق؟    موسم الشتاء.. رؤية طبية ونصائح عملية    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يشخص أورام الرئة عبر تقنية تنظير القصبات الهوائية بالأشعة الصوتية EBUS    الأخضر يواجه الإمارات لحسم المركز الثالث    سمو ولي العهد يعزّي ولي عهد دولة الكويت في وفاة الشيخ جابر مبارك صباح الناصر الصباح    تصاعد الاستيطان الإسرائيلي يثير إدانات دولية.. واشنطن تؤكد رفض ضم الضفة الغربية    «الأسير» يعيد هند عاكف بعد غياب 16 عاماً    خالد عبدالرحمن يصدح في «مخاوي الليل»    الكلية التقنية بجدة تنتزع لقب بطولة النخبة الشاطئية للكرة الطائرة 2025    تعزيزاً لمكتسبات رؤية 2030.. المملكة مقراً إقليمياً لبرنامج قدرات المنافسة    تعول على موسكو لمنع جولة تصعيد جديدة.. طهران تعيد تموضعها الصاروخي    في ذمة الله    البيطار يحتفل بزفاف مؤيد    القحطاني يحصل على الماجستير    900 مليون لتمويل الاستثمار الزراعي    حرقة القدم مؤشر على التهاب الأعصاب    علماء روس يطورون طريقة جديدة لتنقية المياه    تفوق رقمي للأفلام مقابل رسوخ محلي للكتب والمكتبات    رئيس الأكاديمية الأولمبية السعودية "بن جلوي"يشهد تكريم خريجي دبلوم الدراسات الأولمبية    حنان الغطيمل تحصد جائزة عالمية وضمن 100 قيادية    أمسية شعرية سعودية مصرية في معرض جدة للكتاب 2025    تصعيد ميداني ومواقف دولية تحذر من الضم والاستيطان    ضبط 952 كيلو أسماك فاسدة ببيشة    موسكو ومسارات السلام: بين التصعيد العسكري والبعد النووي للتسوية    أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشروعات التي تنفذها أمانة المنطقة    الهيئة العامة للنقل وجمعية الذوق العام تطلقان مبادرة "مشوارك صح"    «المطوف الرقمي».. خدمات ذكية لتيسير أداء المناسك    الحياة الفطرية يطور الحوكمة ب« الثقوب الزرقاء»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. العيسى: إشادة عالمية كبيرة في مؤتمر أتباع الأديان والثقافات بمركز الملك سلمان للسلام العالمي
نشر في الرياض يوم 27 - 02 - 2018

شهدت العاصمة النمساوية فيينا أمس لقاءً مؤتمرياً مهماً لقادة الأديان والثقافات احتضنه مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وكان من أبرز الشخصيات التي حضرت اللقاء معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام، والمستشار بالديوان الملكي وعضو هيئة كبار العلماء، ومعالي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي ورئيس المجلس التنفيذي للرابطة وعضو هيئة كبار العلماء.
الإنسانية لا تزال تعاني من فراغ في تعايشها ووئامها
وقد أشار الشيخ العيسى في كلمته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر إلى أن الإنسانية لا تزال تعاني من فراغ في تعايشها ووئامها، وأن فراغ الإنسانية في سلمها وتعاونها مدفوع الثمن من مستقبل أجيالنا، وقال: إننا كلما ابتعدنا عن وصفنا الإنساني فقدنا قدراً من الاستحقاق له بقدر الهجر والبعد، وأن الصراع الديني والثقافي يعود إلى صيغة تفكير خاطئة لم تؤمن ابتداء بسنة الخالق في الاختلاف والتنوع ولا حق الاختيار، وأن مشهد التطرف العنيف لم يؤمن بحق الوجود للمخالف.
الصراع الديني والثقافي يعود إلى صيغة تفكير خاطئة لم تؤمن ابتداءً بسنة الخالق في الاختلاف والتنوع ولا حق الاختيار
مؤكداً أن الوئام الإنساني ضرورة تكامل بقائه وكرامة ذاته، وأننا عندما نتفهم خصوصية بعضنا نحو القناعة الدينية والمذهبية والثقافية (والفكرية عموماً) نصل إلى مستوى عالٍ من الحكمة والتحضر.
وأضاف: لقد كرم الإسلام بني الإنسان وضمن لهم حرية الاختيار ابتداء وأرشدهم إلى مكارم الأخلاق.
وتابع د.العيسى: قيم العدالة والأخلاق ليست رهن نظريات ولا سياقات معينة ومشتركاتها عديدة، وقال: إن أسرى التاريخ وأسرى رجاله هم في التحول والإبداع رهن زمن مضى خلدوه وعكفوا عليه، والحكمة أياً كان مصدرها هي مطلب العقلاء، ما أحوجنا لجودة حياتنا وإنسانية وجودنا وصولاً لعدالتنا الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، وما أجمل أن تكون القيم بحسب كل سياق مدونة في دساتير الأمم ترجع إليها عندما تتيه أمام تيارات الانسحاب الإيماني، وتابع: الانسحاب الإيماني جعل كوننا المدهش محسوباً على خيال عدمي عبثي ناسياً عندما أنكر غيبيات الإيمان أنه وقع في إيمان أشد غيباً من غيبه المجحود، القيم ترسم مسار المصالح لا العكس، والقيم تمنع طغيان البراغماتية المفتوح دون سقف على حساب قيم الطوباوية الإيجابية.
مشهد التطرف العنيف لم يؤمن بحق الوجود للمخالف
وزاد معاليه: ندعو في سياق تنوعنا الحاضر إلى المحافظة على قيم فطرتنا الإنسانية المشتركة التي لا تعبر عن خاصية دينية ولا فكرية ولا ثقافية معينة.
وأضاف: يجب أن نحافظ على طبيعة إنسانيتنا حتى لا تتحول إلى طبيعة أخرى فيختل وضعنا البشري على أرضنا المشتركة، غالب قيم العدالة والأخلاق مشتركات إنسانية لا خلاف حولها، الحوار البناء والفعال يقضي على العزلة الإنسانية التي ولدت الكراهية والتطرف والتطرف المضاد، والكاسب في معركة الكراهية والإقصاء مرحلي فقط خاسر في نهاية مطافه، وقد ضمنت سنة الخالق استدامة مجتمع القيم وبركته وسعادة أهله، وأنه يجب علينا أن نتقاسم معاً مشتركات الفضائل وهي كثيرة.
الوئام الإنساني ضرورة تكامل بقائه وكرامة ذاته
وتابع: أصل الأديان بريء من حروب ظالمة واضطهادات مورست باسمها ومن إعاقة مسيرة المعرفة والتنوير في الشرق والغرب، وأن الصراع الدامي عبر امتداده الزمني تحت أي شعار كان لا يتحمله سوى أفراده وجماعاته المباشرة له، وعالمنا بحاجة إلى تنوير في العدالة والقيم بحجم ما وصل إليه من التنوير في مكتشفات المادة وقوانين التنمية، والعقل البشري الذي أدرك المعارف المادية لا يزال جريحاً في مادة القيم بمشتركاتها التي نتفق عليها جميعاً، مضيفاً: كلما استوعبنا حكمة تنوعنا الإثني كنا على يقين بأنه مصدر تكامل وتعان وإثراء لا كراهية وتخوف وإقصاء.
وهذا نص كلمة معاليه: نجتمع ونحن أحوجُ ما نكونُ لدعم وئامنا وتعايُشنا في سبيل تحقيق المزيد من إسهامنا في بنائنا الحضاري؛ لنملأَ بقُوَّتِنا الناعمةِ فراغَهُ الشاغر.
عندما نتفهم خصوصية بعضنا نحو القناعة الدينية والمذهبية والثقافية والفكرية نصل إلى مستوى عالٍ من الحكمة والتحضر
إن الإنسانية لا تزالُ تعاني من هذا الفراغ حتى اليوم، حيثُ خلَّف وراءه متاعبَ مدفوعةَ الثمن من قيمنا وسَلامِنا ومحبتنا وتعاوُننا، بل ومن مستقبلِ أجيالنا.
وكل ذلك يَصُبُّ في أواصرِ رابطتنا الإنسانية والأخلاقية، ولا بد أن نكون أقربَ لوصفنا الإنساني والأخلاقي؛ فكلما ابتعدنا عنه، كلما فقدنا قدراً من استحقاقنا لهذا الوصف بقَدْر الهَجْر والبُعد.
كرم الإسلام بني الإنسان وضمن لهم حرية الاختيار ابتداءً وأرشدهم إلى مكارم الأخلاق
عندما نتأمل في تاريخ الصراع الديني والثقافي بين بني النفس البشرية الواحدة، نجده يعود إلى صِيْغَةِ تفكيرٍ خاطئةٍ، لم تؤمنْ ابتداءً بسُنَّة الخالق جل وعلا في الاختلاف والتنوُّع، ولا حقِّ الاختيار الحُر.
بل وفي بعض مَشْهَدِ تَطَرُّفها العنيف لم تؤمن حتى بحقِّ الوجود، وما يجب أن نتعاملَ مع ذلك التنوع في بعض سياقاته الفكرية والثقافية باعتباره شكلاً مهماً من أشكال الثراء والإبداع.
قيم العدالة والأخلاق ليست رهن نظريات ولا سياقات معينة ومشتركاتها عديدة
كما لم تؤمن ثانية أن تسامُحَها وتعاوُنَها ضرورةٌ من ضرورات تكامُلِ بقائها، وكرامَة ذاتها، (والتاريخُ الإنسانيُّ شاهدٌ على ذلك بتفاصيلَ مؤلمةٍ تحكي وقائعَ همجيةِ التَّطرُّف ووحشيةِ الإرهاب الناتجِ عن هذا العته العقلي).
عندما نتفهم خصوصية بعضِنا نحو القناعة الدينية والمذهبية والثقافية، بل والفكريةِ عموماً، نَصِلُ إلى مستوىً عالٍ من الحكمة والتحضر.
أسرى التاريخ وأسرى رجاله هم في التحول والإبداع رهن زمن مضى خلدوه وعكفوا عليه
ودين الإسلام (ونحن هنا نتحدث باسم الشعوب الإسلامية المنضويةِ تحت رابطة العالم الإسلامي) كرَّم بني الإنسان، وضَمِنَ لهم حُريةَ الاختيار ابتداءً، وأرشدهم إلى مكارم الأخلاق حيث قال نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
ولعلنا نتفاءل كثيراً عندما نُحسن الظن بعزائمنا التي تُترجمها مثلُ هذه اللقاءات؛ لنرى بكل استشرافٍ، أن عصرنا هو عصرُ الفلسفة السياسية والأخلاقية، بعد أن أنهكتِ البشريةَ الصراعاتُ الدينيةُ والمذهبيةُ والثقافيةُ والسياسية، مُخلّفةً وراءها تاريخاً يَفتقدُ الوعيَ الحقيقيَّ بقيم العدالة والأخلاق، التي لا تقف عند نظريات أرسطو وأفلاطون وابنِ رشدٍ وغيرِهم من فلاسفة الحركة الإصلاحية في عصور الانتفاضة الفكرية "من زمن لآخر".
الكاسب في معركة الكراهية والإقصاء مرحلي فقط خاسر في نهاية مطافه
بل إننا جميعاً نختار ما يناسبُ قناعتَنا المشتركة التي تضمن لنا وئامنا وتعايُشَنا وتبادُلَنا الإنسانيَّ والحضاري دون أن نكون أسرى ظرفٍ أو سياقٍ معين، لا يناسب إلا وقتَهُ.
وإذا جاز القول إن الأحوال والظروف الخاصة (عبر امتداد التاريخ البشري) تتطلبُ قوانينَ وقيماً خاصة تقبل التحول والتغير، ولا تكونُ مُقَلِّدَةً لنظريات صُمِّمت لغير وقتها، فإن زمننا أولى بهذا القول في كثير من أحواله.
ولا شك أنَّ أسرى التاريخ، أو أسرى رجالِه هم في التحول والإبداع والتصحيح رهنُ زمنٍ مضى خَلَّدُوْهُ وعكفوا عليه.
ومع هذا فالحكمة أياً كان زمنُها ومكانُها ورجالُها هي مطلب العقلاء، بل هي البُعد الغائب والحلقة المفقودة في كثير من أحوال عالمنا اليوم، والحكمة تقول: "الحق لا يُعْرَفُ بالرجال وإنما الرجال يُعْرَفُون بالحق، لكن رجال الحق أهل تقدير وإجلال".
الحكمة أياً كان مصدرها هي مطلب العقلاء
ما أحوجَنا لجَودة حياتنا، وإنسانيةِ وجودِنا وصولاً لعدالتنا الاجتماعية والسياسية والأخلاقية.
وما أجمل أن تكون تلك القيمُ بحسب كل سياق مُدونةً في دساتير الأمم، ترجع إليها (عندما تتيه) أمام تيارات الانسحاب الإيماني.
هذا الانسحاب الذي جعل انسجام كوننا المدهش بمادته الملموسة محسوباً في ظن البعض على خيال عَدَمَيٍّ عبثي، ناسياً عندما أنكر غيبيات الإيمان أنه وقع في إيمانٍ أشدَّ غيباً من غيبه المجحود.. وهي متلازمة عجيبة تلتصق بتلك الحالة من الانسحاب.
ضمنت سنة الخالق استدامة مجتمع القيم وبركته وسعادة أهله
وكذلك أيضاً (عندما تتيه) أمام الانسلاخ من القيم، ثم تطلبها فلا تجدها حيث لا تَحَاكُمَ حينئذٍ إلا للنص الدستوري أو القانوني المجردِّ منها.
وأذكر في هذا قصة لصديق يعمل أستاذاً للقانون الدستوري في جامعة عالمية مرموقة، وقد تألم كثيراً من التشريع في بلده، فسألتُه وإن كنتُ أوافقه في الاعتراض من حيثُ المبدأُ الأخلاقي، ما وجهُ اعتراضِك عليه؟.
ما أحوجنا لجودة حياتنا وإنسانية وجودنا وصولاً لعدالتنا الاجتماعية والسياسية والأخلاقية
فقال: إنه يخالف قيمنا المجتمعية والأخلاقية والروحية، فأجبته لماذا لم تدونوا ذلك في دستور الأمة لترفعوا الحرج عن رجال العدالة وهم ينظرون في دستورية هذا التشريع؟.
إننا متى انتهينا إلى أن المصالح تنشأ عنها القيم، فتُصَمِّمُها على مقاسها المادي، مخالفةً النظريةَ الصحيحة، أن القيم هي التي ترسِم مسار المصالح وتُرْشِدُها لِتَمنع طغيان البراغماتية المفتوحِ دون سقفٍ على حساب قيم الطوباوية الإيجابية، فإننا حتماً سنعود إلى حالة الصراع والصدام، ليس مع مجرد تلك القيم، بل مع الفطرة البشرية التي استقام معها ناموسنا الكوني من بدء الخلق حتى اليوم.
ما أجمل أن تكون القيم بحسب كل سياق مدونة في دساتير الأمم ترجع إليها عندما تتيه أمام تيارات الانسحاب الإيمان
ولذا فنحن لا نفترضُ أن يكون الناسُ جميعاً على دين أو مذهب أو فلسفة أو فكر واحد؛ فديننا الإسلامي علمنا بنص صريح أن ذلك مستحيل، ومنطقُ العقل والوعي يؤكد ذلك، وهذا كله لا يُضيع الحقيقة، ولا يعذرنا عن إيصالها.
ولكننا ندعو إلى المحافظة على قيم فطرتنا الإنسانية المشتركة التي لا تُعَبِّرُ فقط عن خاصيةٍ دينيةٍ، ولا فكريةٍ، ولا ثقافيةٍ معينةٍ، بل عن إنسانيتنا كبشرٍ، ميَّزنا الخالقُ بعقولنا وقِيَمِنا المشتركة عن بقية المخلوقات.
القيم ترسم مسار المصالح لا العكس
إننا يجب أن نُحافظ على طبيعةِ هذه الإنسانية، حتى لا تتحول إلى طبيعةٍ أخرى، فَيَخْتَلَّ وضعُنا البشري على أرضنا المشتركة المهددةِ قبل الإخلال بتوازنها البيئي بنَسْفِ قِيَمِ توازن عدالتها وأخلاقها.
لم تسعد الشعوب ولا الدول ولا البشرية جمعاء في رغدها وأمنها واستقرارها إلا عندما حَفِلَتْ بالعدالة والأخلاق.. وهي في كثير منها قيم إنسانية مشتركة.
والاختلاف الديني والثقافي في تلك القيم لا يطال في الغالب هدفَها المعيشيَّ البحت، أما الجوانب الروحية فلكلٍّ منا فيها قناعتُهُ الإيمانيةُ التي يجب تَفَهُّمُها.
نخلُص بعد هذا إلى أهميةِ تواصلنا الحضاري وتبادِلنا الثقافي من خلال الحوار البناء والفعال، لنقضي على العُزلة الإنسانية التي وَلَّدَتْ الكراهية والتطرفَ، والتطرفَ المضادَّ.. والكاسبُ فيها إنما هو كاسب مرحلي فقط.. "خاسرٌ في نهاية مطافه".
وعلى جميع العقلاء أن يَعُوا أن التنافس الحقيقي إنما يكون في سياق القيم والعمل الشريف وهو الذي ضمنت سنة الخالق جل وعلا استدامتَهُ وبركتَهُ وسعادةَ أهلِه.
يجب علينا أن نستوعب بشكل دقيق مفهومَ الفضائل في ثقافة كل أمةٍ وحضارةٍ، بل في كل بلد.
كما يجب أن نتقاسمَ معاً مشتركاتِ الفضائل وهي كثيرة جداً، ومِنْ ثَمَّ نعمَلَ عليها.
هذا الاستيعاب يُجنبنا الصدامَ بصُوَرِهِ كافة، نقول هذا لنُقرر أن الأديان عبر تاريخها كانت بريئة من حروب ظالمة، واضطهاداتٍ مُورِسَتْ باسمها ورُفعت بها (كذباً وزوراً) رايةَ الربّ جل وعلا، وبريئةً كذلك من إعاقةٍ لمسيرةِ المعرفة والتنوير، مورست أيضاً باسمها في الشرق والغرب.
كما يجب أن نُقرر أيضاً أن التاريخ والصراع الدامي عبر امتداده الزمني تحت أي شعار كان لا يتحمله سوى أفرادِه وجماعاتِهِ المباشرةِ له.
ونُقرر كذلك من جانبٍ آخر أن عالمنا بحاجةٍ إلى تنوير في العدالة والقيم بحجم ما وصل إليه من التنوير في مكتشفات المادة وقوانين التنمية، وذلك أنَّ تجاوزَ زمننا لعُصورِ الانحطاط لم يَتَوَشَّح بالقدر اللازم من رداء العدالة والقيم.
وعلى المنظومة الدولية من خلال رابطتها الأممية أن تدرك أهمية هذا الأمر وتعملَ عليه بقرارات ومبادرات فاعلة وجادة.
إن العقل البشري، وقد بلغ ما بلغ من المعارف المادية، لا يزال جريحاً في مادة القيم بمشتركاتها التي نتفق عليها جميعاً.
إننا كلما أدركنا معنى: "نفسِنا البشرية الواحدة" والتي خاطبنا الخالق بها فقال: "ولا تقتلوا أنفسكم".
وكلما اتسعت آفاقنا، فأدركنا طبيعة الاختلاف البشري، وضرورةَ احترمِنا لحُريات بعضنا البعض، وأدركنا كذلك طبيعة تنوعنا بوجه عام.. وتَفَهَّمْنَا ذلك بوعي كامل.
وكلما استوعبنا أيضاً حكمة تنوعنا الإثْنِي، وكنا على يقين أن المشهد الغالب لذلك التنوع هو في حقيقته مصدرُ تكامُلٍ وتعاونٍ وإثراءٍ، لا كراهيةٍ وتَخَوّفٍ وإقصاء.
عندما نكون على مستوى هذا الوعي فإننا سنكون أقرب إلى إسعاد البشرية، وتحقيق أملها المنشود، وتجاوز معاناتها التي تزداد من حين لآخر بالرغم من تقدمها المعرفي والتقني وعولمتها الشاملة وبالرغم أيضاً من رابطتها الأممية.
وختاماً نؤكد من خلال هذا المحفِل المهم، أن 10 % فقط من مشتركاتنا كافية لإحلال السلام والوئام في عالمنا.
وأننا بالوعي المنشود نستطيع مواجهة كافة أساليب الهيمنة الفكرية والثقافية التي لا تَطْرَحُ رؤيتها في سياق حضاريٍّ وأخلاقيٍّ يستدعي حُرِّيةَ الاختيار.
وإنما تَحْمِلُ في أجندتها همجية الفرض لذات الفِكْر، أو توظيفِ الفكر لأهداف أخرى، وللتاريخ مع أولئك عظة لا تُنسى، لكن من يَسْلُك هذه المسالكَ لا يتَّعظُ حتى بنفسه.
وفي ختام مشاركته قال معالي الشيخ العيسى في حديث لوسائل الإعلام: وجدنا إشادة عالمية في هذا المؤتمر الذي يضم كبار أتباع الأديان والثقافات، وعدداً من المفكرين والسياسيين والإعلاميين البارزين وجدنا إشادة كبيرة بمركز الملك سلمان للسلام العالمي، وتعويلهم الكبير عليه في إرساء معايير السلام بمنطلقات العدالة والوسطية والاعتدال الذي تتوافق عليه دولتا التأسيس وهما المملكة وماليزيا، مؤكداً أن خطاب المملكة ومنهجها المعتدل وضع الأمور في نصابها الصحيح.
د.العيسى يلقي كلمته في الحفل
الشيخ صالح ابن حميد ومفتي مصر خلال حضورهم المؤتمر
جانب من الحضور الكبير للمؤتمر
Your browser does not support the video tag.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.