أمانة الشرقية تطلق مشروع تطوير كورنيش الدمام بهوية ساحلية معاصرة تعزز جودة الحياة    وفد أعضاء لجنة الصداقة البرلمانية السعودية التركية بمجلس الشورى يلتقي رئيس البرلمان التركي    "سعود الطبية" تُعزّز حضورها الأكاديمي بزمالة الأشعة التداخلية العصبية    من أعلام جازان.. الأستاذ عبدالله بن عيسى إسماعيل الشاجري    صندوق الاستثمارات يتصدر التصنيفات العالمية في الحوكمة والاستدامة والمرونة لعام 2025م    نائب أمير نجران يطَّلع على أعمال شركة الاتصالات السعودية في المنطقة    دبي تستضيف النسخة السادسة من القمة الطبية لأمراض الدم لدول الشرق الأوسط وأفريقيا وروسيا    ارتفاع الأسهم الأوروبية    العراق يؤكد استعادة أكثر من 40 ألف قطعة أثرية مهرب    ترامب يهدد بترحيل ماسك إلى جنوب إفريقيا    المملكة تختتم رئاستها للسنة الدولية للإبليات 2024م    أمير تبوك يدشن مبادرة جادة 30 ويرعى توقيع اتفاقيات تعاون بين عدد من الجهات والهيئات    أمين القصيم يوقع عقد تأمين مضخات كهربائية لمحطات ومعالجة السيول بمدينة بريدة بأكثر من 3 ملايين ريال    أمانة تبوك تكثف جهود صيانة الطرق والحدائق وشبكات التصرف خلال النصف الأول ل 2025    بلدية المذنب تطلق مهرجان صيف المذنب 1447ه بفعاليات متنوعة في منتزه خرطم    سمو أمير منطقة القصيم بحضور سمو نائبة يدشن منصه جائزة السياحة الريفية ويؤكد السياحة الريفية ميزة تنافسية للمنطقة    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    وزارة الداخلية تنهي كافة عمليات إجراءات مغادرة ضيوف الرحمن من الجمهورية الإسلامية الإيرانية    نثق قي تأهل الأخضر للمونديال    134مليار ريال إنفاق المستهلكين    تستضيف مؤتمر (يونيدو) في نوفمبر.. السعودية تعزز التنمية الصناعية عالمياً    حرصاً على استكمال الإجراءات النظامية.. ولي العهد يوجه بتمديد فترة دراسة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر    برنية: رفع العقوبات يمهد لفك الحصار.. واشنطن تدعم سوريا لإنهاء «العزلة»    هيئة تقويم التعليم تعزز حضورها الدولي بمؤتمرات عالمية في 2025    اقتراب كويكب جديد من الأرض.. السبت المقبل    أكد أن أبواب الدبلوماسية مفتوحة.. عراقجي: لا مفاوضات نووية قريبة    ترمب: فلسطين وإيران محور مباحثاتي مع نتنياهو.. جهود دولية لوقف إطلاق النار في غزة    انطلاق النسخة الثامنة لتأهيل الشباب للتواصل الحضاري.. تعزيز تطلعات السعودية لبناء جسور مع العالم والشعوب    تأهيل الطلاب السعوديين لأولمبياد المواصفات    الفيشاوي والنهار يتقاسمان بطولة «حين يكتب الحب»    صدقيني.. أنا وزوجتي منفصلان    ضمن السلسلة العالمية لصندوق الاستثمارات العامة.. نادي سينتوريون يحتضن بطولة PIF لجولف السيدات    مانشستر يونايتد مهتم بضم توني مهاجم الأهلي    وفاة كل ساعة بسبب الوحدة حول العالم    الأمهات مصابيح من دونها قلوبنا تنطفئ    موقف متزن يعيد ضبط البوصلة الأخلاقية الدولية!    غونزالو غارسيا يقود ريال مدريد إلى ربع نهائي «مونديال الأندية»    القيادة تهنئ حاكم كندا ورؤساء الصومال ورواندا وبوروندي بذكرى بلادهم    320 طالباً يشاركون في برنامج «موهبة الإثرائي» في الشرقية    فيصل بن مشعل يحتفي ب24 فارساً حققوا 72 إنجازاً محلياً ودولياً    المفتي يتسلم تقرير العلاقات العامة بالإفتاء    المملكة توزّع (900) سلة غذائية في محلية الخرطوم بالسودان    المملكة تدعو إلى إيجاد واقع جديد تنعم فيه فلسطين بالسلام    سعود بن بندر يلتقي العقيد المطيري    "مسام" ينزع (1.493) لغمًا في الأراضي اليمنية خلال أسبوع    د. السفري: السمنة مرض مزمن يتطلب الوقاية والعلاج    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة العارضة    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل مدير نادي منسوبي وزارة الداخلية بمناسبة تعيينه    رياضي / الهلال السعودي يتأهل إلى ربع نهائي كأس العالم للأندية بالفوز على مانشستر سيتي الإنجليزي (4 – 3)    هنأت رئيس الكونغو الديمقراطية بذكرى استقلال بلاده.. القيادة تعزي أمير الكويت وولي عهده في وفاة فهد الصباح    القيادة تعزّي أمير الكويت في وفاة الشيخ فهد صباح الناصر    أصداء    العثمان.. الرحيل المر..!!    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يطلع على استعدادات المنطقة خلال موسم الصيف    "الفيصل" يرأس الاجتماع الأول لمجلس إدارة الأولمبية والبارالمبية السعودية    تحفيز الإبداع الطلابي في معسكر ثقافي    أكد أهمية مناهج التعليم الديني.. العيسى يشدد: تحصين الشباب المسلم من الأفكار الدخيلة على "الاعتدال"    «الشؤون النسائية بالمسجد النبوي» تُطلق فرصًا تطوعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.لؤلؤة: لا يمكن أن يقول الغذامي بموت البلاغة.. وموقفه من “الخطيئة والتكفير” دليل على سعة صدره
نشر في المدينة يوم 25 - 05 - 2011

برغم أن الناقد العراقي الدكتور عبدالواحد مجيد لؤلؤة قد شكّك في نسبة القول ب“موت البلاغة العربية” للناقد الدكتور عبدالله الغذامي، إلا إنه استدرك بالإشارة إلى أن هذه المقولة إذا كانت صحيحة النسبة إلى الغذامي فلا شك أنه قد أسئ فهمها، مشيرًا إلى أن مقصد الغذامي من مقولته ربما يكون أن البلاغة العربية لم تعد تتواصل مع الأديب كما كانت تتواصل في العصر العباسي مثلًا، كذلك امتدح لؤلؤة موقف الغذامي من كتابه «الخطيئة والتكفير» واستعداده لإحراقه إذا ما ثبت له خطأ ما جاء فيه، مبينًا أن هذا الموقف لا يعد تراجعًا من الغذامي عن أفكاره، بل يدل على سعة صدره، واحتماله لنقد مخالفيه.. لؤلؤة انتقد انقطاع التواصل بين الأدباء العرب، ملقيًا باللائمة في ذلك على البريد العربي، واصفًا إياه بالأسوأ في العالم، مبينًا أنه لم يجد حتى الآن ناشرًا عربيًّا يحترم حقوق المؤلف، مما أخّر نشر موسوعته النقدية، التي أكد أنها لن ترَ النور إلى في ظل وجود «ناشر» عربي وليس «ناشل» -على حد قوله-.. قراءة لؤلؤة لواقع النقد العربي، وانقطاع أصحاب النظرية النقدية الخاصة منذ القرن الرابع الهجري، ورؤيته للمشهد النقدي السعودي، وغيرها من المحاور الأخرى طي هذا الحوار.
توجهات نقدية خاصة
* كيف تقيّم وضع النقد العربي الحديث؟
صعب أن يتحدث الشخص عن النقد العربي بشكل عام؛ لأن لكل بلد عربي توجه خاص وثقافة من مستوى معينة واهتمامات قد لا تكون نفس الاهتمامات التي قد توجد في بلد عربي آخر، فمثلًا في بلاد المغرب العربي حركة النقد ناشطة جدًّا لاعتماد كُتّاب النقد على ما يكتب في فرنسا أو باللغة الفرنسية، وهناك كثرة من المثقفين الذين يتقنون اللغة الفرنسية ويترجمون عنها، وهذا ما أنعش حركة النقد هناك، أما في المشرق العربي فالوضع يختلف؛ فمثلًا في بلاد الشام قسم كبير من النقد يعتمد على التراث العربي النقدي، وقسم آخر يعتمد على ما تعلمه كُتّاب النقد مما كتب باللغة الإنجليزية، وقليل جدًّا مما كتب من نقد باللغة الإيطالية أو الفرنسية، ولذلك لا يمكن الحديث بشكل عام، وإنما لكل بلد توجه معين ولديه نشاط معين، وهذا النشاط يعتمد على وجود وسائل النشر سواء كانت كتبًا أو صحفًا أو مجلات أو محاضرات أو أنشطة جامعية.
جركة نقدية نشطة
* إذا خصصنا الحديث حول حركة النقد في السعودية.. فماذا أنت قائل؟
أنا أيضًا لا أستطيع الحديث عن النقد السعودي بشكل عام، وهذا السؤال يشبه سؤالك الأول، في النقد السعودي أرى أن هناك كُتّاب نقد جيدون وجادون وواسعو الثقافة، ولا يمكن تعميم هذا الكلام على الجميع أو تحديده على شخص دون آخر، لا أستطيع القول إن هناك ما يشبه الصراع على الساحة السعودية، كما أنه في المقابل هناك أنشطة مباركة في الجامعات بشكل خاص وهي المصدر الرئيس للأنشطة في الكتابات النقدية، كما أن فيها أيضًا عددًا كبيرًا من الكتب التي تصدر بين وقت وآخر تبين أن الحركة النقدية ناشطة وهناك من يعنى بها ويشجعها، وهذا شيء جميل.
ظاهرة صحية
* كيف تقرأ جهود الدكتور عبداللّه الغذامي النقدية في مجال البنيوية والنقد الثقافي؟
الدكتور عبدالله الغذامي صديق عزيز، ولي علاقات ثقافية معه منذ أكثر من 20 عامًا منذ أن كان شابًا وهو لا زال شاب القلب والروح أيضًا برغم أنه قد خطى إلى المشيب، وهو قد بدأ بالبنيوية لسبب بسيط؛ لأن البنيوية في السبعينيات كانت آخر عز البنيوية، وبعدها تضاءلت وهو حاول أن ينقل هذا المفهوم الجديد إلى مجالات الثقافة في السعودية بشكل عام فعرّف الدكتور الغذامي بالبنيوية، وحاول أن يطبّقها على بعض النصوص، وهذا ظاهر في كتاباته العديدة. أما فيما يتعلق بالنقد الثقافي عند الدكتور الغذامي فهو أيضًا كان قد دخل في مساجلة حول هذا الموضوع مع دكتور سوري، ونشرت هذه المساجلات حول النقد الثقافي، ما مدى نفع النقد الثقافي للمثقف العربي؟، وهو أيضًا معالجة موضوع حيوي جدًّا، ولو قد تختلف فيه الآراء من مفكّر لآخر؛ ولكنه بالنسبة لي شيء جميل جدًّا، ودليل على وجود حركة والحركة بركة كما يقولون، ويدل على وجود اهتمام وهذا هو الشيء الجميل. بينما في بعض البلدان العربية الأخرى بدون ذكر أسماء فالأوضاع العامة عندهم لا تساعد على وجود نشاط ثقافي بينما الأوضاع الموجودة في السعودية -بقدر ما أعرف وبقدر ما اطلعت- تساعد وتفتح المجال لهذا النشاط، وربما هناك من يقف موقفًا قد لا يعجبه ما يميل إليه الدكتور عبدالله الغذامي، وهذا أيضًا ظاهرة صحية، وليكن هذا لأنه بالنتيجة ستكون هناك إثارة للأفكار وللتوجهات، وهذا في صالح الثقافة بشكل عام ولا أقول في صالح النقد بشكل خاص، وهذا شيء جيد.
سعة صدر
* هل ترى في قول الغذامي إنه على استعداد لإحراق أو تعديل كتبه وخاصة “الخطيئة والتكفير” أي نوع من التراجع؟
لا أنا لا أرى في هذا أي تراجع من قبل الدكتور الغذامي بل هو انفتاح وهو سعة صدر، ومعناه أنني إن كنت مخطئًا فيما كتبت فتفضلوا هذه كتبي أمامكم فبينوا لي مواضع الخطأ، فإذا اقتنعت فأنا على استعداد لأن أعدّل ما ذهبتم إليه، وهذا شيء جميل جدًّا، وهو ضد التعصب والتزمت والتزام الفكرة الواحدة، والتشدد الذي يقول إن ما قلته أنا صحيحًا ويبقى صحيحًا فهذا موقف خاطئ فكريًّا وثقافيًّا وإنسانيًّا كذلك. فالبنيوية مذهب وافد على الثقافة العربية، ولكننا نفاجئ بشخص في بلد آخر ادعى بأنه رسول البنيوية الذي بعثته العناية الإلهية، وبدأ يتكلّم كلامًا غير مفهوم في كثير من الأحيان حتى لنا كأكاديميين ومتخصصين في النقد، وذلك لسبب بسيط هو أن هذا الرجل ينعق بما لا يسمع، فهو يعتقد أنه فاهم للبنيوية، وهو في الحقيقة لا يفهمهما ولا يعرفها حق المعرفة.
جهل بالبنيوية
* هل يمكن أن توضح لنا تفاصيل هذه القصة؟
هذا شخص في بلد عربي ما أنا غير واثق أنه يفهم البنيوية في أصولها ويحاول أن يطبقها على الأدب العربي، ولأنه غير واثق من فهمها فقد أصبح حديثه عن النص العربي من وجهة نظر هذا التطبيق، فإذا أنا كنت قد اطلعت وقرأت وحاولت أن أفهم فإذا بهذا الكلام الذي يذكره ويكتبه قد استعصى علي فهمه، فما بالك بالقارئ المبتدئ أو الطالب الجديد، فإذا سألت ذلك الشخص المتزمت المتعصب يتهمك بالجهل لأنك لا تفهم كلامه، بينما الدكتور الغذامي عندما يقول تفضلوا إذا وجدتم أن هناك شيئًا خطأ أو غير مفهوم فأنا مستعد أن أعيد النظر فيه أو أن أعدّل أو أبدّل إذا اقتنعت برأيكم، وهذا موقف أكاديمي محترم جدًّا.
تأويل موت البلاغة
* وكيف تنظر لإعلان الغذامي عن موت علم البلاغة العربية؟
إذا كان هذا الكلام صحيحًا قد صدر من الدكتور الغذامي مع أنني أشك فيه، لأنني أعتقد أن هذا الرجل لا يمكن أن يقول إن البلاغة قد ماتت، وهذا القول مثل القول بأن المؤلف قد مات وهو قول غير صحيح، وقد أسيء فهمه، فالذي ادعى بأن المؤلف قد مات، فهو يقصد أنه يجب نعتمد على النص ونعالج النص وننسى وجود المؤلف، وهذا هو المقصود وليس المقصود منه أن المؤلف مات ولو كان هذا المقصود فإن أرسطو قد مات، وأفلاطون أيضًا، وشكشبير كذلك ماتوا موتًا طبيعيًّا، ولكن الكتاب يبقى ونحن ندرس كتابًا مثل كتاب «فن الشعر» لأرسطو مع أن عمره أكثر من 2500 سنة، فقول الغذامي بأن البلاغة العربية قد ماتت فأتصور أن المقصود منه هو أنها لم تعد تتواصل مع الأديب كما كانت تتواصل في العصر العباسي مثلًا، فالجناس والطباق ولزوم ما لا يلزم، والتطورات في التشبيه والاستعارة مع عادت تستهوي الأديب المعاصر، وهذا ما أعتقد أن الدكتور الغذامي يقصده، فإذا كان هذا هو الذي يقصده فهو كلام صحيح، فمثلًا في أحد العصور الماضية كان هناك شاعرًا بارعًا ويصفق له ويقدس إذا قال:
وقبر حرب بمكان قفر
وليس قرب قبر حرب قبر
هذا الكلام يعتبر ميت الآن، والألاعيب اللغوية البلاغية في وقتها كانت تستهوي من عاش في ذلك الوقت بما فيها من جناس وطباق وتشبيهات، ولكنها لا تستهوي من هو حاضر اليوم فربما تستهويهم بشكل أكثر قصيدة لأدونيس على محبة أو عدم محبة لأدونيس ولا أقول كراهية، فهو عندما يصف مذبحة صبرا وشاتيلا فهي مسألة حية في ذهن المتلقي، فهو يقول في ذلك مثلًا:
متدثرًا بدمي أسير
تقودني حمم
ويهديني دخان
فهذه الصورة لا توجد بها بلاغة قبر حرب، ولكنها صورة حية أكثر وفيها بلاغة أروع، فكيف يهديك الدخان، ونحن نعرف أننا نهتدي بالضوء وبصوت العصافير وأمواج البحر، ولكن تقودني حمم، ويهديني دخان فهو يتبع الدخان لكي يصل إلى منطقة لا يرى فيها إلاّ الجثث، وهذه بلاغة من نوع آخر، لا تعتبر الجناس أو الطباق.
أتعس بريد في العالم
* لنعد إلى الحركة النقدية في السعودية.. هناك أسماء أخرى غير الدكتور الغذامي مثل الدكتور سعد البازعي، والدكتور معجب الزهراني، والدكتور معجب العداوني، وبعضهم يختلف مع الغذامي في كثير مما يراه.. فما رأيك في نتاجها النقدي؟
لا أعتقد أن الأسماء التي ذكرتها هي في خصام لا مع الغذامي أو مع غير الغذامي، وأعتقد أنهم أذكى وأكثر أريحية من أن يقفوا موقف المخاصم قد يختلفون بين بعضهم وقد يتفقون، وفي جميع الأحوال إن ما يجري لديكم في السعودية من حراك نقدي هو شيء جميل ويبشر بالخير. وأنا في الحقيقية لم أطلع على أي من نتاج هؤلاء النقاد وذلك لطبيعة عملي، كما أن البريد بين البلدان العربية الذي يعد أتعس بريد على وجه العالم قد زاد الطين بلّة، فكيف يصلني كتاب من بلد إلى بلد تحكمه الرقابة، وإذا الرقيب في كثير من الأحيان لم يعجبه الكتاب ربما يلقي به في سلة المهملات، ونحن نشكو من هذا الهم، فنحن في المشرق العربي لا نتواصل ثقافيًّا مع الإخوة في المغرب العربي ربما لهذا الأسباب، وهم أيضًا يشكون من مثل هذا أيضًا، ومع أن الإنترنت قد وفّر الشيء الكثير إلاّ أن الإنسان غير مستعد أن يقضي نصف نهاره على الإنترنت حتى يعرف ما الذي صدر هنا أو هناك بالرغم من أن هذه الوسيلة قد قدّمت خدمة كبيرة واختصر لنا المسافات، فكير من الكتب قد وضعت على الإنترنت ويمكن أن تقرأها مجانًا أو عن الشراء بمبلغ بسيط.
أسباب أخرى
* هل تلقي باللائمة فقط على البريد العربي في تعليل هذه الفجوة.. أم ثمة أسباب أخرى؟
نعم هناك العديد من الأسباب الأخرى، وأنا أذكر أحد الناشرين في بلد عربي معين حاول أن يساهم في معرض كتاب في بلد عربي آخر، فلما جاءت الكتب ودفع مقدم إيجار للزاوية أو الكشك في البلد المنظم وبالعملة الصعبة، وقبل وقت بعيد من بداية المعرض وأوقفت جميع كتبه في الميناء، ولم يفرج عنها إلاّ بعد انتهاء المعرض المقام، فكيف تتوقع أو تريد من الناس الذين يهتمون بالثقافة والكتاب أن يطلعوا أو يبحثوا عما يصدر من وقت إلى آخر.
اتجاهات عديدة
* لكل حركة نقدية تيارات متعددة تتصارع وتتضاد وتتوافق.. فما مدى تأثير هذه التيارات على حركة النقد؟
نعم في كل حركة نقدية اتجاهات عديدة؛ ولكن كما قلت لك إن الحاكم والقاسم المشترك بينهما هو الثقافة ووجود الثقافة والمعرفة باللغات الأجنبية فيستطيع الإنسان معرفة ما يجري من خلالها في أماكن أخرى وعند ضعف الثقافة والمعرفة باللغات الأجنبية فإن النقد لا ينتعش ولا أمل فيه.
كُتّاب نقد وليسوا نقّاد
* أشرت في عديد من اللقاءات السابقة أنه لا يوجد ناقد عربي قام بصناعة نظرية نقدية.. هل مازلت على الموقف نفسه؟
أنا أقول إنه منذ القرن الرابع الهجري لم يظهر عربي يشكّل نظرية نقدية خاصة به، ومن يدعي خلاف ذلك فليتفضل وليعلمني وأنا مستعد أن أتعلم منه، وعلى حد علمي لم يظهر واحد منذ الجرجاني وقدامة بن جعفر وابن طباطبة فكل واحد من هؤلاء كانت له طريقة معينة في تناول النص الأدبي وبالدرجة الأولى النص الشعري، فمنذ ذلك الوقت إلى الوقت الحالي لم يظهر شخص يبلور نظرية نقدية خاصة به، ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد لدينا من يكتب دراسات نقدية. بل يوجد عندنا الكثير من يكتب دراسات نقدية ودراسات جادة، وطبعًا في كل هذا غث وسمين، وهناك من ينعق بما لا يسمع وهذا موجود، لكن أنا لا أسمي الإنسان ناقدًا إلاّ من يملك نظرية نقدية، فأرسطو ناقد، وبرندولو ناقد، وشامبرسارت ناقد؛ لأنهم يملكون نظريات نقدية تخصهم، في إنجلترا على سبيل المثال أرلو شاعر وناقد، وفي أواسط القرن الماضي هاوسمن شاعر وناقد له نظرية وله توجه معين في التعامل مع النص الأدبي، وكل هؤلاء كانت لهم طريقتهم الخاصة والنقدية والنظرية، لكن في عالمنا العربي لم يظهر أحد وكل الذين ظهروا عدد من كُتّاب النقد الذين يعتمدون إما على تراثنا العربي في النقد أو على ما فهموه من مدارس النقد الأجنبية، والمشكلة أن كاتب النقد الذي يعتمد على نظريات النقد الأجنبي ويوحي بأن هذه آراؤه فهذا كلام باطل.
وفي أحد اللقاءات التي تحدثت فيها قدمني المحاور على أنني الناقد الكبير، فأنا اعترضت وقلت له إنني كبير في العمر ولكنني لست ناقدًا لأنني لا أملك نظرية نقدية ونفيت هذه التهمة أو الوصفة عن نفسي، ولم أقل أنه لا يوجد من يكتب نقد، بل هناك عدد كبير ممن يكتب دراسات نقدية ودراسات جادة ومفيدة، واستشهدت في ذلك بطه حسين فقلت إنه أديب كبير ومثقف كبير ويفهم لغة أجنبية وترجم من الأدب التمثيلي الإغريقي، ولما طبّق نظرية ديكارت في الشك في الشعر الجاهلي لم يدعي أن هذه النظرية له، بل قال إنها نظرية ديكارت، وهذه النظرية فتحت أذهاننا إلى أن ليس كل ما يذكره التاريخ بالضرورة يعد صحيحًا، وجعلنا نتريث قبل الحكم على أن هذه القصيدة صحيحة أو منحولة.
* ما الأسباب التي أدت إلى عدم وجود ناقد عربي منذ ذلك العصر إلى هذا الوقت هل هو تقصير منا؟
لا ليس كذلك؛ فعدم وجود مسرح في الأدب العربي ليس معناه أننا مقصرون، فالمسرح بدأ في القرن التاسع عشر استنادًا إلى ما تعلمه المصريون وبلاد الشام من المسرح الفرنسي، فهذه ظروف هي التي أدت بنا إلى هذا الشكل والتأخر، ولكن بعد ذلك وجد لدينا مسرح ولدينا شعر ممتاز، وليس لدينا نقد أو نظرية نقدية، وإن شاء الله تظهر في القريب ونفتخر بها.
يباب وليس خراب
* على أي حجة تستند في اعتراضك أن تكون قصيدة “الأرض اليباب» نموذجًا للأدب المسيحي؟
لسبب بسيط أنها ليست نموذجًا للأدب المسيحي على الإطلاق؛ فهذه القصيدة ثقافية وهي تقول لنا: إن الحضارة أو الثقافة في عالمنا المعاصر بعد الحرب العالمية الأولى ويقصد في أوروبا غدت أرضًا يبابًا وليست خرابًا، وهناك فرق كبير ففي القاموس العربي: دارهم خراب وأرضهم يباب، فالدار الخراب لا أمل فيها، ولكن الأرض اليباب هي التي انحبس عنها المطر فإذا سقط عليها المطر عادت إليها الحياة عن طريق العشب والخضرة، فمن يقول إنها الأرض الخراب فهو لا يفهم القصيدة ولا يفهم اللغة الإنجليزية ولا يفهم اللغة العربية وهذه هي المشكلة الكبرى، والشاعر في القصيدة يصف حياة أوروبا الشرقية التي تمزّقت وتحطمت وذهبت إمبراطورياتها، وهذا لا يعني أن إيليوت كان إمبراطوري التوجه أو استعماري كما ادعى بعض النقاد أو فلسفي التوجه، ولكنه يقول كانت هناك وحدة جمعت هذه البلاد ولكن الذي وجدناه بعد الحرب العالمية الأولى منظر يصفه من مقهى في ميونخ، وهذا المقهى لازال موجودًا إلى اليوم، وكان فيه عدد من الرجال والنساء الذين أتوا من كل أنحاء أوروبا وهو مختلط وبعد أن يصف هذا المشهد ينتقل إلى وصف امرأتين في بار في لندن يتحدثون باللغة العامية واحدة منهن فقدت أسنانها وهي تنظر زوجها أن يعود من الحرب، فهذه صور من صور الضياع التي كانت في القصيدة، وفيها إشارات إلى لغات أوروبية أخرى وإلى مسرحيات وعدد من الكتاب، فهذا بإشارة أخرى يقول لنا: يا أيها القارئ المعاصر يجب أن تكون على اطلاع بكل هذه المقومات الثقافية وهو يضعها بلغاتها الأجنبية العامية بدون شرح، وهذا أيضًا يضعنا أمام تحدٍ آخر ولابد من الثقافة والاطلاع حتى تلم بكل ما فيها، وهي ليست مسيحية وليست بوذية ولو أنه يعتمد في النهاية على صلاة بوذية باللغة السنسكريتية ويقول: دا دا ومعناها أعطي وهي من الصلاة البوذية ومعناها أعطي، وهي تحاكي صوت الرعد ولما يُسمع صوت الرعد ينزل المطر، ولما ينزل المطر يقول: شنتيت شنتيت شنتيت ومعناها سلام سلام سلام، والمطر أعاد الحياة إلى الأرض لأننا أعطينا وتعاطفنا وسيطرنا، فأين المسيحية في هذه القصيدة، فهذا الرجل يؤمن أن الحضارات ليست من بلاد الإغريق والرومان، بل من أقدم القدم من السنسكريت من البوذية.
بين الناشر والناشل
* متى ستكتمل موسوعتك النقدية لترى النور؟
عندما تركت بغداد في عام 1982 في بداية الحرب مع إيران كنت قد أنجزت 16 جزءًا من أصل 43 جزءًا، وكانت وزارة الثقافة في بغداد تتولى هذا النشر بأسلوب سليم جدًّا وتعترف بحقوق المترجم، وبعد هذا بسبب خروجي من بغداد وظروف الحرب توقف هذا العمل، ومن وقتها كنت وما أزال أبحث عن ناشر يحترم حقوق المترجم ويكافئ المترجم على عمله ولم أستطع أن أحصل على هذا الشيء حتى الآن، وعندما أحصل على ناشر غير ناشل، فالناشر يختلف عن الناشل فالناشر، في بلاد الغرب يعمل معك عقد يحدد معك المكافأة وعدد النسخ، وكلما تنتهي طبعة يفاتحك ويستأذنك بطبعة ثانية وبعقد جديد وبمكافأة جديدة، ومع الأسف الشديد هذا الوضع لا نجده في بلادنا العربية ربما في حالة أو حالتين فقط؛ ولكن لم أسمع بأحد من الكُتّاب والمؤلفين ممن أعرفهم إلاّ ويشتكي من الناشر ويسميه ناشل، ينشل ولا ينشر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.