اتفاقيات مع الصين لبناء آلاف الوحدات السكنية    بيانات التضخم الأمريكي تصعد ب"الذهب"    مطار الأحساء يطلق رحلة إضافية مباشرة لدبي    الأهلي والترجي إلى نهائي دوري أبطال أفريقيا    عسير تكتسي بالأبيض    فريق طبي سعودي يتأهل لبرنامج "حضانة هارفرد"    بينالي البندقية يزدان بوادي الفنّ السعودي    كبار العلماء: من يحج دون تصريح "آثم"    "طفرة" جديدة للوقاية من "السكري"    إغلاق منشأة تسببت في حالات تسمم غذائي بالرياض    الأحمدي يكتب.. الهلال يجدد عقد السعادة بحضور جماهيره    الصحة: تماثل 6 حالات للتعافي ويتم طبياً متابعة 35 حالة منومة منها 28 حالة في العناية المركزة    اختتام المرحلة الأولى من دورة المدربين النخبة الشباب    الإعلان عن تفعيل الاستثمارات المباشرة وانطلاق العمل الفعلي في صندوق "جَسور" الاستثماري    شركة TCL توحّد على نحو استباقي شركائها العالميين من أجل تحقيق العظمة في مؤتمر الشركاء العالميين لعام 2024    انخفاض معدلات البطالة لمستويات تاريخية    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 686 مليون ريال    وفاة الأمير منصور بن بدر    نائب أمير منطقة جازان يرفع التهنئة للقيادة بما حققته رؤية المملكة 2030 من إنجازات ومستهدفات خلال 8 أعوام    ليستر سيتي يعود إلى الدوري الإنجليزي الممتاز    جيسوس يفسر اشارته وسبب رفض استبدال بونو    الاتحاد يخسر بثلاثية أمام الشباب    «الدفاع الروسية» تعلن القضاء على ألف وخمسة جنود أوكرانيين في يوم واحد    رؤية الأجيال    "الشؤون الإسلامية" ترصد عددًا من الاختلاسات لكهرباء ومياه بعض المساجد في جدة    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أصبحت مستهدفات الرؤية واقعًا ملموسًا يراه الجميع في شتى المجالات    وزيرة الدفاع الإسبانية: إسبانيا ستزود أوكرانيا بصواريخ باتريوت    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    منتخب اليد يتوشح ذهب الألعاب الخليجية    ريال مدريد يهزم سوسيداد ويقترب من التتويج بالدوري الإسباني    المخرج العراقي خيون: المملكة تعيش زمناً ثقافياً ناهضاً    "السينما الصناعة" والفرص الضائعة    د. عبدالله العمري يستنطق «ذاكرة النص» وفضاءات نقد النقد    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    محمد بن عبدالرحمن: طموحات وعزيمة صادقة    وزير الثقافة يرفع التهنئة للقيادة بتحقيق رؤية السعودية 2030 عدة مستهدفات قبل أوانها    إغلاق جميع فروع منشأة تجارية بالرياض بعد رصد عدة حالات تسمم    معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يزور قيادة القوة البحرية بجازان    توافق مصري - إسرائيلي على هدنة لمدة عام بقطاع غزة    ترميم قصر الملك فيصل وتحويله إلى متحف    «مكافحة المخدرات» تقبض على شخصين بالقصيم لترويجهما مادة الإمفيتامين المخدر    "الأرصاد": لا صحة لتعرض المملكة لأمطار غير مسبوقة    السعودية تحصد ميداليتين عالميتين في «أولمبياد مندليف للكيمياء 2024»    الأحوال المدنية: منح الجنسية السعودية ل4 أشخاص    الأرصاد: لا صحة عن تأثر السعودية بكميات أمطار مشابهة لما تعرضت له بعض الدول المجاورة    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام و النبوي    خادم الحرمين يوافق على ترميم قصر الملك فيصل وتحويله ل"متحف الفيصل"    "واتساب" يتيح مفاتيح المرور ب "آيفون"    هوس «الترند واللايك» !    مقامة مؤجلة    صعود الدرج.. التدريب الأشمل للجسم    تقنية مبتكرة لعلاج العظام المكسورة بسرعة    التنفس بالفكس    مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل يهنئ القيادة نظير ماتحقق من مستهدفات رؤية 2030    مقال «مقري عليه» !    تشجيع الصين لتكون الراعي لمفاوضات العرب وإسرائيل    خلط الأوراق.. و«الشرق الأوسط الجديد»    التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن وكالة الأونروا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القصيدة يشتغلها القلب الحكيم...!
عبدالله باشراحيل في الاعجاز والعجز...
نشر في الندوة يوم 17 - 12 - 2011

يضع الشعر المُحكم تفاسيرهُ من خلال نبض مشاعر الكلمات. ويقودنا فيضهُ الشعوري بأتجاه وعي المخفيْ والمحسوس. وبعضهُ يمضي في المديح ، وبعضه يمضي في الرثاء وبعضه وصفا.ل كن العرب في قامات معلقاتهم القديمة كانوا يضعون الحكمة في قلب القصيدة بالرغم من أنها تبدأ وصفية في مستهلها واكثرها الوقوف على الأطلال. ويسائلك الشعر الحكيم في مدركاته عن ماهية اشياء تشغلنا بموجوداتها وكنهنتها وتأثيراتها الحياتية والروحية والروعة في جمالية تأثير الحكمة وبريقها أن يكون اشتغالها الشعري مرهفا بأحساس الروح والجرس الايقاعي لتأثير العبارة في الخلجات ، وهو اشتغال ليس بالسهل ولابد من حاجته الى الموهبة والعقل العارف معا وامتلاك ناصية الخيال المميز. ويقينا في رؤيتنا النصية والنقدية والبحثية لنتاج الشاعر السعودي ( المكي ) عبدالله محمد باشراحيل نحس ونرى أنه يقع في موهبته ومنجزه ضمن التصور اعلاه. واعتقد أن اجابته لأسئلة بحوار قديم في الاخذ والرد عن ماهية الشعر وقيمته ، أوجز لي رؤياه في هذا الجانب قوله : ان الشعر العربي القديم كان في بلاغته حكمة ما تجود به افكار الشاعر ورصانة وعيه ضمن ثقافة ارث المكان وتضاريسه الجغرافية واغلبها كان في صبغته صحراويا ومفتوحا على افق وفضاء لانهاية له.أي أن الشاعر القديم كانت يريد من قصيدته أن تكون نورا لهدي قصد يعتقده هو في صالح قبيلته وقومه وبني جلدته. لهذا كان يضع الحكمة في صورة الغرام او الفخر او المديح او الرثاء ليجعل من قصيدته جسدا متكاملا من بلاغة الوعي والجمال والتأثير.
وهذا ما أراه الآن في قصيدته الموسومة ( الأعجاز والعجز ) حيث يظهر لنا الشاعر عبدالله باشراحيل قدرته الكبيرة على جعل الاستهلال المملوء بضوء هائل من البوح والغنائية الصوفية المبتهجة بتهاليل روح تسعى في موسيقى ايقاع حروفها التمهيد لروحانية استدلالية وممهدة وواعية لشغف غنائية الروح في التهدج العاطفي المحتفي بسمو الرقة والمشاعر وموسيقى النفس في احترامها لذوق الكلمات واداؤها التبشيري والثقافي والايماني والحضاري لتكون بمستوى المُستلهمَ منه والقابع في كوكب اعجازه القصي ، والذي وحده من يلهمنا المعانيَّ ويختار لنا تفرد الموهبة والتخصص والنبوغ في جعل هذه القراءة الوجدانية صورة من صور معرفة النفس لقيمة ما تبوح فيه.
وضمن هذه المسافة يضع عبدالله باشراحيل رؤيته. ويسندها لاستهلال ممتع وبغنائية فخمة تطرب فينا ايقاع القراءة بتواتر انشادي يكون فيه للشعر ذائقة التفرد في المناجاة وكسب مديح الاخرين لموهبة الشاعر. ولهذا نرى في هذه القصيدة بداية بوحية في اشد تفاصيل جمالية وصف الحب فيها معتمرا برداء روح مبتهجة بعذرية الكلمات ورقة صفاء معانيها ، وتلك المعاني الانشادية التي تأتي بسطوع مغرم لبهجة الجمال والحسن الذي تشدو اليه رهافة حس الشاعر كمن ينفلت عنه طوع الابتهاج ليتحول الى نيازك الحروف المضاءة في جعل من يرميه بوجده مثار اعجاب القارئ والسامع.لأني أرى أن هذه القصيدة لم تكن طللية المكان ، بل كانت في بدءها موسيقية النبض.
(الأعجاز والعجز ) كتبت في مديح الوجه الروحاني الجميل ، بدأت توصف المعني بدهشة مقفاة لنغم احسن الشاعر عبدالله باشراحيل في جلب القوافي من نأي امكنة روحه المتلهفة لجعل الوصف بمستوى ما يكمن في الصورة من الخيال. وكأنه يضع في ترنيمته اعجاز شوقه لما يسكنهُ متوثبا على جدار قدرته ، ومن فوق قمر قلبه يصنع لجمال القصيدة ليل المهابة والغزل والتوصيف الدقيق بشاعرية أعتقدُ انها اجمل ما قرأت من ايقاع وضبط ووصف في شعر الشاعر عبدالله باشراحيل:
بديعةِ الحُسنِ في صحراءَ مُجدبِةٍ كأنَّ عُمْرَكِ في الأيامِ ترحَالُ
شوقاً إليك لعينيكِ التي اكتحلت بوارفٍ من ظِلالِ الغيمِ يختالُ
رعاكِ بالحُبِّ ريَّانُ الصِّبا ونَما فيكِ الجمالُ وحارتْ فيكِ آمالُ
عِيشي الربيعَ وقد ألقت سحائِبُهُ عليكِ قطراً مُريعاً وهو هطَّالُ
وغادري الليلَ فالأصباحُ باسمةٌ إلى بهاكِ ولا يُثنيكِ عُذَّالُ.
وكما نراه الكلام يحمل تعابير فقه جمال لاتصنعه سوى رهافة روح مجربة قي لوعة قراءة الهاجس الانساني وتدفقه على شواطئ روح الشاعر ليكون وصفه في دلال اعجاز الجمال المصنوع بأرادة خالق هو ذاته من يصنع اعجاز الاشياء ويوقظنا للابتهاج معها والتهليل لها لتكون بوابة القصيدة مفتاحاً لذهن اوقد فينا مودة الاشتياق لمعرفة روحانية الدافع الذي حملته هذه الطقوس الاثيرة في وصف لانوثة ضوء او عطر او كهونية يتدفق منها المديح الساكن في ذات الشاعر ولتجعله حريصا في كل تراثه ونتاجه الشعري ان يكون متفردا لأحساس حالته ودافعه لنظم القصائد واختيار مناسبتها. وهنا يرينا الشاعر عبدالله باشراحيل نمطا اخراً من تنوع الاشتغال والموهبة ويحسسنا بأصالة النبوغ الذي يمتلكه وهو يلحن بخفقات قلبه والقلم سمفونية حب يبدو في نقاءه طاهرا وشفيفا ويقودنا الى بوابات اخرى اراد فيها باشراحيل ان يكون وجه الملاك فاتحة الطريق لمعرفة مدلولات العجز والاعجاز في رسالة القصيدة وما تريده بالضبط.
تعكس القصيدة مستويات نفسية واجرائية وحياتية تهم الشاعر وتجربته والأمعان فيما يأتي بعد هذه المقدمة الوجدانية الغرامية الفاتنة ويأخذها الى انعكاسات لم يكن يتوقعها قارئ ودارس هذه القصيدة حين يتصورها في البدء مجرد رومانسية لغزل جميل يكتب بعناية الحس المرهف لشاعر تعود الكلمات ان تكون ظوع سطوره واوراقه وارقه في اللحظات المتأخرة من الليل عندما يقول لنا الشاعر عبدالله باشراحيل عن امكنة وازمنة طقوس الكتابه عنده بقوله : ان المكان المكي البهيج بطقوسه وتعدد هبات فيضه ومواسم صلواته وتكبيراته يرغمنا لبهجة التأليف والقصيدة بعد ان ننتهي من فروض طاعة السماء والتراويح في صلاتها والذكر وسمر الصحب ومباهج الشاي والقهوة والتناظر الفكري واتمام متطلبات المنزل واهله ليأتي فصل راحة الروح المكملة لتعميد الايمان في اختار موطئ قدم في حلم عابر او طيف يحمله وحي الكلمات او رغبة اريد فيها ان تكون القصيدة نصيحة وعبرة وذكرى وبعض مودة الانتماء لمكة الوطن والملك والعائلة.
لهذا ترينا قصيدة ( الأعجاز والعجز ) التحول المبتكر والمتوقع من شاعر يفكر بمستويات الوعي داخل قصيدته بصورة جديدة. فتشاهد هذا التحول من ابتهاج مغرم الى سطوع من التحدي المصنوع بوجدان روح عارفة لقدرتها وما ترتهب من قدرها. يضع باشراحيل في هذا التحول صورة الأنسان الذي لايمنعه كفاحه وعصاميته ليبقى متفقا برقته وشاعريته ومهما كثرت عثرات الطريق والموانع يجد الانسان الحقيقي نفسه غير خاضع لمهابة ما قد يعتقد الآخر أنه سيعطل من مسيرته. ليرينا في تحولات القصيدة شيئا من جبروت الحلم بالرغم من ان الايقاع وصفاء موسيقى كلمات القصيدة ظل كما هو غير أنه اوقع القصيدة في مسار مخطط له ليري قارئه ماذا يفكر هو وكيف يشعر ويعتقد ما في وجدانه وروحه. وربما أراد في انحرافه المثير بين سكينة التغزل العفيف وبين الدخول في الذاتية ومشاعرها وموقفها أن يضع القارئ امام قدرته الذهنية والفكرية والابداعية في جعل الشعر رسالة تتحرك بعدة اتجاهات وازمنة وامكنة ومذاهب وكأنه في تحوله من الانشاد المغرم يرينا أن الفيض الهائل من الهواجس الغنائية التي سكنت صدر القصيدة انما هي مناشدة لروح الشاعر وازدهارها ورقتها وخصوبتها وايمانها وحسنها ورقتها ولتتحول هذه الروح بعد ذلك الى قصد ما ، تعاني منه وتريد ان توضحه الى الصديق والخفي الحاسد واناس قد يرون في سعة احلامها انتقاصا في موهبتهم ليكونوا. لهذا تحول السرد الوجداني هنا بعد الاستهلال الشجي الى صوت عال من حكمة المفاخرة واثبات الذات. لتشعر بوجدانية هذه القصيدة هو وجدانية عبدالله باشراحيل في سيرته الحياتية العصامية التي ارتقت بفضل نهلها من عبق المكان المكي ولتصبح بمستوى أن تكون من التحدي واثبات الذات والوجود :
فإن تَرينِي على غُصنِ السَّنا غَرِدَاً فتلكَ أصداءُ حُزْنِي وهي تَنثالُ
أنا المُجاهِدُ والغاياتُ تدفعُنِي ولا يَنَالُ بلوغَ المجدِ تِنْبَالُ
وحدي أذودُ وحولي كلُّ مُرتَهِبٍ يسترفدُ الخوفَ والأعمارُ آجالُ
أسرفتَ في البُغض يا من تشتهي عَدَمِي وللمقادرِ بين الناسِ أفعالُ
ما ضَرَّنِي حاقدٌ نيرانُهُ اشتعلت وكُلُّ ذَنْبِي لديهِ الجاهُ والمالُ
أمُدُّهُ من كريم الفضل يجرحني ومثلُهُ من خِسَاسِ الطَّبْعِ أنذالُ
تدفق مجازي ومعجمي وبه رهبة.هكذا تصف ابيات الشعر اعلاه حالها. الرجل الشاعر العارف لقدره ومهابته يتحول من غنائية البهيجة والمساحة المتسعة للوصف والمغنى الروحي المنساب بعذوبة المطر في موسيقى الكلمات ليصل بنا الى دهشة الموقف.وايضاح ما يشعر بكيانه من قدر ومهابة وفي تدفق وبناء شعري تحكمهُ قوة المفردة وجزالة اللفظ ونباهة الايحاء ليعرف سامعه وحاسده ومحبيه ما توصفه الابيات من مكارم الذات ولكل برؤى اللغة الحكيمة وهذا ما كنت اعتقده في متانة القصيدة العربية منذ الى عصور ما قبل الاسلام بقولي مرة في مقالة قديمة عن الشعر العربي : ان الشعر العربي القديم اوجد الاصول الحضارية الحالية لثقافة العصر وابداعها.
وربما حين يلوذ الدارس بين معاني النص اعلاه سيكتشف ان للحروف حكمتها. ومن صنع تلك الحكمة هو شاعر هذه الحروف.كتب بجزالة وعيه وثبات موقفه وحماسة ارتقت لتكون بطولية ولكن من خلال حكمة تقديم نفسه لصديقه وحاسدة وقريبه وبعيده : وحدي أذودُ وحولي كلُّ مُرتَهِبٍ يسترفدُ الخوفَ والأعمارُ آجالُ.
تفكيك هذا البيت من قصيدة الشاعر عبدالله محمد باشراحيل ( الأعجاز والعجز ) يوقفنا على مقدار ثقافة الرجل وخيارات وعيه.لقد وظف الحكمة في موهبته الشعرية فكان أن وصلت معرفة بذاته وقيمته ومسيرة حياته ليصل الى أن يكون وحده لقاد على الذود كما يذود الفارس عن حماه وخيام عشيرته وبيته. لكن هذا لم يمنع الشاعر من اظهار رقة انسانيته وسماحته لييشعرنا جُودَ مافيه واعجاز ما تعلمه وليظل الكرم يصبغه أصلا ومنزلة وابداعا ومسامحة وتحدي.
في هذه القصيدة أجاد الشاعر عبدالله باشراحيل في تنقلاته ضمن مساحة فكرة القصيدة وانعكاسات لحظة الهامها.وحتما هي مصنوعة من مؤثر حياتي صعب ، وتجربة عاشها الشاعر في منازعات ليل التفكير والاسئلة وتوصل ليطرح الينا هذه القصيدة التي كانت رؤيا الشعر فيها تنازع الدهشة بين ان تكون مموسقة بسمفونية الغزل الروحاني الجميل وبين ان تكون صاحبة موقف ووقفة وتحدي ثم تنحدر الى نمط من الحكمة النصوحة ، ولكنها نصوحة شعرية موزنة ببلاغة الكلمات ولحنها. تجد فيها ما يريد الشاعر ان يوصلنا اليه بنمطق من الفكر العالم.فقد غادر حماسه وغنائيته الى مساحة من الحكمة والقول والايثار في جعل ما تعلمه في الحياة درسا لذلك الذي اغاض في الشاعر لحظة مناه وجعلته يريق من الاناء بما فيه. وحتما كان اناء هذه القصيدة واحات من الشعر والدلالة والبوح والروحانية الصافية والحكمة الناطقة :
ومن تأمَّلَ في الدُّنيا وخسَّتِها هانت لديهِ وراقَ الفكرُ والبالُ
كثيرةُ الغدرِ يسري في تقلُّبِها يُسرٌ وعسرٌ وإكثارٌ وإقلالُ
فما الخصامُ وكلُّ الأرضِ فانِيةٌ بئسَ العَداواتُ فيها وهي أوشالُ
هِيَ الحياةُ وما أقسىَ مكارهَهَا ظُلمٌ وغُرمٌ وآلآمٌ وأهوالُ
كم حارَ في سِرِّها خلقٌ فأعْجَزَهُمْ عن فتحِ أبوابِهَا سِتْرٌ وأقْفَالُ
وهكذا سير القصيدة ( الأعجاز والعجز ) في مقاصدها الباقية تذهب بنا الى مساحة تأملية قي كون الذات البشرية تتحدث بعقل واع عن مجريات الحدث الانساني وتقلباته.
تفضي بنا روح عبدالله باشراحيل الى عالم من مرايا تأمل الذات واسترجاع الذكريات وحكمة الحياة في دروسها ومتغيرات احوالها ومواسمها ويوصلنا الى مرافيء تحكيم النفس لحالها ومراجعتها لكل ما قدمته وتتمنى ان تقدمه.فالشاعر في هذه القصيدة يربط وعيه بملحمية الوجود كله ويقرب الينا بوعي وحنكة متغيرات هذا العالم. يضرب لنا الامثلة ويقرب الينا الصور ويحول تساؤلاتنا وقلقنا وترددنا الى اسئلة تحمل أجاباتها كل مفاتيح احلامها داخل القصيدة. يمتلك السعي ويمتلك البوح ويمتلك السؤال واجباته ويضع البراهين من خلال ما اكتسبه من فقه الوجدان وتربية البيت والمكان ، وبدا في قدرته على التحدي انه لا يريد ان يخضع لقوة غير قوة ايمانه الالهي والروحي والثقافي والوطني فنراه يقول عباراته بحماس ولا يهاب النتيجة ومدلولات التفسير. بل نجده يضع افكاره وصوره ورؤاه في السياق الذي يعتقده رداً شافياً لكل اؤلئك الذين يرون من متانة ما للرجل من منجز وموقف ومكانة شيئا ومكانة ادبية أرادوها لانفسهم. لهذا ترى في حكمة القصيدة حكمة لثقافة الرجل وانسانيته ومكانته. لهذا هو ينادي الاخر ليتعلم ويكتشف نفسه لينذرها للخير كما يفعل هو:
لو يُنزعُ الغِلُّ من أعماقنا قنِعَت مِنَّا النفوسُ وما أزرى بِنَا الحالُ
يرُوعُنَا الموتُ نُسقى من مشاَرِبِهِ ومن على دَفعِهِ يقوى ويحتالُ ؟
لو لم تكن رحمةُ الأدَّيانِ واسعةً لفضَّلَتْ موتها في المهدِ أطفالُ
حسبُ الخلائقِ آلامٌ وقارعةٌ وما أفادت من الثَّاراتِ أبطالُ
هكذا نراه يضع في الدرس الروحي ذاكرة التاريخ لنتعلم ويتعلم الاخر مما جرى ، درس أن يكون بمستوى طموح الشاعر في جعل رسالته الحضارية والفقهية والروحية ناصية لكشوفات الحلم والانجاز والسلام.
أنها قضية الشعر ليكون جسرا واصلا بين القارات ليعزز ثقافة التواصل والتعلم والتعايش هكذا يصف عبدالله باشراحيل مهمة الشاعر في نبل قضيته ويصرح فيه دوما حين يذكر :أن الكتابة الشعرية هي كتابة حضارية عالية الاداء في التعبير عن ضمائر الشعوب والامم.
وربما هذا النص يرينا تماما ما يصرح به الشاعر ويقصده ويسعى اليه. وربما هذه القصيدة المحتفية بأداء من وجدان متسع الرؤى والشاعرية والحكمة ترينا الكثير من معاني واهداف الوجود الذي ينشده البشر في سعيهم للحياة الفاضلة حتى وان لم يكونوا لينالوها الى الان ، ولكن بفضل المكان المكي وطهارته وقدسيته ترى الشاعر يسعى ليكون من الذين يؤسسون للحلم الانساني في معناه الفاضل ، لهذا نراه في هذه القصيدة العميقة يؤشر كما مؤرخ تاريخي للفعل الانساني ويحاكي الاخر بدلائل وجود البشر عبر تواريخهم وفي مسيرتهم لصناعة الحضارات عبر الف هاجس وهاجس ، امبراطوريات ، حروب ، بناء وعمران ، تيجان صنعت مجدا للسيف وللكلمة والآثر ، ثورات ومكتبات ومتاحف..تواريخ تريك القصيدة حياتها وعصورها على مد النطر والبشر. ويشعرك نبض قلب شاعرها أننا أنما نكون فأن التاريخ امامنا بشواهده وحكاياته ودروسه وعلينا ان نضعها في الحسبان دوما.
هذه القصيدة بالرغم من تصاعد اداءها الحماسي إلا ان ما يميزها شاعريتها المفرطة وحكمة معانيها وتفوق روح الابداع على لحظة المبارزة. أنها قصيدة المشهد والدرس والتفعيلة الايقاعية بوعي المفردة وجمالها وتوثيق احداث الروح من خليقتها الاولى وحتى اليوم.
يا لَلصِّراعُ وكُلُّ الخلقِ داميةٌ ويالَدمعُ الثَّكالى وهو هَمَّالُ
خُذِ الزَّمانَ على العِلاَّتِ مُصطبراً فكم تلظَّى بريب الدّهر أقيالُ
أنه درس التأريخ والخليقة ، تكشفهُ لنا شاعرية عبدالله باشراحيل في مهابة الوعي وضرورته وتمنحنا القدرة على بقابلية الشعر ليكون رسالة انسانية لوجدان الشاعر الحقيقي ليكون مفخرة لوطنه وبيته ومدينته ومجالسه. هذه القصيدة توصلنا الى فهم المرادف الروحي للحظة يراد فيها لنا أن نفهم مغزى أن يكتب الشاعر قصيدته هذه بهكذا مستوى من الوعي والعذوبة والمشاعر والفكر والحماس. وفي كل مستويات هذا النص ومقاصده يشعرنا باشراحيل بنوع من التنازع لمعرفة ما تخفيه عبارته من قصد. البعض يفسر القصيدة ردا على مشاكس.وآخر قد يراها تفاخرا بمنجز وربما بعض النقاد يدرسها على انها دروسا لحكمة رجلا علمه الشعر ان يكون مبدعا بروحه وقلمه. وربما يشعر قارئ ما ان هذه القصيدة هي قصيدة لزهو الرجل المتفاخر بعطاءه ومنجزه.لكنني اراها قصيدة لابداع الروح واثبات انسانيتها وبساطتها وقيمة من تملك من وعي ورسالة وموهبة. ولعل البيت الاخير من القصيدة يرينا كامل الوعي لكاتبها وقائلها وناشرها. أن هذا البيت بحكمته وشاعريته وبلاغته يختصر تماما رؤى الشاعر ورغبته من حياته ليضعنا امام صورة لامعة وواضحة لمعالم الشاعرفي قصيدته والقصيدة في شاعرها :
فاختر لِنفسِكَ ما تسمو به شرفاً فأنتَ ذكرى وخير الذِّكرِ إفضالُ
ألمانيا 30 نوفمبر 2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.