عند الحديث عن "العلاقات الإعلامية" في السوق السعودي، ما يزال يختزلها البعض في مجرد تنسيق أخبار، أو إعداد بيانات صحفية وتعميمها على وسائل الإعلام، أو اللقاء مع الإعلاميين في مناسبات عامة، هذه النظرة القاصرة وإن كانت تعكس جانبًا من الواقع، إلا أنها تبتعد كثيرًا عن جوهر الدور الحقيقي الذي يمكن أن تلعبه العلاقات الإعلامية في مؤسسات اليوم، خصوصًا في بيئة متسارعة، ومليئة بالتحديات والمنافسة على العقول والانتباه. العلاقات الإعلامية الفعّالة لم تعد تقتصر على تحقيق الظهور، بل تتجاوز ذلك إلى توجيه الانطباع العام، وإعادة تشكيل الصورة الذهنية، وتعزيز الثقة بين المؤسسة وجمهورها. لم تعد المسألة مسألة كمّ، بل كيف؟ ليس المهم أن تظهر في العناوين، بل أن تُفهم كما تريد أن تُفهم. ومن واقع تجاربي أرى أن نجاح العلاقات الإعلامية يبدأ من فهم اتجاهات الإعلام، ونبض الجمهور، وتحوّلات الساحة الإعلامية، ولا يمكن للمؤسسة أن تؤثر بفعالية وهي تجهل السياق الذي تتحرك فيه وسائل الإعلام، أو لا تتابع كيف تغيّرت أولويات الصحفيين، وأجندات التغطية، وأدوات الوصول للجمهور. وفي ظل الوفرة المعلوماتية، أصبح دور التحليل أكثر أهمية من دور النشر، حيث أن المؤسسات التي تربط نتائج التغطية الإعلامية بأهدافها الاستراتيجية، وتفهم كيف تؤثر كل تغطية على سمعتها أو علاقتها بمستثمريها أو جمهورها، تمتلك القدرة على تعديل المسار وتوجيه رسائلها بذكاء، ومما لاشك فيه أن العلاقات الإعلامية لم تعد تعمل بمعزل عن مؤشرات الأداء، بل أصبحت جزءًا من قياس الأثر المؤسسي. ولعل سياسة الركض نحو إدارة الإعلام أو العلاقات العامة عند أوقات الأزمات أو الإعلانات فقط، يعد من أكثر الأخطاء شيوعًا، وكأنها مُسكّن لتهدئة الأمور حينها، رغم أنه من الضروري العمل عليها بشكل استباقي قبل وقوع الأزمة. العلاقات الإعلامية، كما يوحي اسمها، تقوم على العلاقات، والعلاقات تُبنى وتُغذّى على المدى الطويل، بالمصداقية، والاحترام، والشفافية. لذا فإن العلاقة الناجحة مع الإعلام ليست علاقة مصلحة آنية، بل شراكة مهنية تقوم على الفهم المتبادل وتقدير الوقت والاحترافية. وعلى المؤسسات أن تجاوب على هذا السؤال الجوهري: هل نكتفي بالظهور في وسائل الإعلام؟ أم نصنع تأثيرًا حقيقيًا؟. فالتأثير لا يأتي فقط من التغطية، بل من التناسق في الرسائل، والوضوح في الرؤية، والانضباط في الهوية الاتصالية. المؤسسات الذكية اليوم لا تنتظر أن تُقال عنها أشياء جيدة، بل تبادر بصناعة هذه الرسائل، وتوجيهها إلى الجمهور المناسب، في الوقت المناسب، وباللغة المناسبة، وبواسطة المتخصصين فقط. إكس:@naifaalshahrani