ساعد موقع جزر القمر المتميز، ولعبها دورا هاما في التواصل التجاري بين منطقة الجزيرة العربية (مهد الإسلام) ومنطقتي جنوب آسيا والساحل الشرقي لإفريقيا، على جذب العديد من الأجناس البشرية للاستقرار في البلد الواقع بالمحيط الهندي، ليشكلوا بمرور الزمن خريطة من الفسيفساء العرقية لشعب جمهورية جزر القمر الاتحادية الإسلامية. فتجد العنصر العربي بجانب الماليزي والإفريقي والشيرازي (الفارسي)، فضلا عن عرقيات أخرى من أصول أوروبية يعيشون حالة انسجام واحترام ليكونوا شعب جزر القمر، التي تعتبر ثالث أصغر دولة إفريقية من حيث المساحة؛ حيث تبلغ 2,235 كم2، وسادس أصغر دولة إفريقية من حيث عدد السكان البالغ نحو 752 ألف نسبة، المسلمون منهم 98%، ورغم ذلك فإن المكتبة العربية الإسلامية نادرا ما تجد فيها كتابا يسرد تاريخ الجمهورية المشرق على مدار قرون مضت. قال الدكتور سعيد برهان عبد الله، عميد كلية الإمام الشافعي بجزر القمر: إن (القمريين يعتزون بعروبتهم وإسلامهم، ويعتبرون أن العروبة والإسلام وجهان لعملة واحدة، ويميلون بطبعهم إلى تعلم اللغة العربية والاعتزاز بها، واللغة القمرية أكثر من 60% من كلماتها من العربية المحرفة). وأضاف أن سكان جزر القمر (الذين يتحدثون العربية والفرنسية والقمرية) لا يبلغ عددهم المليون، وهم موزعون على ثلاث جزر رئيسية، والرابعة ما زالت تحت الاستعمار الفرنسي وهي جزيرة (مايوت). والجزر الثلاثة الرئيسية هي: جزيرة القمر الكبرى التي تعرف أيضا باسم (نجازنجا) وعلى ساحلها الجنوبي الغربي تقع عاصمة الدولة موروني، وجزيرة أينجوان، وجزيرة موهيلي، كما يضاف إليها جزر أخرى صغيرة المساحة. ولفت برهان إلى أن جزر القمر تعتبر من أفقر دول العالم، و80% من سكانها فلاحون وصيادون، ولذلك تتطلع الدولة الأحدث في جامعة الدول العربية التي انضمت عام 1993 لجلب الاستثمارات وبخاصة العربية؛ وهذا ما يسعى إليه مؤتمر (دعم الاستثمار والتنمية في جزر القمر المتحدة)، والذي تستضيفه العاصمة القطرية الدوحة في الفترة من 9 إلى 11 مارس القادم. مسلمون وأجناس مختلفة ويوضح الباحث في معهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة زين العابدين محمد كمال عبد الحميد أن (معظم سكان جزر القمر يدينون بالدين الإسلامي، عدا فئة ضئيلة مسيحية من الكرويول، وتتركز في جزيرة مايوت)، مشيرا إلى أنه ارتبط انتشار الإسلام في ساحل شرقي إفريقيا بوجه عام، وجزر القمر بوجه خاص بنشاط العرب التجاري، والهجرات، سواء العربية منها أو الفارسية، بالإضافة للاتصال البحري المستمر. وعن تركيبة السكان، قال عبد الحميد بأنها تتمثل في: 1- العرب: ويشكلون نحو ثلث السكان، وتعود صلتهم بجزر القمر إلى فترة ما قبل الإسلام، وقد جاءوا من جنوبي شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي خاصة من عمان وحضرموت واليمن، وينسب للعرب فضل نشر الدين الإسلامي بين ربوع جزر القمر. 2- الأفارقة: ويمثلون 55% من السكان تقريبا، ويعتقد أنهم جاءوا بصحبة التجار العرب من ساحل شرقي إفريقيا إلى جزر القمر، وهذه الفئة تتمثل في الماكوا (Makuas) ، والكافيرز (Cafres). 3- الشيرازيون: وفدوا إلى جزر القمر من شيراز ببلاد فارس خلال القرن الخامس عشر الميلادي بسبب النزاعات المذهبية، وقد اختلطوا بالعرب والأفارقة، وهم يشكلون نحو5.3% من إجمالي السكان. 4- الجماعات البولينزية، أوالملاوية: وتشمل الواماتساها (Wamtsaha)، وهم خليط من البوشمن والجنس الماليزي، وهم يقطنون جزيرة أنجوان، ثم الأنتالوتس، وهم عبارة عن خليط من الدماء الملجاشية -ذات الأصول الملاوية- والدماء العربية، التي وفدت من البحر الأحمر والخليج الفارسي، وتشكل هذه الجماعات نحو 6% من إجمالي السكان. وبالإضافة إلى هذه المجموعات العرقية السابقة، فإن (هناك فئة صغيرة من السكان جاءت نتيجة لتزاوج المستوطنين الفرنسيين مع السكان المحليين، ويعرفون باسم الكرويول(Creoles)، وفقا لعبد الحميد الذي أشار إلى أن لهذه الفئة نفوذا سياسيا بارزا في جزيرة مايوت التي لا تزال خاضعة للإدارة الفرنسية. إضافة إلى هذا (توجد أيضا فئة ضئيلة تنحدر من أصول برتغالية، وهم أحفاد البحارة البرتغاليين الذين نزلوا جزر القمر في مطلع القرن السادس عشر الميلادي، وتشكل هاتان الفئتان معا أقل من 5% من إجمالي السكان). ولا توجد صناعات رئيسية لجزر القمر، وعملتها (الفرنك القمري) حيث يعتمد اقتصادها بصفة رئيسية على الزراعة؛ حيث يقوم السكان بزراعة محاصيل متنوعة كالأرز والموز والمنيهوت، إضافة إلى جوز الهند والفانيلا، والزيوت العطرية المستخرجة من نباتات أشجار اليانج لانج، وتنفق الجزر ضعف عائدات صادراتها في عمليات الاستيراد السلعي، وتتمثل أهم الدول التي يتم التبادل التجاري معها في: فرنسا، ومدغشقر، وباكستان، إضافة إلى الولاياتالمتحدة. وفيما يتعلق بجزيرة مايوت؛ فقد سيطر الفرنسيون عليها عام 1843م، وفي عام 1912 صدر قرار فرنسي أصبحت بموجبه هذه الجزر مستعمرة فرنسية، وألحقت بمدغشقر، وبقيت تتبعها عامين، ثم انفصلت وأصبحت مستعمرة مستقلة حتى الحرب العالمية الثانية (1939 / 1945). وفي عام 1973 وقعت معاهدة باريس التي نصت على أن تحصل الجزر على الاستقلال في مدى خمس سنوات بعد استفتاء عام بين سكانها، وأجري الاستفتاء الذي أسفر عن موافقة 96% من الشعب على الاستقلال، في حين عارض 64% من سكان جزيرة مايوت استقلال الجزيرة، وفضلوا البقاء تحت حكم فرنسا، ثم أعلن مجلس نواب جزر القمر استقلال الجزر من جانب واحد، وسميت (جزر القمر الاتحادية الإسلامية) في يوليو 1975، وانتخب أحمد عبد الله رئيسا بعد أن خضعت لفرنسا (150) عاما. وفي عام 1989 اغتيل أحمد عبد الله، وسيطر المرتزقة على البلاد حتى تدخلت فرنسا، وتم تعيين سيد محمد جوهر رئيسا للدولة، وانضمت جمهورية جزر القمر لجامعة الدول العربية عام 1993، ويعد الرئيس الحالي أحمد عبد الله محمد سامبي، الذي وصل لسدة الحكم منتصف مايو 2006، أول رئيس عربي منتخب لجزر القمر، ويسعى إلى إعادة العلاقات العربية والإسلامية إلى مكانتها الصحيحة.