نجم يكشف أسرار منكب الجوزاء    سوري يشتري عملات ويسلمها للمتحف    مجسات ذكية لراحة مرضى السكري دون ألم    أسباب وعواقب إدمان الحلويات    لماذا غسل الدجاج غير مستحب    فريق التنسيق الآسيوي يبدأ زيارته الرسمية إلى الرياض لمتابعة التحضيرات القارية    أوبك تحذر من خطورة تداعيات فقر الطاقة وتضع الحلول    النفط ينخفض مع تزايد مخاوف الطلب على الوقود    تنفيذاً لتوجيهات سمو ولي العهد.. منتدى استثمار (سعودي – سوري) في دمشق    بريطانيا تدرس فرض عقوبات على إسرائيل.. السعودية ترفض منع المساعدات واستهداف المدنيين الفلسطينيين    ترحيب سعودي ببيان الشركاء الدوليين المطالب بإنهاء الحرب على غزة    " السيبراني" يحذر: ثغرات أمنية في منتجات Synology    أكد وجود انتهاكات جسيمة.. لجنة تقصي الحقائق تسلم تقريرها للرئيس السوري    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة عبدالرحمن بن فرحان    عزز صفوفه بالخيبري.. الأهلي يشارك في السوبر بديلاً للهلال    النصر يتراجع عن صفقة هانكو.. ويخسر الجابر    المملكة وبريطانيا تبحثان تعزيز التعاون الأمني    جذور العدالة    أكد دعم سوريا لضمان أمنها واستقرارها.. مجلس الوزراء: السعودية تدعو لاتخاذ قرارات عملية أمام التعنت الإسرائيلي    استطلاع عدلي.. "تطوير خدمة المستفيدين" أولوية    "صواب" تحتفي بمتعافي الإدمان    إطلاق جمعية سقيا الماء بجازان    "البيئة": تمديد مهلة رخص مياه الآبار لمدة عام    مجلس الوزراء يدعو المجتمع الدولي لسرعة اتخاذ قرارات عملية أمام التعنت الإسرائيلي    أمير حائل يكرم «طبيباً استشارياً»    المنتخب السعودي يشارك في أولمبياد الأحياء الدولي    وزير الداخلية يلتقي منسوبي الوزارة المبتعثين في بريطانيا    اختتام تدريب الخطباء بتبوك    منسوبات واعي يطلعن على مركز التراث وبيت الحرفيين بجازان    منع الفنان راغب علامة من الغناء في مصر    سبعة آلاف طفلٍ في مركز ضيافة المسجد النبوي    حكمي.. قصة تحدٍ ملهمة في عالم التوحد وحفظ القرآن    دينية الحرمين توقع اتفاقية تعاون لبرامج نوعية    مفوض إفتاء جازان يستقبل منسوبي إدارة جمعية سقيا الماء    11 معياراً أساسياً لقياس الأداء.. الطيران المدني: مطار الملك خالد الدولي الأول في نسبة الالتزام ب 82 %    إطلاق كود"البنية التحتية" بمنطقة الرياض بعد 15 يوماً    «بدر الجنوب».. وجهة تنتظر الاستثمار    "هلال مكة" يفعل مساراته الطبية الإسعافية القلبية والدماغية    155 ألف مستفيد من خدمات مستشفى ينبع    تداول يفقد 137 نقطة    السعودي محمد آل نصفان يحقّق إنجازاً تاريخياً في الاسكواش العالمي    الإسناد نموذج تشاركي يعزز جودة الخدمات    جولة أمير جازان ترسم ملامح المستقبل والتنمية في فيفاء والعيدابي    المَملكة ترفُض المَساس بأمن ووحدة سُورية    ميلان يتعاقد مع المدافع الإكوادوري إستوبينان    نبض العُلا    جمعية اللاعبين القدامى بالشرقية تكرّم المدرب الوطني حمد الخاتم    قوميز يستأنف تدريبات الفتح ويُطلق أولى ودياته المحلية لرفع الجاهزية    عراقجي: لن نتخلى عن تخصيب اليورانيوم    أمير جازان ونائبه يتفقدان عددًا من المشروعات التنموية والسياحية بمحافظة فيفاء    الجامعة العربية تدعو المجتمع الدولي لكسر حصار غزة    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل رئيس ووكلاء جامعة جازان    فيصل بن مشعل يرعى توقيع اتفاقية دعم "أهالي البكيرية الوقفية" لبرنامج المدينة الصحية    البيئة تعلن تمديد مهلة الحصول على رخص استخدام مياه الآبار لمدة عام    السعودية ترحب بمطالبة دولية لإنهاء حرب غزة    تقنية تحسن عمى الألوان    المفتي يطلع على أعمال جمعية البر    رئيس باكستان يمنح رئيس أركان القوات البحرية وسام "نيشان الامتياز" العسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلطان بن سلمان.. التراث والتحول

"طموحي أن تعيش أسرتي في مدينة حقيقية ليست مزيفة، لا أريد أن أعيش في مدينة تسابق الهواء"، هذه الكلمات للأمير سلطان بن سلمان، فهو لا ينفك يتحدث عن المدينة كحاضنة للنشاط الإنساني ويرى أن نجاح عمرانها يعني بالضرورة ارتفاع جودة الحياة.
كما أنه يربط مفهوم المواطنة الواسع بحقيقة أن الإنسان يسكن الأمكنة ويتمثلها وتشكل ذاكرته، وبالتالي فإن "العلم" كرمز وطني يحتاج إلى ما تحت العلم، المكان الذي يروي قصص المواطنة ويعبر عن قيم وآداب الوطن، ويجمع الناس ويحدد ملامح اختلاطهم ببعض وبنيتهم الاجتماعية. وهو يقرر هنا أن اندفاعنا للمواطنة لا يتعدى المظهر ولم ينتقل للجوهر، ويرى أن الإنسان السعودي بحاجة إلى إعادة ارتباط مع الوطن الذي لا يعرف أمكنته وقصصها بعمق.
قيادة التحول، التي بدأت منذ رحلة الأمير للفضاء، والتي مرّ عليها الآن ثلاثون سنة، إلى اليوم، تؤكد أن تجربة الفضاء الواسع جعلته يرى الأرض بمنظور أوسع. التفاصيل التي نتنافس عليها وتشكل حياتنا اليومية هي جزء يسير من منظومة كونية تتطلب النظام والانتظام لكنها كذلك تحتاج أن نعرف عن هويتنا ووجودنا في هذا الكون.
هاجس المكان هو تعبير عن "اللحمة" و "لمّ الشمل" والبساطة في تفاصيل الحياة لكنه في نفس الوقت يمثل "الاستمرار" و "التواصل" بين الأجيال، لذلك نرى الأمير يقول دائماً: "لا أحب الأماكن التي يوجد بها زوايا مظلمة" في تأكيد واضح على أن الوطن يجب أن يكون مفتوحاً بتاريخه المتراكم على المواطن.
الأمير ينتقي كلماته العمرانية بدقة لكنه يربطها بعمارة الإنسان، وهذه هي المسألة المهمة، فالمدينة الإنسانية، ليست لأنها مهيأة لاستخدام الإنسان بل لأن من يسكنها ويعيشها هو الذي يبث فيها الإنسانية. هذه الفلسفة ترتبط بتاريخ طويل للأمير مع المفهوم الإنساني/العمراني المتوازن، فرغم أن سلطان بن سلمان ليس معمارياً أو مخططاً عمرانياً لكنه إنسان آثر أن يخوض التجربة العمرانية من خلال المعايشة وهنا يكمن الفرق، لأن الإحساس بالمدينة يتكون من خلال المقدرة على رؤية الأشياء الباطنة التي يصعب أن يراها إلا من تدرب بصرياً ووجدانياً، لأنه يرى المكامن الإنسانية المختبئة في زوايا المدينة وفي أركانها وفي شخوصها ويصنع من كل هذه المشاهدة "موقفاً إنسانياً".
قصص كثيرة يرويها سلطان بن سلمان عن الرياض، المدينة والإنسان، وعن الأيام الجميلة التي عاشها في رياض الستينات والسبعينات، من المنصورية حيث ولد في منطقة المصانع وسط الرياض، إلى المعذر وذكريات قلب الرياض وشارع الوزير الذي كان يشكل المتنفس والمتحف المعماري الأخاذ. مبنى الشرطة والأمانة والبريد والمكتبة العامة، كل هذه الرموز المعمارية التي كانت تشكل رياض البساطة والهدوء اختفت اليوم ولم يعد لها وجود، لأن المدينة التي "تسابق الهواء" جامحة في عمرانها لا تريد أن تستقر. ذاكرة المدينة تمثل حالة نفسية خاصة، أي أنها تتشكل من خلال هذه الصور المتداخلة التي نبنيها عن المدينة من خلال تجاربنا وخبراتنا الشخصية مع الأمكنة، وهذه التجارب تحتاج إلى استقرار وإلا أصبحت مرتبكة.
كثيراً ما كنت أسمع بعض الأسئلة عن سر اهتمام الأمير سلطان بالتراث العمراني ولماذا هذا الارتباط الذي دام أكثر من ثلاثة عقود ومازال وقاد الأمير للاهتمام بالتراث الوطني بشكل عام. لابد أن نشير هنا أن السر يكمن في مفهوم "المواطنة" فلا يمكن أن تنتمي إلى بلد عظيم ليس له جذور وأصول، كما أنه يكمن في المكون الإنساني الذي يملكه تراثنا العمراني، البساطة التي لا يمكن تفسيرها والتعبير الجغرافي العفوي. لذلك نجد أن رحلة الأمير مع التراث هي رحلة معايشة فمنذ نهاية الثمانينيات عندما بدأ في بناء بيت الطين في نخيل العذيبات بالدرعية وعلاقة الاكتشاف والتعلم تنمو كل عام وتزيد الأمير قناعة وإيماناً بأن المكان التاريخي، ليس "شيئاً جامداً" بل هو كائن حي ممتد في الماضي والحاضر والمستقبل.
لابد أن أقول هنا أن الأمير سلطان انتهج الطريق الصعب في التعلم، فهذا العمق بمدلولات التراث والعمران، لم تتشكل عبثاً، بل من خلال الاحتكاك بكبار المفكرين والمختصين، ومن خلال زيارات منهكة ومتعددة لمواقع تمثلت فيها التجربة الإنسانية العمرانية، إضافة إلى معرفة متأنية بالجغرافيا الوطنية والثقافات المتعددة التي يتشكل منها الوطن. المشاهدة والفضول المعرفي والإيمان بالوطن كلها ساهمت في بناء هذه الرؤية العميقة لدى الأمير التي جعلت من مسألة العمران محركاً للتعامل مع القضايا الكبيرة التي تهم الوطن.
دفاعه عن الدرعية وعن جدة التاريخية وعن جميع المواقع التاريخية في المملكة، هو جزء من "الهم الثقافي" الكبير الذي يحمله أمير السياحة والتراث، وهذا الهم، ليس فقط لأنه في موقع المسؤولية بل هو هم شخصي، لكنه همّ يشعره بالسعادة وهو يشاهد علامات التحول المجتمعي نحو التراث. يحكي لي الأمير أنه تأثر من موقف زوجة أحد الأجانب التي آثرت أن تسكن في أحد بيوت الدرعية القديمة بينما أهل البلدة هجروها. إعادة ثقة أبناء الوطن في تراثهم مهمة قد تكون مستحيلة أحياناً، لأنها تتطلب وقتاً وصبراً ومثابرة، فالتحول لا يحدث بقرار لكنه ينمو ويتغلغل داخل جسد المجتمع من خلال التفاعل المباشر وغير المباشر وهذا ما قام به الأمير خلال الثلاثة عقود الفائتة. ومع ذلك فهو لا يترك أي فرصة سانحة إلا واغتنمها من أجل تحقيق مكاسب مجتمعية تعجل التحول، مثل تطوير الدرعية وتنمية وادي حنيفة وأخيراً مشروع تطوير وسط مدينة الرياض الذي سيعيد للعاصمة جزءاً كبيراً من شخصيتها العمرانية والإنسانية.
قيادة التحول المجتمعي في مجال السياحة والتراث، لابد أن تكون
ذات مضمون إنساني، كما أنها لابد أن تكون مبرراً اقتصادياً، لأن البعض قد يعتقد أن "التراث" عبارة عن "عاطفة" وليس حقيقة إنسانية/اقتصادية لها حضورها الثقافي الذي لا يمكن نكرانه. رؤية الأمير تربط التحول بالاقتصاد حتى يكون تحولاً مستداماً. المدينة الإنسانية تصنع اقتصاداً مستداماً لأنها ترتقي بمن يسكنها، كذلك التراث بكل أشكاله، هو في جوهره مكون إنساني وبالتالي فإنه يجب أن يكون ضمن سلسلة اقتصادية مستدامة بعيدة عن العواطف الجياشة فالمسألة مرتبطة ببناء مجتمع قوي مؤمن وله شخصية ومنتج.
قيادة التحول، التي بدأت منذ رحلة الأمير للفضاء، والتي مر عليها الآن ثلاثون سنة، إلى اليوم، تؤكد أن تجربة الفضاء الواسع جعلته يرى الأرض بمنظور أوسع. التفاصيل التي نتنافس عليها وتشكل حياتنا اليومية هي جزء يسير من منظومة كونية تتطلب النظام والانتظام لكنها كذلك تحتاج أن نعرف عن هويتنا ووجودنا في هذا الكون. التحول يبدأ من هنا، من فكرة النظام والتوازن اللذين يميزان التراث ويجعلانه محركاً حقيقياً للتنمية وبناء الشخصية الوطنية. السر يكمن، كما يرى الأمير، في الوضوح والابتعاد عن الزوايا المظلمة.
لمراسلة الكاتب: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.