هناك خيط رفيع بين التوجيه النبوي في الحديث "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها"، وبين التقليد الموجب للحذر كما في التوجيه النبوي "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه". وفي عالم التسويق وإدارة المناسبات في الشأن العام وغيرها بات التقليد هو السمة الأسهل دون تمحيص أو تدقيق، بل وحتى مراجعة للتبعات. والأخطر من هذا أن التقليد بات يترعرع في مؤسسات أكاديمية يفترض فيها أن تشجع على الإبداع لا على جلب الإسفاف.. فعلى سبيل المثال شهدت الرياض الأسبوع المنصرم مناسبات عدة يتجسد في بعضها الإبداع ويكشف الآخر عن وجه التقليد، بل والمناسبات برمتها تكشف عن وجه الركود والخمول في مؤسسات أخرى وينتظر منها أن تكون أكثر حيوية. ولعل مناسبة بائسة من ضمن هذه المناسبات تكشف عن وجه التقليد السيء الذي لا ينقل تقليدا مميزا أو يأخذ بعين الاعتبار خصوصية المجتمع. ففي تقليد احتفالي وتسويقي عقد في الرياض ما يسمى باحتفالية أطعمة الشاحنات.. وهي عبارة عن مشروعات شبابية لتقديم خدمات التغذية.. ولكن المناسبة لم تكن على مستوى التوقع ممن حضرها وهو يبحث عن الحكمة في مشروع اقتصادي سهل التنفيذ، ولكنها كانت من ضمن مناسبات دخول جحر الضب. فقد كانت بالنسبة لبعض الشباب فرصة لاستعراض ملابس وقصات شعر وسيارات.. وهنا يجب أن نقف عند حدود مراجعة من يمنح التصاريح لمناسبات تبدو على الورق أنها تقدم إضافة نوعية لأفراد المجتمع ومؤسساته، ولكنها عند التطبيق مناسبة لا تخلو من خدش في ثقافة المجتمع المحافظ. قد يتفق ويختلف معي الكثير في هذا الطرح، ولكن أقول من أراد أن يستعرض فلا يتم تحت غطاء تنظيمي خداع وفي مؤسسة أكاديمية.. فتنظيم المناسبات مسؤولية كبرى وتوليها المجتمعات والمؤسسات؛ بل وحتى التخصص العلمي أهمية تستحقها.. وبالتالي لا نستخف بالمجتمع وعقول الناس تحت مسميات تسويقية مبتذلة. أخشى أن تصبح هذه المناسبات -التي باتت تجد طريقها بسهولة للجامعات الأهلية والمدارس الخاصة- ثقافة سنوية مثل بعض المهرجانات الأوروبية البائسة والتي منها "مهرجان قذف التيوس" أو "ضرب رأس ذكر الوز"، وغيرها من المهرجانات التي لن نغلب في جلبها طالما غابت الحكمة ودفعتنا الشركات لدخول جحر الضب عبر مؤسساتنا العلمية. [email protected]