إن الإبداع والموهبة ليسا جديدين على المملكة العربية السعودية، فهي ترعى وتتبني تنمية الإبداع منذ الصغر من خلال إنشاء مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع التي أسسها الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- والتي من نتاجها حصول طلاب وطالبات المملكة المركز الثالث دولياً بعد أميركا وكندا في معرض أنتل أيسف الدولي للعلوم والهندسة للعامين 2013 و2014 وكذلك جوائز أخرى دولية في مجالي الفيزياء والرياضيات. إنني أنظر إلى ما يتم إنجازه على أرض الواقع في مجال التميز والإبداع والابتكار على أنه ثمار ونتيجة ملموسة لما تقوم به القيادة الرشيدة للمملكة من أجل أن تكون هذه الدولة في مصاف الدول الرائدة والمتقدمة، وبالشكل الذي يليق بها من منطلق أنها قبلة للعرب والمسلمين. وقد تجلى هذا من خلال الفعالية التي نظمتها جامعة الملك سعود في 26 جمادى الآخرة برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد الأمين بعنوان "جامعة تخترع". تعتبر النماذج التي عرضت في هذه الفعالية دليلاً على الغد المشرق والأمل الذي يبعث في النفوس ويقضي على أي محاولة لليأس من أن مستقبل المملكة مشرق، ولعل تشريف ولي العهد لهذه الفعالية له دلالة على أن القيادة الرشيدة تولي التعليم ورعاية الإبداع أولوية قصوى في جدول أعمالها وترى تبني الاقتصاد المعرفي. إن الظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر بها المملكة اليوم تتطلب إعادة تصميم الوظائف والعمليات وتحسين مستويات الأداء والرقابة ونظم الاتصال، ودراسة الأثر المباشر لها في تحقيق ميزة تنافسية، كما أن زيادة حدة التنافس وانفتاح السوق يتطلب من الوزارات أن تستحث الخطى للبحث عن ميزة تنافسية خدمية تجعلها قادرة على تحقيق التقدم التنافسي في أدائها ومن هذه الوزارات وزارة التعليم ووزارة الصحة لما لها تأثير مباشر على المواطن ومستقبل الدولة. أعتقد أن البحث عن الميزة التنافسية للدولة بجميع مؤسساتها كان سبباً رئيساً وراء التغييرات الوزارية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله ورعاه-، وتعبر هذه التغييرات عن نظرة استراتيجية ثاقبة تلبي احتياجات الوطن والمواطن، خلال المرحلة الحالية والمقبلة، وتولي اهتماماً بالغاً بإعادة هندسة الوزارات والدوائر الحكومية وما تقدمه من خدمات للمواطنين، إضافة لتقييم دقيق لمواطن الضعف، وتعزيز لمواطن القوة. لقد قام خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله ورعاه- وبمهارة الجراح الخبير والمتمرس، بتجديد دماء الدولة، استجابة لاحتياجات الوطن والمواطن بكل دقة وإتقان، وتشير التغييرات الوزارية إلى توجه الدولة السريع إلى دعم القطاع الحكومي ليواكب وينافس القطاع الخاص في شتى المجالات. استقرئ ذلك من خلال هذه التغيرات، وأتوقع أن القطاع الحكومي سيحدث نقلة نوعية وقيمة مضافة لاقتصاد الدولة وقدراتها المؤسسية، ولن تكون هذه النقلة إلا من خلال عملية إعادة هندسة الأعمال الحالية أو ما يطلق عليها بالمصطلح (الهندرة Reengineering) والتي تمثل إعادة التفكير بصورة جذرية، وإعادة تصميم شامل لعمليات الأعمال وأهمها، التكلفة والجودة والخدمة والسرعة، كما تهدف الهندرة بشكل عام إلى رفع كفاءة وفعالية المتابعة الداخلية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أعتقد أن عملية الدمج بين وزارة التعليم العالي ووزارة التعليم قد تكون بداية لإصلاح شامل في منظومة التعليم العالي وقبل الجامعي، ويكون التركيز في الفترة المقبلة على الخدمات المباشرة التي تقدم في مجال التعليم قبل الجامعي للرقي بمخرجاته، وتوحيد التوجه والتكامل وتقليل الهدر. سيعزز هذا الدمج استقلال الجامعات وسيؤدي إلى الارتقاء بها سواء كانت بحثية أو تعليمية أو كلاهما معاً. ويجب التأكيد على أن إعادة الهندسة التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله ورعاه- تتم لمؤسسات حيوية في الدولة، وتحتاج إلى وجود خطة استراتيجية لهذه المؤسسات، وإدارة تنفيذية لهذه الخطط تضع نصب أعينها إدارة للتغيير، وإدارة للمخاطر. إن وضع قاعدة متميزة من المستشارين لدى خادم الحرمين الشريفين تراعي مشروع إعادة الهندسة في مجملها، وأتوقع بأنه سيكون لهم دور كبير في تخطيط ومتابعة تنفيذ هذه الأعمال التطويرية وتقييمها والرفع لخادم الحرمين الشريفين، وسيكون من مهامه ما يسمى نافخي صفارة الإنذار "Whistle Blowers" والذي يمثل مستوى عاليا من إدارة المخاطر وذلك لأهمية المنجز، وكذلك سيقومون برصد الممارسات الجيدة ونشرها لتعظيم الاستفادة منها من قبل الآخرين. إن إعادة الهندسة، على الرغم من تقاربها مع مفاهيم الجودة، إلا أنها تسعى إلى التحسين بشكل جذري، حيث إنها تمثل إعادة تصميم الوظائف والعمليات وتحسين مستويات الأداء وتخفيض مستويات الرقابة وتحسين نظم الاتصال، وليس مجرد تحسن مستمر. ويتشابهان في أن جميع أساليب العمل فيهما ترتكز على استعراض المنتج سواء كان صناعياً أوخدمياً، وتحديد مواصفاته المطلوبة التي تحقق تطلعات المستفيدين منه، ثم العمليات الأساسية، مع توسيع نطاق الرؤية العملية، ولا ننسى السببين الرئيسين لهذا التخطيط الاستراتيجي وهو تحسين جودة المنتج وتقليل أو منع الهدر. ومن هنا، فإن تبني فلسفة الكايزن Kaizen مفيداً جداً، وهي فلسفة ابتكرها اليابانيون لإدارة المؤسسات الصناعية والمالية والخدمية. والتي تعتمد على التحليل والعمليات وتهدف إلى تقليل الهدر في الموارد والوقت والجهد وزيادة الإنتاج وهي مفهوم مرادف للجودة بمعناها الواسع الشامل، بل إنها تعتمد على المفاهيم الجديدة في علم الجودة، كان أنها تعالج بعض آليات تطبيقات إدارة الجودة الشاملة وكذلك ضمان الجودة. إن الكوادر السعودية قادرة على التميز والريادة على مستوى العالم، ولعل هذا يذكرني بمعالي د. عبدالله العثمان المدير الأسبق لجامعة الملك سعود والخطة الاستراتيجية للجامعة. هذه الخطة التي أطلقها د. العثمان ودشنها حين ذاك الملك سلمان بن عبدالعزيز -أثناء ولايته للعهد-، قد وضعت نواة وساهمت بإحداث نقلة نوعية لجامعة الملك سعود، وبعد تولي معالي د. بدران العمر إدارة جامعة الملك سعود ودعم معاليه الواضح واللامحدود لتفعيل الخطة الاستراتيجية بآلية مؤسساتية لا تعتمد على الأفراد. وأخيراً إنني استبشر خيراً وأتطلع إلى وجود خطة استراتيجية لوزارة التعليم تنهض بكافة مخرجاتها لتكون أولى دعامات الاقتصاد الوطني في ظل التطورات الاقتصادية المتلاحقة على مستوى العالم، وأتمنى أن تتبنى هذه الخطة شعار "ريادة عالمية وتميز في بناء مجتمع المعرفة". وفق الله وطني وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لما فيه خير البلاد والعباد، وخدمة العالم الإسلامي والعربي والإنسانية جمعاء. *عميد عمادة التطوير وعميد عمادة الجودة المكلف جامعة الملك سعود