سجل حج المسلمين الصينيين إلى مكة تاريخاً طويلاً يرجع إلى ما قبل عهد أسرة مينغ الملكية، لكن بسبب الظروف الاقتصادية ووسائل النقل المحدودة، كان عدد المسلمين الصينيين الذين أكملوا أداء فريضة الحج بنجاح قليلاً جداً قبل تأسيس الصين الجديدة. وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وتحديداً في خمسينيات القرن الماضي، تكوَّنت البعثة الصينية المشاركة في الحج سنوياً من عشرات الأشخاص، وفي الثمانينيات تجاوز العدد الألفين، وكان عليهم السفر على متن الرحلات الجوية الباكستانية والمرور بكراتشي للحصول على التأشيرة لدخول السعودية (لم تكن العلاقات الدبلوماسية بين الصين والسعودية قد تأسست في ذلك الوقت)، وكانت ظروف الأكل والسكن والنقل صعبة جداً. الحكومة الصينية أولت اهتماماً بالغاً بقضية حج المسلمين الصينيين بشكل تزايد معه عدد الحجاج الصينيين سنوياً، وذلك بفضل الدعاية وتنفيذ أعمال الحج المنتظمة، فبدأت الجمعية الإسلامية الصينية تنظيم بعثة الحج للمسلمين الصينيين للذهاب إلى مكةالمكرمة لأداء فريضة الحج مشتملة جميع العمليات والإجراءات اللازمة، بدءاً بالتسجيل والتحقق من البيانات الشخصية وتجهيز جوازات السفر والتأشيرات، مروراً بإخضاع الراغبين في الحج للتدريب والتعريف بمستلزمات الوقاية الصحية، انتهاء بالتنظيم الشامل لضمان عودتهم إلى بلادهم سالمين، وغيرها، وكل ما سبق أدى إلى تحسُّن وضع الحجاج الصينيين كثيراً تحت رعاية وإرشادات الجهات الصينية المعنية بالشؤون الدينية. وفي هذه السنة، استضافت السعودية نحو 14.5 ألف مسلم صيني لأداء فريضة الحج، وشهدت أعمال الحج سلسلة من التقدمات الجديدة، على رأسها ضمان سلامة وراحة الحجاج بشكل فاعل، وقد قدَّمت الجمعية الإسلامية الصينية عدداً من التسهيلات للحجاج، بدءاً بتنظيم رحلات مباشرة إلى المدينةالمنورة بطائرات مؤجّرة، وانطلاقها مباشرة من المقاطعات التي يتجاوز عدد الحجاج فيها ألف شخص، وإقامة الجميع في الفنادق ذات النجوم قرب المسجد النبوي في المدينةالمنورة، إلى جانب خدمة تقديم الأطعمة رفيعة الجودة بشكل سهل، ونقل الحجاج وأمتعتهم بشكل منفصل من المدينةالمنورة إلى مكةالمكرمة، وتسخير الحافلات الفاخرة والجديدة لخدمتهم، وغيرها. كما أنشأت البعثة 5 غرف للعلاج الطبي في مقرها بمكةالمكرمة تحت إشراف مختصين بصحبة أكثر من 50 طبيباً وممرضاً وعدد من الشباب المتطوعين الذين جرى تدريبهم على قدرة الحوار باللغة الإنجليزية والعربية لتقديم الخدمات الطبية على مدار الساعة وتقديم الخدمات الدقيقة والشاملة للحجاج في الوقاية الطبية وتنظيم الحج. والسفارة الصينية لدى السعودية والقنصلية الصينية العامة في جدة توليان أعمال بعثات الحج اهتماماً بالغاً وتدعمهما دعماً قوياً، وتنسقان في سبيل ذلك مع الجهات السعودية المعنية من أجل تسوية الموضوعات المتعلقة، مثل: معايير رسوم خدمات الحج ودخول الحجاج ودخول أدوات المطبخ وبطاقات المطار وغيرها. وخلال فترة الحج، سافر السفير الصيني لي هوا شين إلى مكةالمكرمة لزيارة الحجاج الصينيين المنتسبين لبعثة الحج الصينية، كما قدمت السفارة والقنصلية الصينية على مدار أيام الحج مساعدات كثيرة وسخرتا جميع إمكانياتهما خدمة للحجاج. وبعد انقضاء موسم الحج لهذا العام كما اعتدنا عليه بكل يسر وسهولة، أتوجَّه نيابة عن الصين، حكومة وشعباً، بالشكر الخالص للحكومة السعودية وجهات الخدمات المختلفة، لرعايتها ومساعدتها الحجاج الصينيين، وهذا غير مستغرب على حكومة حازت أعمال استقبال وخدمة الحجاج والمعتمرين اهتماماً بالغاً من لدنّها، وأوعزت في سبيل ذلك إلى جميع الجهات المعنية لرفع نوعية الخدمات، الأمر الذي قدم للحجاج بشكل عام، والصينيين منهم خاصة، خدمات مميزة وعلى مستوى عال من الاحترافية والرقي، وهو الأمر الذي يتقاطع مع "رؤية السعودية 2030" التي أقرَّتها الحكومة السعودية مؤخرا، والتي أُدرج بين بنودها العمل على تحسين خدمة الحج والعمرة.