تعيش الجمهورية الإيرانية اليوم حالة تخبط سياسي لا نظير لها، فقد جعلت من صناعة الفوضى، وتصدير الأزمات أولوية من أولوياتها، وتعتقد أنها بهذا يمكن أن تحقق وجودها الحضاري على أنقاض الآخرين، والذي عزز لدى إيران هذا الاعتقاد شعورها بتفوقها العسكري على جيرانها، ورسّخ لديها ثقافة الاستعلاء اشتغال جيرانها بتنمية بلدانهم، وتحقيق معدلات نمو عالمية في حين يعيش 40% من الشعب الإيراني تحت خط الفقر. إيران كائن لا يحس بوجوده إلاّ إذا نجح في تدمير الآخرين، وضمهم تحت لوائه في قائمة المخرّبين. فالخليجيون بلدان مسالمة، حققت بموارد البترول نهضة حضارية وثقافية أصبحت مضرب المثل، وعاشت استقرارًا سياسيًّا نموذجيًّا أصبح يغضب إيران، ويصيبها بالجنون، ولذلك كل يوم ترتكب حماقة سياسية تكشف عمق مأساة هذا الكيان ودمويته. وشجعت دبلوماسية التسامح التي تنتهجها دول مجلس التعاون الخليجي إيران على طغيانها، وصلفها السياسي، وظنت إنها بصواريخها، وحرسها الجمهوري، وفرق اغتيالاتها يمكن أن تبتز الآخرين، وتملي عليهم شروطها بفزاعة النار والدم. إيران تقترف أكبر خطيئة اليوم في تاريخها السياسي، ويدخلها الملالي في كل يوم نفقًا جديدًا من أنفاق التيه الحضاري، ويتسابقون في صناعة الأعداء، وتأليب العالم ضدهم. فإذا وجدت اليوم موبقة في هذا العالم ففتش عن إيران. إيران شقت عصا الوحدة الفلسطينية، ولم تشعر براحة الضمير حتى شكّلت طوق الحصار على غزة، ومزّقت البيت الفلسطيني، ولم تقدم لحماس سوى مائدة الكلام والشجب والتنديد. وشتتت شمل لبنان بلد الحرية والتسامح، وأصبح الجنوب اللبناني متحدثًا رسميًّا باسم طهران، يقوم بتنفيذ وصاياها، ويقتل نيابة عنها، ويمارس كل أنواع الفجور السياسي باسم المقاومة. واحتلت إيران الجزر الإماراتية، وشكلت خلايا التخريب في الكويت والبحرين، وأشعلت النار في اليمن، وحبلها لم يزل ممدودًا على الجرار، ودمّرت العراق وأفغانستان، ووصلت جرائمها إلى جزر القمر، وبنجلاديش، وإفريقيا، وحوّلت الفضاء إلى مسرح لثقافة الكراهية عبر شبكة من القنوات الفضائية التي تصدر ثقافة السباب، والشتائم، والنياحة، وضرب الصدور. وفي كل صباح يخرج لنا معمم من طهران يحدّثنا عن الطهارة، والمحبة، والسلام، وقبيل الغروب تعلن إحدى دول الجوار عن موبقة من موبقات هذا النظام، وأصبح حديث طهران عن السلام يعني أن هناك كارثة يوشك أن تقع، من باب يكاد المريب يقول خذوني. وما قامت بنشره صحيفة القبس الكويتية قبل أيام من تفاصيل محاكمة الخلية الإيرانية يكشف جرم هذا النظام وتغوله، وحقده علينا وعلى ثقافتنا ووجودنا. وهو ما ينبغي أن يصنع ثقافة ردع شاملة لدى دول مجلس التعاون الخليجي، يتآزر فيها الثقافي والسياسي للتصدّي لهذه الهجمة الصفوية الحاقدة على ديننا وبلادنا ومستقبلنا. ولن يتحقق هذا إلاّ بإرادة سياسية واعية وقدرات ثقافية خلاقة، حتى لا نجد أنفسنا تحت رحمة هذا النظام الدموي، وقد علمنا التاريخ أنه لا مكان للضعفاء. وتاريخنا مع هذا النظام الصفوي حافل بالأحقاد، فالذي قتل المسلمين في حرم الله الآمن لن يتردد أن يقتلهم في المنامة، والدوحة، والكويت، ودبي، والرياض، ومسقط، فهل جاء دور المجوس؟! [email protected]