آلامنا واحدة.. وأوجاعنا مشتركة.. ولذلك نحن معاً.. نتشابه في كثير من الأشياء المؤلمة.. توحدنا المرارة.. التي طالما شعرنا بها ولم نبحث عن أسبابها.. نتوارى داخل الأنماط السقيمة.. وكأنها طريق الخلاص مما نحن فيه.. دون مبررات نجد أنفسنا ننحاز لمن يحملون نفس آلامنا، نقترب ممن يتوقف آفق الحياة أمامهم على سكة الألم المشترك، وكأنه قاعدة غير قابلة للتغيير، وغير خاضعة للتلون بألوان الحياة الاعتيادية..! ثمة أسئلة ثابتة ولايمكن إدخالها في دائرة التغيير لأنك بعد طرحها أو محاولة تغييرها تتجاهل الأصول المسببة لها وهي الاستكانة داخلها بصمت وتماه وكأنها أحلام إنسان لاتتوقف عن التمدد أمامه ولكن تعود وتغيب في إطار استحالة بنائها أو تحققها..! زمان كان هناك مثل لاتحاول أن تستقرئ طياته فهي واضحة "إتلم المتعوس على خايب الرجا" والمثل يقصد أن شخصا ضعيفا وعاجزا عن التفكير انضم لضعيف مثله.. أحدهما تعيس ومحطم ربما لفترة مؤقتة والآخر ليس له رجاء في الحياة أو أمل يرتكز عليه أو يسعى نحوه، وبدلاً من أن يبحث المتعوس عن شخص قوي يبدد تعاسته ويسعده ويبعده عن مشكلاته، لم يجد سوى شخص فاقد الأمل وبدون رغبة في الحياة التي تحولت إلى رتابة يومية، يعيشها دون أن يفكر في الخروج منها وكأنها هي الواقع المتاح أمامه وليس هناك حياة أكثر اتساعاً وأجمل وأحلى عليه أن ينظر إليها من الجانب الأمامي المغلف بالأمل.. "إتلم المتعوس على خايب الرجا" مثل مصري شهير.. بمعنى أننا مثل بعض أنا وانت لافرق بيننا في التعاسة أو الغوص في الهزيمة، قاموسنا من الانكسار واحد وقراءتنا للمشهد متشابهة.. بأنه لا أفق ممتدا يستحق أن ننظر إليه أو حياة أفضل ينبغي أن نبحث عنها ونخالف نمط الاستسلام للفراغ والألم والتعاسة التي داهمتنا وسقطنا داخلها، وكأنها هي الأصل ولا يوجد خارجها ما يستحق أن ننظر إليه..! في التعاسة يذوب المتعوس في حضيض تعثره، ويراه هو المحيط الواسع الذي عليه أن يسبح فيه ويصل إلى لاشيء بعد مشوار طويل من السباحة.. يستسلم للهزيمة أياً كانت حتى ولو كان هناك إمكانية لمغادرتها والهروب منها، تغيب مفرداته ولا يجد مايقوله ليس للناس ولكن لنفسه بالدرجة الأولى، يشعر بأنه خسر كل شيء رغم أن الخسارة في كثير من الأوقات نسبية وغير مؤثرة، ومن الممكن السيطرة عليها وتجاوزها بسهولة دون أي إحساس بالقلق أو الخوف من تأثيرها المستقبلي عليك، لكن هذا التجاوز يعتمد على التحمل والرغبة في التجاوز وكيفية إدارة ما أنت فيه وتفهمه في البدء ومن ثم تجاوزه بشجاعة مهما كانت قوته، والمغادرة دون خسائر واضحة أو مؤثرة، بإمكانها أن تفتح مستقبلاً بعض الأبواب المغلقة وتجعلها العنوان الرئيسي للصورة التي تعيشها..! هذا المتعوس الذي تواءم مع تعاسته التي آمن بها وصدّق أنها الحياة ستجده يبحث دون إدراك ودون تركيز عن شخص متعوس يشابهه في كل شيء "فالطيور على أشكالها تقع" يلتقي به ومعه في لغة مشتركة وهم واحد وإحساس واحد وجهه الحقيقي تصدير الأزمة التي يعيشها كلٌ منهما للآخر، يتبادلان لوم الحظ، ويرثيان الزمن المرير الذي جار عليهما كثيراً وخلا من الإنصاف وظلت أحكامه بالتعاسة عليهما سارية المفعول وثابتة وكأنها حكاية من حكايات الزمن الأليم.. يشتكي له خيبته ويصدّر له مرارته، ويحكي عن أحلامه القديمة التي غابت وحلت محلها خيبات كثيرة، بملامح كارثية يستطيع أن يلمحها دون أن يراها أو يفعل شيئاً لتحاصره.. بسرعة وتسكن داخله وبجانبه.. أما الآخر المستمع فهو يتسربل بأوجاعه ويعيش داخلها، لأنه المتعوس الذي يشعر أنه يعيش في مدينة الظل التي لا تشرق عليها الشمس ولا تغمرها الأيام الحلوة، ولا تصل إليها الحياة العادية، يتمسك بالآخر وكأنه يتحاشى السقوط، ويتمسك بالآخر الذي يحميه من القاع..! يلتم المتعوس على خايب الرجا.. بحكاية سرد بالغة الجزالة وكأنها رواية لتفاصيل بائسة علاماتها فوضى الاستسلام لغياب الأمل واليأس اللذين يتسحبان إليهما بهدوء..! 558