منذ أن أعلنت حركة النهضة الإسلامية انخراطها في المشروع المدني في تونس، إثر فقدانها زعامة المشهد السياسي، وإجبارها على ترك سدة الحكم، تعالت الأصوات المحذرة من تصديق التوجه الجديد الذي أعلنته هذه الحركة، وتوجست بعض الأحزاب خوفاً باعتبار النهضة غير صادقة ولا يمكن ل"محمية قطر" أن تتخلى عن مشروعها "الإخواني"، مؤكدين أن ذلك مهادنة وقتية ومراوغة لفك الحصار المضروب عليها. وقد تأكدت هذه الهواجس خلال الجدل الذي عمّ الساحة التونسية مؤخراً إثر إعلان الرئيس الباجي قائد السبسي تكوين لجنة للنظر في بعض المسائل الاجتماعية؛ حيث تواردت أنباء حينها حول زيارات لمسؤولي "النهضة" للخارج ولدولة قطر بالخصوص، بالتزامن مع انتفاضة الحركة ودعوة رئيسها راشد الغنوشي نوابه في البرلمان إلى تقديم مقترح لإحياء قانون الأوقاف والأحباس الذي ألغاه بورقيبة في العام 1957. وذكرت صحيفة الشروق التونسية أن دعوة الغنوشي "هي رسالة واضحة لقواعد حركته عن فك ارتباطه من جهة مع رئيس الجمهورية من جهة، وتمسُكه بجوهر مشروع الحركة الإسلامية في كل مراحلها من جهة ثانية، وقانون الأحباس والأوقاف الذي تعود النهضة لإحيائه من جديد هو من أجل استعادة المؤسسة الدينية سلطتها المالية لبناء الدولة حسب تصورها وهو الهدف الأساسي الذي "تناضل" كل التيارات الإسلامية منذ تأسيس تنظيم الإخوان المسلمين في مصر سنة 1928 للوصول إليه". وبنت حركة النهضة مشروعها منذ ظهورها على محاربة مخالفيهم واجتثاثهم وسحلهم في الشوارع كما قال القيادي في الحركة الصحبي عتيق في 2013 وحافظت الحركة على هذا الخطاب في حملاتها الانتخابية منذ 2011، ويبدو أن استعادة الغنوشي لهذا الخطاب لا يأتي رداً على قائد السبسي فقط بل هي مساندة ضمنية وإعلان عن انطلاق الحملة الانتخابية للحركة استعداداً للبلديات التي تراهن الحركة على الفوز بأكبر عدد منها في انتظار الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2019، وذلك في ظل الدعم الكبير الذي تلقاه من قطر والذي بات كابوساً لبقية الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في تونس. وما ربطة العنق التي ظهر بها الغنوشي مؤخراً "في مظهر غير مألوف" وتوقيع حركته على ميثاق 18 أكتوبر 2005 الذي ينص على الحفاظ على مكاسب المجتمع التونسي وتصريحات بعض قياداته ذات النفس "الحداثي"، والفصل بين الديني والدعوي في المؤتمر الأخير للحركة تبين مرة أخرى أنها ليست أكثر من فقاقيع إعلامية غايتها استقطاب القوى الحداثية، فالحركة مازالت حركة راديكالية معادية لقيم الجمهورية رغم كل ما تدعيه، وتصريح الغنوشي رسالة واضحة تؤكد هوية الحركة وحقيقتها.