من نواصي أبي سفيان العاصي - 6

كُنَّا جلُوساً بَين يَديّ شَيخنا "أبي سفيان العاصي"، ونَحن نَتعطَّش لشَواردهِ ومَواردهِ، وصَادرهِ ووَاردهِ.. كَيف لَا، وهو الذي يَمضي وَقته في التَّأمُّل والتَّفكُّر في كَهفٍ مَهجور..؟!
جَلسنا بَين يَديهِ فقَال: (اعْلَمُوا –سَلّمكم الله مِن الأضرَار والأشرَار وسُوء الأخبَار- أنَّ الحجَارة فِيها عُنصريّة وطَبقيّة، فهُنَاك حجَارة للتَّقبيل مِثل الحَجَر الأسوَد، الذي نُقبّله ونُجلّه أسوَةً برَسول الله -صلى الله عَليه وسلم- في فِعله مَعه، وهُناك حَجارة للبيع والشّراء وأُخرى للافتخَار، وحجَارة للرَّمي وأُخرى للدّعس، وهُناك حجَارة للاستنجَاء والاستجمَار)..!
ثُمَّ نَظَر إلينَا فوَجَدَ أنَّا تَحوّلنا إلى آذانٍ صَاغية، وجَوارحنا مُستمتعة بلُغتهِ وفِكرتهِ الطَّاغية، فأخَذ نَفساً عَميقاً ثُمَّ قَال: (يُقال إنَّ الحُرَّ مَن يَخرق العَادَات، ولَكن أي عَادة تَخرقون وأنتُم مُحاطون بسجنٍ كَبير مِن العَادَات والتَّقاليد)..؟!
ثُمَّ سَكَتَ شَيخنا، فبَدأ أحَد الطلَّاب يَهمس في أُذن زَميل لَه قَائلاً: (الصَّديق وَقت الضّيق)، فغَضَب شَيخنا وقَال: (إنَّكم بذَلك تَظلمون الصَّداقة والصَّديق -عَلى حَدٍّ سَواء-، حِين تَجعلون الصَّديق سيّارة إسعَاف؛ لا يُصادَق إلَّا لسَاعاتِ العُسرة، وأوقَات الضّيق والحَرَج، يَا طُلَّابي لَيتكم قُلتم كَما قَال المُفكِّر "رالف آمرسون": "الصَّديق مَن أستَطيع التَّفكير أمَامه بصَوتٍ مُرتفع".. هَل رَأيتم الفَرق بَين الوَصفين)..؟!
وفي النّهاية سَمع شَيخنا أحدهم يَقول: (إنَّني أكرَه فُلاناً)، فنَظر إليهِ أبوسفيان العاصي ثُمَّ قَال: (يَا أحبَابي، اعْلَمُوا -بَارك الله في عَواطفكم- أنَّ الحُبَّ والكُره عَاطفتَان ثَمينتَان، يَجب صَرفهما عَلى النَّاس بإتقَان، بحَيثُ لا تَكره ولا تُحب إلَّا مَن فَعَل فِعلاً؛ يَستحق مَعه أن يَنال هَذه الصِّفة أو تِلك.. واعْلَمُوا -يَرحمكم الله- أنَّ هُناك نَوعا مِن الحُبِّ مِثل هبُوب العجَاج، يَأتي بسُرعة ويَرحل بسُرعة، بَعد أن يُعمي العيُون ويُخربط العَواطِف، ويُثير تُراب الأسئلَة)..!
حَسنا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: هَذه أحَد إصدَارات شَيخنا "أبي سفيان العاصي"؛ يَتحدَّث فِيها عَن تَجاربه في الحيَاة، ويَضعها بَين أعيننا وعَلى طَريقنا، فمَن أرَاد أن يَأخذ بها فهي لَه، ومَن زَهَد فِيها فليَتركها؛ ويَعتبرها لَم تُكتب لَه.. وكُلّ إصدَارٍ وأنتُم بنَاصيةٍ مِن النَّواصِي؛ تَحميكم مِن الأخطَاء والمعَاصِي..!!!
تويتر: Arfaj1
Arfaj555@yahoo.com