قال لي الحكيم « مرداس « الذي نحت الزمن تجاربه على ملامحه بعد حوار معه ختمه بعبارته هذه : يا بنيتي ... كلّ شيء في هذه الحياة له وجهان ... ما عدا شيئا واحدا ... وبالرغم من أنه ليس له إلا وجه واحد إلا أننا في بعض الأحيان لا نرا...!!! تعجبتُ كثيرًا .. أيّ شيء هذا الذي ليس له إلا وجه واحد ... ولا نستطيع رؤيته ...؟!! كلمات الحكيم أخذتني وحلّقت بي في عالم من الأفكار التي أخذت تتناوشني ... فكلّ شيء في هذه الحياة له وجه آخر .. وهذا ليس بشيء جديد أو غريب .. ولكن الطرافة في الأمر هو أنّ هذا الوجه لا يرى صاحبه منه إلا ما يناسب فكره ... فنحن نتعجب كثيرًا من أنفسنا وممّن هم حولنا إذا نظروا للوجه الذي لا نراه ... بينما نرى ذات التعجب منهم لنا لأنهم لا يرون ما نراه... والحقيقة أنّ في هذا الأمر الكثير من المتعة الخفية التي لا يدركها أصحابها ... فبهذا الوجه الآخر تُفتح آفاق لكثير من الحوارات ... والنقاشات التي تفضي إلى أمور رائعة في كثير من الأحيان ... أو قد تؤدي إلى أمور لا تحمد عقباها... نظرتُ إلى ذلك الحكيم الذي نهض يجرّ خطاه بعيدًا عني ...حتى توارى من أمامي واختفى ... عدتُ إلى أفكاري لأبعثرها وأنبشها علّي أجد صاحب الوجه الواحد ... وبعد تفكير ملح أيقنت أنّ صاحب الوجه الواحد هو الذي لا نستطيع رؤية وجهه الآخر مهما حاولنا ... ومهما فعلنا ... ليس لأنه غير واضح ... أو لا يرى بالعين المجردة ... بل لأنه ببساطة لا يحمل إلا صورة واحدة ... لا يختلف عليها اثنان ... هذا الوجه ليس إلا وجه الحقيقة ...فبالرغم من أنّ لها وجها واحدا إلا أننا في أغلب الأحيان مع الأسف لا نستطيع رؤيتها .... وقد تبقى لسنوات أو قرون دون أن يكتشفها أحد ... أو قد تموت مع صاحبها للأبد ....يا للغرابة.... ولكن هل المرء يُغًيّب عن الحقيقة أم أنه لا يريدها أن تظهر ...؟!! في اعتقادي أنّ الحقيقة في أغلب الأحيان قد تكون مؤلمة ومحزنة ... لذا أعتقد أنّ كثيرًا من الناس يؤثرون إخفاءها بالرغم من يقينهم ومعرفتهم بها مسبقًا ... بل ربما يعمدون لخداع أنفسهم هربًا منها .... أو يعمدون لتزييفها ... أو تجاهلها ... !! فعلا ... يا للعجب ..!!! كثيرة هي الحقائق في حياتنا وأمورنا ولكننا نتعمّد تجاهلها ... مع أنّ الحقيقة وإن كانت مؤلمة غير أنها مريحة تطلق العنان لأفكارنا وعقولنا ونفوسنا لنرى الحياة ببعد آخر ... فهي تظلّ كما هي لا تتغير ولا تتبدل ... وتظهر في وقتها المقدّر لها لحكمة يقتضيها الله ... و مع أنّ قيمتها الجمالية في وقتها ... إلا أننا لا نستطيع أن ندرك هذا الوقت وهذه القيمة الجمالية إلا بالصدق والشفافية الراقية مع أنفسنا .... هكذا نرى الحقيقة بوضوح دون تعتيم أو ضبابية أو تغييب ... حنان سعيد عطية الغامدي-جدة