تسلط الصحافة السعودية وفي يوم واحد الضوء على متناقضات عدة. وتتباين تلك المتناقضات بين الوجهين السلبي والايجابي، وبين الماضوي والاستشرافي والذكوري والانثوي والفقر والغنى الى آخر تلك القائمة من المتضادات. ولعل مطلع هذا الاسبوع شهد مثل هذا الامر فيما يتعلق بالتحقيق الصحفي حول حضور وغياب الاكاديمي السعودي عن هموم وتطلعات المجتمع. وهو امر يفرح بسبب الاهتمام الاعلامي ومحزن في تضاده لما يخرج عنه من صورة سوداوية لدور الجامعات في خدمة المجتمع. فعزوف الكثير من الاكاديميين عن الساحة الإعلامية امر طبيعي مفاده ان تكوينهم العلمي هو لساحات اخرى ليس الاعلام من ضمنها الا اذا كان مرتبطا بالنشر العلمي. نعم نقول هناك غياب كبير وواضح لبعض جامعاتنا عن ساحة المنجزات العلمية وهو ايضا امر طبيعي عندما ترهق الجامعات بمحور التدريس اكثر من محوري البحث العلمي وخدمة المجتمع، وبالتالي سيكون الغياب الاعلامي للجامعة واعضاء هيئة التدريس فيها عن قضايا المجتمع امرا طبيعيا ومنطقيا. ويتناقض ايضا مع الكثير من الاخبار العلمية التي تصدر عن الجامعات السعودية. وهنا اتمنى ان يكون هناك بوابة للنشر العلمي المستمر تنطلق من مؤسساتنا الاعلامية وليس الانتظار لبيان صحفي يصدر من العلاقات العامة بالجامعات او تقرير يتم نشره عبر خدمة وكالة الانباء السعودية. ولذا لو بحثنا في مؤسساتنا الاعلامية عمن يشغل وظيفة المحرر العلمي لوجدناه من المتعاونين وربما بالقطعة. وهو هنا لا يقدم الا ما يراه من خدمة اعلامية تحقق له العائد وضمن فنون اعلامية لا يكون الخبر او التحقيق الاستقصائي من ضمنها. ولو تأملنا طبيعة الخبر الذي يجمع تعاون ثلاث جهات سعودية علميا في تأسيس مركز "استدامة" لتطوير ابحاث الزراعة المستدامة في المملكة. وهذه الجهات هي وزارة الزراعة المعنية بتطوير الزراعة وشركة سابك المعنية بالتشغيل وجامعة الملك سعود المعنية بالابحاث العلمية. فهذا التعاون العلمي لم يظهر في معظم وسائل الإعلام المحلية، وعندما ظهر كان على شكل تقرير من تلك الجهات المعنية بالتعاون. وهنا اتمنى الا تغيب المتابعة الاعلامية لمثل هذا النشاط الذي يعطينا الكثير من التفاؤل في هذه الحقبة الرمادية بل والسوداوية احيانا والتي تأتي من محيطنا العربي. فنحن نريد رئة نتنفس بها علميا ومعرفيا وتجذب التعاون بين مؤسساتنا الوطنية. فكلما تعددت اطراف التعاون بات الكشف الاعلامي عن المنجز اكثر يسرا وسهولة، بل وحتى النقد الموجه سيكون في يسر وسهولة لتوجيه اصابع الاتهام بالتقصير. ما يهمنا اعلاميا من مركز استدامة هو العائد الذي سيتحقق للوطن بعد خمس سنوات، ومنها تطوير تقنيات في مجال الزراعة المستدامة قابلة للاستثمار والتسويق، وتشجيع قيام صناعة وطنية في هذا المجال، ونقل وتوطين التقنية بالاضافة للكثير من البنود العلمية للابحاث والدراسات. فقط ركزت على ثلاثة جوانب تهم الاعلامي عند بحثه الاستقصائي الذي يفترض ان تسعد له تلك المؤسسات. وهذا حافز اعلامي ومؤسسي لتعاون مشترك يخدم المصلحة الوطنية بعيدا عن المساجلات العقيمة التي تظهر بين الحين والاخر في وسائل اعلامنا وكأن هناك حالة من الصدام المستمر وهو غير صحيح. مركز استدامة نموذج لمراكز ابحاث علمية ومذكرات تعاون وتمويل للجامعات السعودية لا تذكر الا عند توقيع العقد وصدور البيان الصحفي وبعدها يموت المشروع ولا يظهر المحرر العلمي. ولعل من المناسب ان تتبنى بعض الجهات تمويل برنامج للمحرر العلمي بالتعاون مع وكالة الانباء السعودية ووكالة الجامعات للدراسات العليا والبحث العلمي حتى يمكن ضخ الكثير من الدماء العلمية للمؤسسات الاعلامية حتى ولو من باب التعاون المدفوع من المؤسسات العلمية بالتساوي مع المؤسسات الاعلامية. فالمجتمع بحاجة الان اكثر مما مضى لابراز صورة مؤسساتنا العلمية والتي باتت تحتل مراكز الصدارة في تصنيف الجامعات اقليميا وعالميا. وهو امر جدير ان ينعكس لدى الجمهور ليعرف مبررات ذلك التميز ويجيب عن اسئلة لحاق بقية الجامعات بركب التميز العلمي. ولعل صورة هذا الضعف والغياب للاكاديمي عن هموم المجتمع، وغياب المحرر العلمي عن الجامعات ومؤسساتنا الاعلامية يقع ضمن دائرة الحكمة الموقظة والتي تقول "الذي ينتصر على غيره قوي ولكن الذي ينتصر على نفسه أقوى". [email protected]